واشنطن بوست- ترجمة شادي خليفة -
في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أمر ولي العهد الشاب «محمد بن سلمان» باعتقال المئات من نخبة المملكة العربية السعودية، بمن فيهم وزراء من الحكومة وما يقرب من 12 من أمراء العائلة.
كان من بين أبرز المعتقلين، ابن عم ولي العهد الأمير «الوليد بن طلال»، الملياردير العالمي الشهير، الذي أشيع عنه سابقا أن عينه على العرش.
وفي حين قال المسؤولون السعوديون إن الاعتقالات جاءت لأجل «مكافحة الفساد»، لكن سجن «الوليد» أثار شكوكا في أن ولي العهد كان يحاول حقا القضاء على منافسيه، في إطار استعداده لوراثة العرش من والده.
وقد تم إطلاق سراح «الوليد» فجأة يوم السبت، ولا تزال الأسباب الدقيقة لحبسه لمدة أشهر في فندق «ريتز كارلتون» غير معروفة للجمهور، وكذلك الآثار المترتبة على حافظة استثماراته الضخمة - كثير منها في الولايات المتحدة - ونمط حياته من الثراء الغريب أحيانا.
وتتكون السيرة الذاتية لـ«الوليد بن طلال» في موقع «الوليد» الشخصي من جملة واحدة عن نسبه (مواليد 1955، حفيد أول ملك في المملكة العربية السعودية)، تليها صفحة كثيفة مكتظة بتفاصيل ثروته وقوته، حيث حيازات شركاته في «تويتر» و«لفت» و«يورو ديزني» و«توينتي سينشري فوكس»، فضلا عن الفنادق الفاخرة في جميع أنحاء العالم، وبرج تحت الإنشاء في المملكة سيكون قريبا أطول مبنى في العالم.
وذكرت صحيفة «بيزنس إنسايدر» سابقا أن الأمير يحتفظ «بمجموعة من الأقزام الذين يرقصون ويضحكونه ويمزحون معه» في الوفد المرافق له، وهذا ليس في سيرته الذاتية الرسمية، وسيكون من العار أن كل ما تعرفه عن «الوليد» هو ثروته، لأن الشخصية وراء تلك المليارات من الدولارات لا تبدو أقل استثنائية.
صحيح أن «الوليد» ينحدر من نسل الملك «عبد العزيز بن سعود» مؤسس المملكة العربية السعودية التي تسيطر عليها أسرة آل سعود منذ ذلك الحين، لكن السيرة الذاتية للموقع لا تذكر ما ستقوله مجلة «فانيتي فير».
تقول المجلة إن والد «الوليد» قد تمرد ضد الملكية القمعية في الستينات، وذلك إلى الأبد، بعد أن أضر بفرصه في وراثة العرش، لكن هذا لم يمنع «الوليد» من التلميح في أنه قد يجلس يوما على العرش.
وتصف «فانيتي فير» أيضا مع بعض التشكك القصة الرسمية لكيفية جمع «الوليد» لهذه الثروة الهائلة، والتي تبدو مثل الخرافة.
كان سن الأمير يقترب من 30 عاما بعد أن عاد من كلية مينلو في كاليفورنيا مع درجة في مجال الأعمال عام 1985.
وتقول «فانيتي فير»: «يدعي الوليد أن والده منحه 30 ألف دولار، وفي غضون عام، كان قد فقد المال، ثم عاد إلى والده الذي أعطاه 300 ألف دولار، وهذه المرة، استغرق 3 أعوم ليفقدها».
في المرة الثالثة كان الأمر كالسحر؛ حيث أعطاه والده منزلا بدلا من المال، وقال له: «يجب عليك العمل من أجل نفسك»، لذلك أخذ قرضا بالفعل، ومع بعض الاستثمارات العبقرية ومكسبه الملكي، وعائدات بيع جزء من الإرث بقيمة 200 ألف دولار، تعلم الأمير أن يصبح رجلا عصاميا.
وقد تكهن آخرون بأن ثروته تدين بقدر أكبر لسيطرة العائلة المالكة على النفط في المملكة، وكتبت «فانيتي فير» أنه حتى قد يكون «الوليد» «واجهة عالمية للثروة الهائلة من العائلة المالكة السعودية».
وعلى أي حال، صعد الأمير إلى أعلى قائمة المليارديرات في أوائل التسعينيات، وليس عبر أي مؤسسة داخل مملكة عائلته، ولكن من خلال الاستثمار في بنك الولايات المتحدة - الذي عانى بعد ذلك - والمعروف الآن باسم «سيتي كورب».
ومنذ ذلك الحين، كان «الوليد» أميرا بلا حدود، وقد عمل مع «ستيفن بانون» في أواخر التسعينات، وباعه «دونالد ترامب» يختا، وفي سن الـ62، ذكرت وكالة «أسوشيتد برس» أنه واحد من المساهمين الرئيسيين في «آبل» و«تويتر».
لكننا نتعرض للتشويش مرة أخرى بواسطة كل تلك الدولارات، وفي رأينا، لا تكفي تلك الحكايات عن ثروته بإظهار سياساته الخاصة.
وقد تبرع «الوليد» بمبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة نيويورك بعد الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 سبتمبر/أيلول عام 2001، على سبيل المثال.
بيد أن العمدة «رودولف جولياني» أعاد الأموال بعد أن أصدر الأمير بيانا صحفيا انتقد فيه الموقف الأمريكي في الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وكان «بن طلال» دائما يتمتع بعلاقة جيدة مع الصحافة، لكنه كان قد رفع دعوى قضائية ضد «فوربس» للتشهير به، مدعيا أن المجلة قد قللت من ثروته إلى مجرد 20 مليار دولار.
وقالت «بيزنس إنسايدر» إن «الوليد» الذي كان يجلس في كرسيه ويرتدي نظارات شمسية ليلا، كان قد أطلع «سي إن بي سي» على الأزمة المصرفية عام 2008، وفي نفس العام وفقا لـ«فوربس»، خاض مظهرا سعوديا احتفاليا حين أخذ طائرته الخاصة (بوينغ 747) إلى مدينة جدة، وهناك قابل عمه الملك «عبدالله»، وأطلعه على خطته لبناء ناطحة سحاب تتجاوز الواحد كيلومتر طولا إلى القمة.
وقال الأمير لـ «فوربس» إنه «سيكون بؤرة جدة، سيكون مغناطيسا».
ومن المقرر افتتاح برج «الألفية» عام 2019.
وفي منتصف طريق رحلة بناء البرج، مرت «بيزنس إنسيدر» على أسلوب حياة «الوليد» في مقره في العاصمة السعودية الرياض، وهذا هو المكان الذي ذكرت فيه وجود الأقزام.
وقالت «ذا أوتلت» في عام 2012: «تقريبا كل مصدر تحدثنا إليه - بما في ذلك الناطق الرسمي باسم الوليد - أكد أنه مثل عاهلي القرون الوسطى، يُبقى الوليد في حاشيته مجموعة من الأقزام الذين يرقصون ويضحكونه ويمزحون»، وقد وصفهم أحد المصادر بمجموعة «المهرجين».
ولم يقتصر الأمر على قيام الأمير بمسابقة «قذف القزم» من حين لآخر مع هؤلاء الناس، لكن «بيزنس إنسيدر» كتبت أنه ذات مرة دعا «المهرجين» إلى اجتماع عمل، حيث علمهم كلمتي «بوينغ» و«إيرباص»، وجعلهم يختارون أي نوع بين الطائرتين يجب أن يضيفها إلى أسطوله الشخصي.
وفي مقابل هذه الأمور الغريبة، قدم «الوليد» علامات كبيرة عن اهتمامه بحقوق الإنسان، خاصة بين الفقراء والنساء.
وقال لـ«فوربس»: «هل تصدقون هذا؟ إنه أمر فظيع»، قال ذلك بينما كان يسلم مظاريف محشوة بالنقود في الأحياء الفقيرة في الرياض، وأشارت المقالة نفسها إلى أن النساء اللواتي يعملن في مكاتب «الوليد» لا يتم إجبارهن على ارتداء الحجاب، الذي يجبرن على ارتدائه في الأماكن العامة.
وكتب الأمير مقالا لصحيفة «نيويورك تايمز» خلال ثورات «الربيع العربي»، أدان فيه الدول العربية الاستبدادية التي يقودها «الذين يخدمون المصالح الخاصة وخدمة أنفسهم»، ومشى على خطى انتقاد والده للاستبداد السعودي.
وقبل عامين، وعلى خطى المليارديرات الغربيين مثل «بيل غيتس»، وعد «الوليد» بالتخلي عن ثروته بأكملها، التي تقدر بأكثر من 30 مليار دولار، في المستقبل غير المحدد، «لبناء عالم أكثر سلاما وإنصافا واستدامة».
وكان الأمير من بين العديد من القادة العالميين قد أدان «ترامب» في وقت مبكر من الحملة الانتخابية، ولكن بعد ذلك حاول التصالح معه بعد الانتخابات.
وكما كتبت صحيفة «واشنطن بوست» سابقا، فقد افترض البعض أن «الوليد» يقوم أساسا بحملة للعلاقات العامة من أجل أملاكه التجارية الغربية.
ويتساءل آخرون عما إذا كان لديه تطلعات إلى العرش السعودي، وهذه هي النظرية الوحيدة التي قد تفسر ما فعله ولي العهد السعودي ابن عم «الوليد» من اعتقاله مع 10 أمراء آخرين في نوفمبر/تشرين الثاني، لمواجهة اتهامات لجنة «مكافحة الفساد»، وسط شائعات بأن الملك يستعد للتنحي.
وقد مرت السلطة في المملكة العربية السعودية منذ فترة طويلة بين أبناء الملك المؤسس، ولكن خط الخلافة أصبح معقدا، لأن هذا الجيل يقترب من نهاية عمره.
فهل يمكن أن يستولي الملياردير الشهير ابن الأمير المعارض يوما ما على العرش؟
وقال «الوليد» لـ«فوربس»: «بالتأكيد، فسلسلة القيادة الذين قد يصبحون ملوكا في هذا البلد هم بين أبناء وأحفاد الملك عبدالعزيز، وأنا من بينهم».
وشكك آخرون في فرصه، وقال خبير في شؤون الأسرة المالكة السعودية لـ«فوربس» هذا العام: «الوليد مثل دونالد ترامب المملكة، قد يكون رمزا للنجاح بالنسبة لبعض السعوديين، ولكن العديد من الآخرين ينظرون إليه على أنه يعيش في بهرجة زائدة للغاية».
ولكن ذلك كان قبل أعوام عديدة، فـ«ترامب» الآن هو رئيس الولايات المتحدة، ومن يدري ما في جعبة «الوليد»!