فايننشال تايمز- ترجمة شادي خليفة -
تمت إزالة الأشياء الحادة أو الثقيلة -من زجاج الحمام إلى منافض السجائر- من أجنحة فندق «ريتز كارلتون» الرياض؛ لإحباط أي محاولات انتحار، بعد أن تحول الفندق إلى سجن ذهبي فخم لمئات الأمراء السعوديين ورجال الأعمال.
وكان معظم المشتبه بهم الذين أقاموا في الفندق خلال حملة التطهير التي أطلقها ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» لمكافحة الفساد، يقتصرون على غرفهم لمدة أسابيع، ويمرون فقط بمشاهدة التلفزيون بين نوبات الاستجواب، وكانت الأبواب التي يحرسها ضباط المخابرات مفتوحة، الأمر الذي يلغي أي مظهر من مظاهر الخصوصية، وتم منع الاتصال بين المشتبه بهم وبعضهم البعض، ولكن تم منح المحتجزين الإذن بإجراء المكالمات العادية لأقاربهم.
وتفاوت تأثير ذلك على السجناء. ويقال إن بعضهم كانوا «رجالا محطمين»، بالكاد يتحدثون منذ إطلاق سراحهم. وقد خرج آخرون مع ذلك المزاج السيء، وذلك بفضل «التخلص من سموم الريتز».
وبعد الإفراج عن معظم المشتبه بهم، تظهر تفاصيل ما حدث في الفندق، التي تكشف عن إجراءات استثنائية اتخذتها السلطات في عملية مخطط لها بعناية؛ حيث كانت الرياض تأمل في الحصول على صافي 100 مليار دولار للدولة. وقد أعيد فتح فندق «ريتز» -أخيرا- الأسبوع الماضي، ولكن من المرجح أن تستمر تداعيات التطهير، التي أقلقت المستثمرين وأثرت على بعض كبار رجال الأعمال في المملكة، بمن فيهم الأمير «الوليد بن طلال».
احتجازات غير متوقعة
وتحدثت صحيفة «فايننشال تايمز» إلى أكثر من 10 من المعتقلين وأصدقائهم، بشأن الحملة التي بدأت في 4 نوفمبر/تشرين الثاني. وبدأت الحملة بأحد المليارديرات المسنين، عندما هبطت طائرته الخاصة في مطار جدة. وكان من المفترض أن تأخذه لجنة ترحيبية في الممر إلى لقاء مع الأمير «محمد». وبدلا من ذلك، أخذته رفقة مسلحة إلى جناح في فندق «ريتز».
وتمكن العديد من المعتقلين من الوصول إلى العائلة والأصدقاء عبر هواتفهم، ولكن آخرين اختفوا في منتصف الليل، وكان أقاربهم غير قادرين على التأكد من سلامتهم لعدة أيام. ويقول أحد الأقارب، الذي كان أفراد أسرته يكافحون في البداية للحصول على دواء له بسبب مرض في القلب: «لقد كان الأمر مروعا، ولم يكن هناك أحد يمكن أن نتواصل معه».
وقال أحد المشتبه بهم -الذي اعتقل من مطار الدمام بعد عودته إلى المملكة- للأصدقاء إنه وصل إلى مكان مجهز جيدا في الفندق. وقام الأطباء بتفتيشه قبل فحصه في جناح صغير. ثم تم السماح لرجل الأعمال بالاتصال بأسرته خلال ساعات.
وقال صديق لأحد المعتقلين إنه تم نقل ما يصل إلى 20 سعوديا يعيشون في الإمارات إلى المملكة، ونقلوا إلى السعودية على متن طائرات خاصة.
ويقول مسؤولون سعوديون إن الضربة الليلية كانت ضرورية لضمان عدم هروب المشتبه بهم. وقالوا إن اتباع عملية قانونية مطولة لم تكن فعالة. وقد أضاف الفندق -الذي يضم 492 غرفة- موقعا مريحا وآمنا لإجراء التحقيقات بسرعة.
وقد منعت القوانين الدولة من التعريف بالمشتبه فيهم قبل المحاكمة. وقال أحد المراقبين السعوديين: «لكن الأسماء وضعت على وسائل التواصل الاجتماعي لإرسال رسالة، ولإظهار خطورة هذه الحملة».
ورفض من تحدثوا إلى صحيفة «فايننشال تايمز» التقارير حول تعرض المعتقلين للإيذاء البدني.
وكان المحققون في بعض الأوقات يظهرون ودودين في الصباح، بينما -في كثير من الأحيان- يجادلون بشكل حاد في المساء. وفي بعض الأحيان، أيقظوا المحتجزين في منتصف الليل يصرخون فيهم بالمطالب، وفقا لأحد الأشخاص على مقربة من العائلة المالكة. وقد طلب من أحد المشتبه فيهم أن يحزم حقائبه في أواخر ديسمبر/كانون الأول استعدادا للمغادرة، لكن تم تجاهله دون أي زيارات لمدة 3 أسابيع.
وفي غضون أيام من الحملة، وفرت السلطات للمصارف ومديري الأصول قوائم لتجميد الحسابات، بما في ذلك قوائم الأقارب المرتبطين بالمشتبه فيهم.
السيطرة على الحسابات
وأبلغ أحد أحد المصرفيين أقارب أحد المشتبه بهم أنه لا يمكن سحب أكثر من 100 ألف ريال سعودي (26660 دولارا) في الأسبوع، لتغطية نفقات المعيشة.
وفي إحدى الشركات المالية، قيل لإدارات بأكملها أن تبقى في مكاتبها في انتظار المحققين، من أجل تفتيش الدفاتر والسجلات. وفي بعض الأحيان، بقي المديرون التنفيذيون حتى وقت متأخر من الليل، ليتم إخطارهم فقط بإلغاء عملية التفتيش.
وقد سمح للكيانات الكبيرة مثل مجموعة بن لادن للمقاولات، والمملكة القابضة المملوكة للأمير «الوليد»، وشبكة قنوات إم بي سي ومقرها دبي، بالعمل بشكل طبيعي، على الرغم من أن مستقبلها يبدو غير مؤكد.
وفي ديسمبر/كانون الأول، بدأت الحكومة التفاوض بشأن تسويات مع المشتبه بهم؛ حيث يمكن للمحتجزين أن يدفعوا ثمن حريتهم بتسليم الأصول والأموال إلى الدولة.
وتلقى المصرفيون مذكرات سرية تطلب تحويل الأموال إلى حسابات وزارة المالية. وتقول المصارف السويسرية إن الوفود السعودية طلبت الحصول على الحسابات، إلا أنها رفضت، مع طلب تقديم أدلة إلى القضاء السويسري.
وقال «محمد الجدعان» وزير المالية إن عدة مليارات من الدولارات تم الحصول عليها بالفعل. لكن بلوغ هدف الدولة البالغ 100 مليار دولار سيستغرق وقتا، حتى يتم احتجاز الأصول وبيعها.
وقد تم الاحتفاظ بتفاصيل التسويات المالية، لكن الأشخاص المقربين من الحكومة يقولون إنها تشمل تحويلات أصول نقدية وممتلكات إلى الدولة.
وعلى سبيل المثال، تم إبلاغ شركة «إم بي سي» أن «وليد بن إبراهيم الإبراهيم» -مؤسس الشركة الذي كان من بين المعتقلين- سيحتفظ فقط بحصة تبلغ 40٪ في المجموعة، بينما سيطرت الحكومة على الباقي. ومع ذلك، في شركات أخرى، لا تزال التسوية النهائية معلقة.
وقد تم الإفراج عن معظم الذين وافقوا على التسوية، ولكنهم لا يزالون ممنوعين من السفر. وقال المراقبون إن الذين يرغبون في التعاون مع الحكومة سيسمح لهم بالعودة إلى شركاتهم.
وقال النائب العام إنه في نهاية الشهر الماضي، كان 56 من المشتبه فيهم - الذين رفضوا التسوية يتجهون للعرض على المحكمة. أما الآخرون الذين تم إبلاغ أسرهم بأنهم سوف يتم الإفراج عنهم قريبا فسيظلون رهن الاحتجاز في بيوت الضيافة الحكومية، حيث يتم الانتهاء من تفاصيل اتفاقاتهم.
وعندما غادر فندق «ريتز»، قال الأمير «الوليد» لـ«رويترز» إنه لم ينقل الأصول، ووصف حبسه بأنه «سوء فهم». وقد عاد منذ ذلك الحين للعمل في مكاتبه الفخمة في أعلى برج المملكة في قلب الرياض.
وتقول إحدى البنوك في دبي: «تقول الشركة إن كل شيء على ما يرام، وقد عاد رئيس المجموعة (الأمير الوليد) إلى المكتب، ولكن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك بكثير».
مخاطر
ويعتبر التحدي الذي تواجهه الرياض الآن هو استعادة ثقة المستثمرين في استقرار مناخ الأعمال في المملكة، خاصة وأن الأمير «محمد» يحتاج إلى استثمارات أجنبية لدعم خططه الطموحة لإصلاح الاقتصاد الذي يعتمد على النفط. ويعتقد المحللون أن التطهير كان مدفوعا -جزئيا- برغبة الوريث الواضحة فى تعزيز قبضته على السلطة.
وقال أحد مستشاري عائلة تشارك في التحقيق: «لقد خلق هذا استياء عاما، وربما الخوف، ولكن كل ذلك لم يؤثر في أسعار النفط سوى بتقلب طفيف».
وتراهن الحكومة على أن المستثمرين لا يتذكرون طويلا هذه الأحداث إذا ما توفرت فرص العمل الناشئة. وقال المسؤولون إن إنهاء ثقافة الفساد المستوطن مقدمة ضرورية لخطط الإصلاح التي وضعها الأمير «محمد».
ويقول مسؤول حكومي: «إذا كنت تريد عمل تنظيم اقتصادي ومالي ولا تتعامل مع الفساد، فسوف تفشل».