مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-
أثار كتاب "نار وغضب" الذي يتحدث عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وشخصيته المركّبة وحماقاته الكثير من الضوضاء والمواقف وردود الفعل داخل الولايات المتحدة وخارجها، في ظل ترقّب من قبل رؤساء الدول في العالم الذين اتخذوا وضعية الصمت وعدم التعليق؛ وليس هذا الكتاب – بقطع النظر عن صوابية اعتماده كمستند موثّق – هو المصدر الوحيد الذي يعتدّ به في رصد شخصية هذا الرجل الإشكالي الذي لم يشهد العالم مثيلاً له سوى أدولف هتلر وبنيتو موسوليني.
والمفارقة لا تقف عند تصرفات ترامب وطريقة اتخاذ قراراته والاهتزاز المستمر لأركان إدارته والأخطاء المتواترة في التعاطي بالملفات الداخلية والخارجية، ولا تنحصر فقط في أرشيف سلوكه الصبياني الذي لا يعكس شخصية متّزنة في موقع رئاسة دولة عظمى كالولايات المتحدة، بل يجسّد بنية شخص موتور يعشق الظهور، ومهووس تتحكّم به شهوة المال والسلطة، وشوفيني تسكنه العنجهية والسلوك الفوقي، بل المفارقة تكمن في انسجام هذا الرجل السبعيني مع شاب ثلاثيني مثيل له في الصفات يتّبع الأسلوب نفسه في الحكم والإدارة والسياسة والعلاقات الدولية، وكانت بلده (السعودية) الضحية الأولى لسلوكه الأرعن.
هذا الشاب (محمد بن سلمان) ورث السلطة عن أبيه وأسلافه (خلافاً لما ينص عليه نظام الحكم) في المملكة السعودية، وكما هي الحال في الدول والممالك والإمارات التي تمتاز بالنظام التوتاليتاري الذي يقترب من النزعة الديكتاتورية، فشعر إبّان فترة توليه ولاية العهد بفائض من القوة جعلته يكسر كل التقاليد والأعراف المتّبعة في شبه الجزيرة العربية، على المستوى الديني والسياسي والقضائي والأمني، وأحاط نفسه بمجموعات عسكرية وأمنية خاصة تذكّر بشخصية "صمويل دو" الذي استولى على الحكم في ليبيريا خلال الثمانينيات بعد انقلاب عسكري وقتل بطريقة وحشية بشعة، وهو الآن يأخذ البلاد - قد لا يعلم هو نفسه - إلى أين؟
يرى البعض أن ابن سلمان يقلّد ترامب في سياساته وأساليب تعاطيه مع القضايا، ولكن السعودية في ملفاتها الداخلية وعلاقاتها تختلف تماماً عن الولايات المتحدة ودائرة اهتماماتها المحلية والعالمية، فليس هناك زر نووي لدى هذا الشاب كما لدى كوريا الشمالية، وليس لديه قوات عسكرية تعمل خارج حدود البلاد ولها قواعد خاصة بها تحرس الممرات المائية في العالم، اللهم سوى جبهة اليمن التي باتت تشكّل له مستنقعاً موحلاً لا يعلم كيفية الخروج منه، وليس لديه مخططات استراتيجية تكفل إيصال السعودية إلى جعلها قطباً كونياً في ساحة المعادلات الدولية، وكل الذي لديه الآن هاجس ضمان بقائه على كرسي الملك.
وكا يقوم به ابن سلمان ليس تقليداً بل تبعية مطلقة للتاجر الأمريكي، وهو لم يقبض ثمناً لتبعيته بل دفع مقابلها مئات المليارات من الدولارات ظناً منه أن ذلك سيجعله يحكم قبضته على الخليج، فباع القضية الفلسطينية، واستمال مصر ونسّق مع الإمارات وحاصر قطر لإخضاعها، واعتقل الأمراء لابتزازهم، ويصول رجاله الأمنيون والعسكريون ويجولون في القصور والشوارع، في محاكاة حقيقية لرجل الوسترن الغربي، واضعاً أصبعه على الزناد ليطلق النار على أي حركة حتى لو كانت لا تقصده أو لا تشكل له أي تهديد.
رعونة هذا الشاب جعلته يضع كل أوراقه في ملف ترامب، ويبدو أنه لم يعد يستطيع أن يسحبها منه، لا سيما بعد أن لاقى عزلة من باقي الدول الكبرى والفاعلة في العالم، وهو يشهد فصول الفشل في كل قضية أو ملف دخل بها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، فلم يعد أمامه سوى الارتداد إلى الداخل السعودي في سلوك موتور، وأخذ معه مجموعة من "الحلفاء" العرب مطمئناً إلى الدعم الترامبي، وبالتالي فهو الآن كمن يراهن بكل رصيده، ويسير على حبل التوازن بلا شبكة تحميه في حال السقوط، وعليه فإن أي اهتزاز في الحبل الأمريكي لن يُسقط ابن سلمان لوحده بل سيسقط معه كل من تعلق بجانبي العصا.