بلومبيرغ-
بعد شهرين تقريبا من بدئها، تسير حملة مكافحة الفساد في السعودية نحو هدفها لجمع ما لا يقل عن 100 مليار دولار تستهدفها المملكة. وقد بادل العشرات من المسؤولين السابقين ورجال الأعمال جزءا من ثرواتهم مقابل الحرية.
لكن في حالة الأمير «الوليد بن طلال» المتأزمة بشكل متزايد - حيث يمثل «بن طلال» الوجه العام للعائلة المالكة السعودية لدى العديد من المديرين التنفيذيين والمستثمرين الأجانب - كان الهدف أخطر وأكبر من الاستيلاء على إمبراطوريته التجارية العالمية أو المحادثات حول التسوية التي وصلت إلى طريق مسدود.
ويوشك ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» الدخول في الأشهر القليلة القادمة الحاسمة، التي سوف تظهر دوافعه الحقيقية ونطاق سلطته.
وتمثل حالة «بن طلال» الإجابات ينتظرها المستثمرون والدبلوماسيون الأجانب على سؤال محير لهم منذ الاعتقالات منتصف ليلية 4 نوفمبر/تشرين الثاني، ألا وهو ما إذا كانت حملة التطهير مجرد محاولة للقضاء على مظاهر الكسب غير المشروع قبل بيع أسهم عملاق النفط في البلاد - أرامكو - أو أنها كانت مجرد قنبلة دخان لإخفاء الهدف الحقيقي بتعزيز خزائن الدولة بينما يؤكد ولي العهد الشاب سلطته ونفوذه في الداخل والخارج.
وقال أشخاص على اطلاع بهذه المسألة إن «الوليد» يرفض المطالب التي تطالبه بالتخلي عن السيطرة على شركة المملكة القابضة، كما أنه يقاوم أي اعتراف بالتهم الموجهة إليه، حتى لا يؤثر ذلك على سمعته. ويمتلك الأمير الغالبية العظمى من التكتل الذي تبلغ قيمته 9 مليارات دولار، والذي يملك حصصا في علامات تجارية عالمية كبيرة من سيتي جروب إلى تويتر.
هوية الحملة
وقالت «إميلي هوثورن»، محلل شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ستراتفور الاستشارية التي تتخذ من ولاية تكساس مقرا لها: «ستحدد قضية الوليد هوية الحملة بالنسبة للمستثمرين الغربيين. وكلما طال بقاء الوليد وراء الأبواب المغلقة، كلما بدت الحكومة كجهة فاعلة غير عقلانية».
ويتناسب سلوك سحق المعارضين مع نمط ما وصفه الدبلوماسيون العرب والغربيون بأنه سياسة عدوانية تثير القلق من قبل ولي العهد، حتى لدى بعض حلفاء السعودية.
ويتم احتجاز «الوليد» - وغيره من باقي المشتبه فيهم - في فندق ريتز كارلتون في الرياض، وهو فندق فخم استضاف الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» في مايو/أيار. ولم تصدر أي اتهامات رسمية ضد أي من المعتقلين، الذين بلغ عددهم 159 شخصا في وقت سابق من هذا الشهر.
وقد استخدم «الوليد» - ابن شقيق الملك «سلمان»- البالغ من العمر 62 عاما، ثروته الملكية للاستثمار في الصناعات من القطاع المصرفي إلى الطيران والضيافة والعقارات. وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن السلطات تطالب الوليد بما لا يقل عن 6 مليارات دولار لتسوية قضيته. وقد انخفضت قيمة ثروته الصافية بنحو 2 مليار دولار لتصل إلى 18 مليار دولار منذ احتجازه، وفقا للبيانات التي جمعتها بلومبرغ.
وقال مسؤول سعودي رفيع المستوى - الشهر الماضي - إن الأمير «متعب» - ابن الملك الراحل «عبد الله» والرئيس السابق للحرس الوطني - قد تم إطلاق سراحه بعدما دفع ما يربو على مليار دولار. وقد تم الإفراج قبل أيام عن اثنين آخرين من أبناء الملك السابق، وفقا لشخص مطلع على هذه المسألة، وعضو الأسرة المالكة الذي احتفى بحريتهما على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال «بول سوليفان»، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط بجامعة جورج تاون في واشنطن: «إن الأمير الوليد قوي ولديه علاقات متشعبة بشكل جيد، ولكن هذا الأمر قد لا ينتهي بشكل جيد، نظرا لأنه في معركة مع مجموعة أكثر قوة».
وقالت مؤسسة المملكة القابضة - في بيان لها - في 6 نوفمبر/تشرين الثاني، إنها تتمتع بثقة الحكومة السعودية. ولم يستجب المسؤولون في الشركة لطلب مزيد من التعليقات عندما تم التواصل معهم عبر البريد الإلكتروني. وقال مركز الاتصالات الدولية الحكومي إنه لا يمكنه التعليق على الأمر بسبب القوانين السعودية التي تحمي حق الفرد في الخصوصية.
نتائج عكسية
وقد تخلى ولي العهد - البالغ من العمر 32 عاما - عن عملية صنع القرار السعودية التقليدية التي كانت تتحرك بوتيرة بطيئة، لكنه حافظ على التوافق في الرأي بين أفراد العائلة المالكة. وكانت جهوده المحلية أكثر نجاحا من تلك الأجنبية.
وقد أدخل السعودية في حرب مكلفة ضد المتمردين الموالين لإيران في اليمن، وقاد جهودا لعزل قطر المجاورة. وفي الوقت الذي تتزايد فيه القوات الموالية للسعودية تدريجيا في اليمن، وصلت صواريخ المتمردين إلى الرياض مرتين في الشهرين الماضيين. ولم تصل المواجهة مع قطر إلى أي من أهدافها.
كما تم اتهام المملكة - على نطاق واسع - بتدبير استقالة رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري» من الرياض في نوفمبر/تشرين الماضي. وقد أثار ذلك غضبا في لبنان، ورد فعل بارز من مصر والولايات المتحدة، وتدخل فرنسي ساعد «الحريري» على البقاء في منصبه.
وفي الداخل، عزز «بن سلمان» سلطته من خلال تهميش وإقالة كبار الأمراء. وقامت قوات الأمن باعتقال عدد من منتقدي الحكومة قبل اتخاذ قرار برفع الحظر عن قيادة النساء في سبتمبر/أيلول. كما يقود الأمير الشاب خطة طموحة لإصلاح الاقتصاد الذي يعتمد بشكل كبير على العائدات من البترودولار، ويهدف إلى بيع حصة صغيرة من شركة النفط الوطنية في البلاد - أرامكو السعودية - في عام 2018.
وقالت «هوثورن»: «لدينا سبب يدعو إلى التفاؤل بشأن مشاريعه (ولي العهد) الداخلية أكثر من مشروعاته الأجنبية». وأضافت: «لقد عزز بعناية السلطة محليا، في حين فشلت كل مغامراته الخارجية حتى الآن».
ويقول مؤيدو «بن سلمان» إنه ليس أمامه خيار سوى التحرك بسرعة والتصرف بشكل حاسم لإنهاء إدمان الاقتصاد على النفط غير المستدام، ومنع إيران - التي يسيطر عليها الشيعة - من الهيمنة على الشرق الأوسط.
وقال وزير التجارة والاستثمار «ماجد القصبي» - في مقابلة مع وكالة فرانس برس - في 13 ديسمبر/كانون الأول الماضي إن التحقيق في الفساد «يجب أن يتم دون تأخير، حتى يضمن المستثمرون تكافؤ المنافسة». وأضاف: «لا يمكننا التسامح مع تصور وجود فساد بين المسؤولين في العمل التجاري في السعودية». وردا على سؤال عن «الوليد»، قال الوزير إن الأمير الملياردير «يتفاوض على التسوية».
وعلى مدى عقود، استفاد رجال أعمال بارزون من العلاقات الوثيقة مع الأمراء المالكين للفوز بالعقود الرئيسية ومساعدة الشركات الدولية على اكتساب موطئ قدم في البلاد.
وقال دبلوماسي أمريكي في الرياض، في وثيقة سرية تعود لعام 1996 نشرتها ويكيليكس، إن عددا قليلا من كبار الأمراء يعملون على إثراء أنفسهم من خلال برامج «خارج الميزانية»، تلقت 12.5% من عائدات النفط في البلاد. وقال الدبلوماسي إن بعض الحكام استخدموا سلطتهم لمصادرة الأراضي وإعادة بيعها للحكومة بربح شخصي.
وقال «بول بيلار»، وهو ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه)، ويعمل الآن كأكاديمي: «لدى السعودية نظام اقتصادي وسياسي قائم على الوضع المتميز للأسرة المالكة. وتبدو تحركات بن سلمان في شكل خطوات نحو وضع أفضل. لكن بالطبع فإن طموحه السياسي - وما يبدو من دوافع السلطة المطلقة - لا يمكن فصله عن أي من هذا».