أحمد علي حسن - الخليج أونلاين-
يبدو أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، شارف على الانتهاء من تنظيم القصر الملكي وفق مصلحته الشخصية، بما يدعم خطوط وصوله إلى سدة الحكم في المملكة.
يعزّز ترتيبات الوصول إلى العرش غياب والده، العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، عن المشهد السياسي في المملكة بصورة بدت واضحة لدى بعض المراقبين، عزّزتها الأخبار المتواردة حول قرب تنحّي الملك لمصلحة نجله.
ففي منتصف نوفمبر المنصرم، نقلت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، عن مصدر مقرّب من العائلة المالكة السعودية، أن الملك سلمان الذي يسجّل غياباً واضحاً في ظل التغيّرات التي تشهدها المملكة، "يعتزم الاستقالة وإعلان ابنه خلفاً له".
مصدر لم يفصح عن اسمه لـلصحيفة قال: إنه "ما لم يحدث شيء كبير فسيعلن الملك عن تعيين محمد ملكاً للسعودية، وإنه سيستمرّ كقائد احتفالي (صوري)، ويؤدّي دوراً مشابهاً للذي تؤدّيه ملكة بريطانيا (إليزابيث)"، إلا أن ذلك لم يتحقق.
- تلميح رسمي يؤكّد
لكن ما تحقق أن بن سلمان بدا منصّباً لنفسه زعيماً في المملكة، في ظل حملة التغييرات غير المسبوقة التي تشهدها البلاد؛ تلك التي علّق عليها وزير الخارجية، عادل الجبير، بالقول: إن "بن سلمان يريد تحويل السعودية إلى دولة طبيعية وقوية".
وأضاف خلال المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس"، المنعقد في سويسرا، وانطلق 23 يناير الجاري، إنه "يريد تحويل السعودية إلى دولة تعتمد على الابتكار، لتكون مثالاً يحتذى به على الصعيدين العربي والعالمي".
ما تحدّث به الجبير يمكن من خلاله استنتاج أمرين؛ الأول أن بن سلمان هو من يقود السعودية في ظل تهميش واضح للملك، والثاني أن المملكة كانت قبل ولي العهد الجديد غير قوية وليست طبيعية.
حديث الجبير توافق مع تنصيب مسبق لبن سلمان من قبل بعض وسائل الإعلام التي استندت إلى استطلاع رأي أجراه مركز سعودي، تحدّث عن "قدرة العاهل السعودي (الجديد) على قيادة المرحلة"، مهمِّشةً الملك أيضاً.
ولوحظ في الفترة الأخيرة أن ظهور العاهل السعودي في المناسبات الرسمية محدود جداً، خاصة في استقبال رؤساء الدول، على الرغم من وجوده في المملكة، واقتصر نشاطه على ترؤّس جلسات مجلس الوزراء.
- استمرار تهيئة المشهد
في محاولة لإظهار مدى قبول الشارع بالأمير الشابّ ملكاً للسعودية، عكست نتائج استطلاع رأي أجراه مركز "سمت" للدراسات (مقره الرياض)، رضا 94.4% من المشاركين في مختلف مناطق المملكة عن أداء وليّ العهد.
وأنهم يرون في ذلك أثراً من خلال حدوث تحسّن "بدرجة كبيرة" في الأداء العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وذلك بعد 5 أشهر من توليه للمنصب، وفق ما تحدّثت به نتائج الاستطلاع.
واللافت للنظر أن النتائج أشارت إلى أن 88% من العينة يرون أن الأمير محمد قد أظهر "قدرة كبيرة" على "قيادة المملكة" على مختلف المستويات، وهو ما يمكن اعتباره تمهيداً لتصعيده ملكاً للسعودية.
وأُجري الاستطلاع على عينة عشوائية من عمر 18 عاماً فما فوق، في مناطق المملكة حسب التوزيع الجغرافي (الوسطى والغربية والشرقية والشمالية والجنوبية)، خلال الفترة ما بين 18 – 22 نوفمبر.
- ظهور محدود
"الخليج أونلاين" رصد ظهور العاهل السعودي منذ بداية نوفمبر وحتى نهايته، وهو الشهر الذي شهد الأحداث السياسية الأكثر أهمية وغير المسبوقة في تاريخ المملكة، بعد سلسلة القرارات والإجراءات واعتقال الأمراء والمسؤولين التي أعقبت تنصيب نجله محمد ولياً للعهد.
ففي سابقة لم يشهدها تاريخ السعودية، ألقت السلطات، في الرابع من نوفمبر الماضي، القبض على أكثر من 200 شخص، منهم 11 أميراً و4 وزراء على رأس عملهم حينها، وعشرات سابقون، ورجال أعمال؛ بتهم فساد، واحتجزتهم في فندق ريتز كارلتون، وأطلقت لاحقاً سراح العديد منهم.
في جدول زيارات الملك؛ نجد أنه لم يغادر المملكة منذ بدء الأزمة الخليجية في 5 يونيو، إلا لقضاء إجازته السنوية بالمغرب، وفي المقابل لم يظهر إلا بشكل محدود في استقبال الرؤساء والوفود الرسمية.
فقد لاحظ "الخليج أونلاين" أن العاهل السعودي ترأس 4 جلسات لمجلس الوزراء خلال نوفمبر، في حين ناب عنه أمراء المناطق في بعض المناسبات؛ كافتتاح منتدى الرياض الاقتصادي، وتدشين متحف اللوفر في أبوظبي.
وسجّلت الأخبار ظهور الملك سلمان 4 مرات في استقبال رؤساء الدول؛ أبرزها حين التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في حين غاب عن استقبال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في زيارة هي الأثقل وسط الأزمة التي خلّفتها استقالة الحريري.
الظهور الملكي في النواحي الأخرى جاء من زاوية الدور البروتوكولي عبر برقيات التعزية والتهنئة لرؤساء الدول، وقد ظهرت هذه بشكل لافت من خلال الأخبار الملكية.
وفي تفسير الظهور المحدود للملك، عزا مراقبون سبب غيابه إلى أوضاعه الصحية التي "ليست في أفضل حالاتها"، وهو ما يترجم اختفاءه عن المسرح السياسي السعودي أكثر من أسبوع بعد إصداره مرسوم عزل الأمير محمد بن نايف من ولاية العهد، وتعيين نجله محمد بن سلمان مكانه.
كما أن التوقعات داخل القصر الملكي السعودي تتزايد بصدور مراسيم ملكية سعودية جديدة لاستكمال التغييرات داخل الأسرة الحاكمة، وترتيب مؤسساته بما يعزّز مكانة ولي العهد الجديد.
هذا الغياب السياسي بالدرجة الأولى ربما يكون بهدف إتمام ترتيب البيت السعودي، وتمهيد الطريق أمام وليّ العهد لصعود العرش وتنصيبه ملكاً؛ تحت ذرائع كبر السن والمرض.
وبدأت توقعات كثيرين باقتراب بن سلمان من حكم السعودية، بعد الأوامر الملكية التي جرى بموجبها عزل محمد بن نايف، وتعيين "الأمير الصغير" ولياً للعهد ووزيراً للدفاع، وازدادت بعد إجراءات جذرية تصدّر بها المشهد.