فؤاد السحيباني- خاص راصد الخليج-
القائمون على قيادة سفينة الوطن يعانون من أزمة فهم الأزمة، وبالتالي تخرج الحلول إلى العلن مبتسرة وناقصة، وتودي أكثر فأكثر بالرخاء الذي توفر للطبقة الوسطى خصوصًا، وتسبب خروج قطاعات أوسع من الشعب السعودي إلى العراء، إلى الفقر والحاجة.
الحل يكمن في ترشيد استخدام الموارد المتاحة، وهي ضخمة بطبيعة الحال، وقادرة على إنهاء فترة الضباب الحالية، شرط أن تؤول كل الموارد البترولية إلى الموازنة، ومن ثم، يجري توزيعها طبقًا لأولويات تحقيق الانتقال إلى اقتصاد متنوع، وهذا ما أعلن بن سلمان أنه يستهدفه.
المأزق الحقيقي أن ابن سلمان يريد تحويل الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد متنوع، قائم على الصناعة بشكل أساسي، ويبدد الموارد المتاحة في تمويل حروب وشراء ولاءات الأمراء والدولة الأمريكية –لتقبل به حاكمًا أوحد-، وبالتالي لن يجد ما يموّل به حلم التحول الذي ينشده.
أرامكو، العملاق النفطي، وأكبر شركة في العالم من حيث القيمة والأصول، بقدر ما بدت "الحل" لأزمة الاقتصاد، تظهر الآن وكأنها العقبة لعبور هذه الأزمة، فالمستثمرون لا يرغبون في شراء شركة تخفي جوانب ميزانياتها، وتذهب إيراداتها إلى جيوب الأمراء، قبل أن تسجل في الدفاتر.
الترحيب المبدئي لطرح أرامكو في أسواق العالم، يقابله الآن فتور شديد في القبول بعرض أسهم الشركة، رغم المغريات الضخمة، والإيرادات المؤكدة، بشكل لن يتوفر في أي استثمار آخر على الكوكب، في مؤشر فشل واضح على إدارة ملف الطرح، رغم الاستعانة بمتخصصة الأسواق الدولية، سارة السحيمي،، لخبرتها في طرح الأصول والاكتتابات الجديدة.
المشروع الذي أعلنت شركة ألفا بيت المالكة لـ"جوجل" عنه، بمشاركة وتمويل أرامكو، لتحويل المملكة إلى بديل للسوق الأوروبية، كمركز لنشاط العملاق الأمريكي، وإنشاء مركز لصناعة التكنولوجيا، شبيه بوادي السيليكون في سان فرانسيسكو، لا يبدو إلا أنه خطوة استباقية لفشل الطرح، وتعويضها بمشروعات جديدة، تستفيد من تدفقات الإيرادات في أرامكو.
المشروع الجديد، والذي وصفه الإعلام المحسوب على ولي العهد بـ"صفقةالقرن"، لا يأخد في اعتباره المزايا التنافسية لصناعة تكنولوجيا المعلومات في المنطقة، فدول شرق آسيا على سبيل المثال، تمتلك بنية تحتية هائلة، وأيدي عاملة مدربة ورخيصة، وكوادر مؤهلة، وبها مراكز لكبرى الشركات العاملة في قطاع التكنولوجيا، بدأتها من الصفر، واستكملت نموها على مدار عقدين من الزمان.
الكارثة أن المشروعات الاقتصادية التي تنطلق دون دراسات جدوى "حقيقية" مآلها الفشل والنسيان.
والشركة النفطية الأكبر في العالم لم تعد لحوزة المملكة إلا في العام 1980، وتتولى في الوقت الحالي إدارة احتياطي مؤكد من النفط الخام التقليدي والمكثفات يبلغ نحو 261.1 مليار برميل، فيما يبلغ متوسط الإنتاج اليومي من النفط الخام 10.2 مليون برميل في اليوم، وتشرف أيضاً على احتياطيات من الغاز الطبيعي تبلغ 297.6 تريليون قدم مكعبة قياسية.
وإيرادات أرامكو القياسية، والتي بلغت 478 مليار دولار في العام الماضي، رغم تراجع أسعار النفط، لا تسيل لعاب أي أحد من أجل صفقة بيع محدودة تقدر بـ200 مليار دولار فقط، أي أن الصفقة تمثل 5 أشهر فقط من الإيرادات.
أرامكو لا تعاني من مشكلات أو أزمة، والاقتصاد كذلك لا يعاني إلا من سوء تصرف، لكن القائمون على الإدارة يعانون بكل تأكيد من خلل جلي واضح، من تمويل حملات عسكرية بدول الجوار، إلى صفقات سلاح مع الولايات المتحدة ستصدأ مثل غيرها، إلى سفه في العطايا، وغياب الاستثمار في المستقبل.
اقتصاد المملكة بشكل أشمل يعاني من أزمة إدارة وأولويات، فالاقتصاد هم علم إدارة الموارد القليلة بما يضمن تحقيق أقصى استفادة، وموارد المملكة ليست قليلة، وهي الآن بأيدي أبنائها، فما الداعي لـ«هيستيريا البيع» التي تسيطر على بن سلمان وحاشيته، إلا اندفاعًا نحو بيع المستقبل لقاء الرضا الأمريكي.