ملفات » الطريف إلى العرش

احتجاز الخمس نجوم يُعيد أموال الدولة.. هل انتصر بن سلمان؟

في 2018/02/01

إسماعيل عزام- DW- عربية-

نجحت التسوية المالية في إعادة 100 مليار دولار إلى خزائن الدولة السعودية. فهل كتب محمد بن سلمان فصلاً جديداً أكثر إيجابية في حياة المملكة؟ أم أن هذه التسوية التي تمت دون العودة إلى قضاء مستقل بعيدة عن الإصلاح المنشود؟

انتهت فصول قضية "ريتز كارلتون"، وهو اسم الفندق الذي آوى العشرات من كبار الشخصيات السعودية، بإخراج جميع من فيه، في مشهد كثير الضبابية لم تعلن فيه السلطات السعودية بشكل رسمي أسماء الموقوفين ونوعية التهم الموجهة إليهم. وزاد من تعقيد القضية، اشتراط السلطات السعودية لتسويات مالية مع غالبية الموقوفين قبل إطلاق سراحهم، بدل التوجه نحو الإجراءات القضائية الكفيلة بالبت في اتهامات جسيمة تخصّ الفساد.

القضية التي بدأت قبل ثلاثة أشهر في إطار حملة على الفساد دخلت في منعطف جديد اليوم الثلاثاء (30 يناير/كانون الثاني 2018) ، عندما نقلت رويترز عن مسؤول سعودي إطلاق سراح سجناء فندق الخمس نجوم. وقد أكد النائب السعودي في بيان رسمي أنه من أصل 361 شخصاً تم استدعاؤهم للتحقيق، لا يزال 56 منهم رهن الاحتجاز -نُقلوا إلى مكان آخر- لرفض السلطات التسوية معهم بسبب وجود قضايا جنائية أخرى، مشيراً إلى استخلاص 400 مليار ريال (106.7 مليار دولار) من عمليات التسوية، أي تقريباً المبلغ ذاته الذي حدده كهدف للحملة على الفساد، مؤكداً كذلك الإفراج عن  الذين"لم تثبت عليهم تهم الفساد، ومن تمت التسوية معهم".

كما سبق لولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، أن صرّح قبل أسابيع أن 95 بالمئة من الموقوفين وافقوا على التسوية، بينما لم ينل البراءة سوى 1 بالمئة فقط. أما المتبقين، فقد أحيلوا إلى القضاء لرفضهم التسوية رغم ثبوت المخالفات في حقهم، حسب قول الأمير، وهو ما يتعارض مع تصريحات النائب العام الذي قال إن السلطات هي من رفضت التسوية وليس الموقوفين المعنيين.

ومن الشخصيات الشهيرة التي استرجعت حريتها هناك الأمير الملياردير الوليد بن طلال الذي صرّح أن قضيته مجرّد سوء فهم، وأنه عُومل طوال 3 أشهر بشكل جيد، وهناك كذلك رجل الأعمال، مالك مجموعة الـMBC وليد آل إبراهيم. ورغم التأكيدات الصادرة عنهما ببراءتهما من أيّ ملفات فساد، إلّا أن تصريحات  مسؤولين سعوديين تشير إلى أن الاثنين وافقا بدورهما على تسويات مالية.

وقد دافعت وسائل إعلام سعودية عن اتباع مبدأ التصالح المالي في القضية، معتبرة أن عدداً من دول العالم تلجأ إلى هذا النهج في قضايا إهدار المال العام حتى تتم إعادة ما تم اختلاسه. لكن في الجانب الآخرـ قد تسود تخوّفات بين المستثمرين الأجانب، الذين تخطّط السعودية لجلبهم إلى البلاد في إطار رؤيتها الاقتصادية الجديدةـ  من حقيقة الإجراءات ضد الفساد، ومن إمكانية أن تكون هناك تصفية حسابات في الاعتقالات بما يعبّد طريق ولي العهد لتقليم أظافر من قد يزاحمونه في حكم قوي للمملكة، خاصة مع السرية التي تحيط بمجمل القضية.

"عقوبة يفضلها الفاسدون"

يتحدث عبد العزيز المؤيد، منسق مبادرة "مواطنون بلا قيود"، لـDW عربية، وهي حركة معارضة سعودية، أن كل المتهمين كانوا جزءاً من النظام، بل إن "عدداً منهم متهمين بالفساد في أنظمة دول أخرى، وإن الهدف الحقيقي وراء إيقافهم ليس معاقبتهم، بل منحهم فرصة جديدة في الحرية بعقوبة لا تتجاوز اقتسام غنائم الفساد مع الدولة". وينتقد المؤيد بشدة إنشاء هيئة لمكافحة الفساد، معتبراً أنها تمثل تجاوزاً للأنظمة القانونية في المملكة التي باتت غير فعالة حسب قوله، خاصة وأن هذه الهيئة مرؤوسة من لدن ولي العهد الذي يتبوأ مناصب متعددة في الدولة.

ويوّضح المؤيد: "عندما يمتلك صاحب القرار الحقيقي سُلطة كهيئة الفساد، فقد يستخدمها ضد أشخاص غير متورطين كآلية ضغط بحقهم". ويتابع المعارض السعودي أن المواطنين في المملكة "على اقتناع بوجود أشخاص فاسدين فوق القانون لم يتم توقيفهم، فالكثير من الشخصيات في المراكز العليا لديها إثراء غير مشروع"، وأنه في "الوقت الذي تعدّدت فيه التقارير الدولية المؤكدة لوجود فساد بالمملكة، لجأت السلطات إلى هذه الحملة لذر الرماد في العيون"، قبل أن يردف: "كانت هناك هيئة لمحاربة الفساد في عهد الملك عبد الله، لكننا اكتشفنا أن أربعة من أبنائه صاروا اليوم متهمين بالفساد.. هذا تأكيد أن الهيئة السابقة لم تقم بعملها، وهو ما يتكرر مع اللجنة الحالية

ويرى المؤيد أن الدولة تحاول حلّ جميع مشاكلها بنهج حلول اقتصادية، لكنها تتغاضى عن إصلاح حقيقي ينهي "انتهاكات حقوق الإنسان المتواصلة"، وهو ما يعدّ حسب المتحدث أقوى وأخطر من الفساد المالي. لافتاً إلى أن السعودية تعيش مشكلةً ماديةً، بعد صرف الكثير من احتياطات المال، لذلك فهي تريد جلب الاستثمارات عبر تسويق صورة للخارج بوجود حرب على الفساد، لكن النجاح في هذا المسعى، يبقى أمراً صعباً للغاية، بسبب انعدام الشفافية ووجود انتقائية في التوقيفات.

"شرعية الأمير فوق المنافسة"

في الجانب الآخر، يثق محمد بن عبدالله آل زلفة، وهو عضو سابق بمجلس الشورى السعودي، في حملة محاربة الفساد، معتبراً في تصريحات لـDW عربية، أن أكبر دليل على قوتها هو طبيعة الأسماء الموقوفة: "هناك أمراء ووزراء ورجال أعمال كبار، غالبيتهم كانوا شركاء في إشاعة الفساد بالمملكة عبر الاستيلاء على الأموال بطريقة غير مشروعة، أو استغلال النفوذ للإثراء غير المشروع، لذلك وضعتهم الدولة أمام خيارين: الاعتراف وإعادة الأموال، أو المرور إلى القضاء إن رفضوا التسوية".

لكن لمَ التوقف عند التسوية المالية لوحدها بدل السجن؟ يُجيب آل زلفة: "هناك ظروف خاصة للموقوفين وللدولة هي من حتمت اللجوء إلى خيار التسوية بدل السجن. الدولة حالياً في حاجة إلى المال أكثر من حاجتها إلى سجن المتورطين. كما لا يجب أن ننسى أن الأذى الكبير الذي لحق بسمعة المتورطين هو كذلك نوع من العقاب لهم". ويُردف المتحدث أن هذه الحملة ستعزز من قوة الاقتصاد السعودي عبر معاقبة الفاسدين الذين كانوا يضرّون بمصالح المستثمرين السعوديين والأجانب.

ويرفض آل زلفة الحديث عن وجود تصفية حسابات في التوقيفات، أو رغبة من ولي العهد في إزاحة من قد يعدّون خصوماً له، مشيراً إلى أن عدة شخصيات موقوفة مقربة من القصر، كانت تستغل نفوذها للإثراء غير المشروع. ويوّضح أكثر: "لا يمكن لأحد من الموقوفين أن ينافس شرعية الأمير حتى يفكر في إزاحتهم، فكلهم بايعوه وبايعوا والده. كما لا يمكن لمن سرق ثروات الوطن أن يتحوّل إلى معارض ويحدث فوضى في البلد بحجة الخلاف مع ولي العهد.. اليوم الرسالة واضحة: لا ثراء عبر الفساد".

"محاولة لصرف الانتباه"

من جهته يقول غونتر ماير، مدير مركز أبحاث العالم العربي بجامعة ماينز في ألمانيا، في تصريحات لـDW، إن ولي العهد السعودي يتجه حالياً نحو دولة الرجل الواحد حيث تكون الشمولية الركيزة الأساسية، وهو الوضع الذي يخلق له الكثير من المعارضة، لذلك يعمل محمد بن سلمان على إقناع السعوديين بأن الأوضاع داخل البلاد ماضية نحن التحسن، وفي الوقت ذاته، يحاول أن يبعد الانتباه عن ما يمكن أن يجلب إليه انتقادات داخلية، خاصة طريقة تدبير السياسة الخارجية والانفتاح الديني الجزئي الذي بات يميز فترته.

ويوّضح ماير أن أهداف الحرب على الفساد والإصلاحات الاقتصادية متعددة، ومنها أن الأمير يحاول تقوية شعبيته عبر خلق المزيد من وسائل الترفيه داخل المجتمع، وهو ما يظهر من خلال السماح بالحفلات الغنائية في الفضاء العام وبالسماح للنساء بقيادة السيارات، لكن في الآن ذاته، يردف الخبير الألماني، يستمر محمد بن سلمان في كبح حرية الصحافة وفي إبعاد السعوديين عن نقاش السياسة الخارجية للمملكة، خاصة ما يتعلّق بالنتائج الكارثية للحرب في اليمن التي كان هو مهندسها، وكذلك فيما يخصّ فشل السعودية في معركتها ضد نظام الأسد داخل سوريا.