ملفات » الطريف إلى العرش

السعودية.. المستثمرون يفقدون الثقة في اقتصاد لم يعد قابلا للتوقع

في 2018/02/23

تشالز كيستنباوم - لوبلوج-

يقود ولي العهد السعودي وفدا للولايات المتحدة في الأسابيع القادمة، ساعيا لجذب استثمارات أمريكية ضخمة في قطاعي تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الفائقة، وذلك في ظل خطة التنمية للسعودية، التي أطلق عليها وليّ العهد اسم «رؤية 2030».

وتهدف هذه الرؤية لعمل نقلة في الاقتصاد السعودي من الاعتماد الكلي تقريبا على عائدات المحروقات إلى نموذج أكثر تنوعا.

وإذا نجحت هذه المجهودات فإنها ستكون كفيلة بنقل الشرق الأوسط كي يصبح جزء حيويا ومستقرا في الاقتصاد العالمي للقرن الواحد والعشرين، لكن المجتمع العالمي الماليّ يجب أن يشعر أولا بأن المخاطر التي ستواجه الاستثمار في السعودية، قابلة للتحديد والسيطرة.

وللأسف، فإن الإجراءات التي اتخذها ولي العهد حتى الآن، أدت لتقويض أدنى متطلبات شعور المجتمع الماليّ العالميّ بالأمان.

أسوأ توقيت للاعتقالات

فقد أدى الاحتجاز المفاجئ لمئات من أفراد العائلة السعودية المالكة، بالإضافة إلى كبار المسؤولين الحكوميين وقادة الأعمال التجارية البارزين، إلى إضعاف روابط السعودية بمجتمع الأعمال العالمي، وقد جاء هذا الاحتجاز بعد شهر واحد من عقد ندوة استثمارية عالمية كبيرة في نفس فندق ريتز الذي احتجز فيه أفراد العائلة الملكية.

كانت مجموعة كبيرة من مليارديرات العالم متحمسين بشأن احتمالات قيام القيادة السعودية بتوسيع مشاركتها بشكل كبير في الأسواق المالية العالمية، مثل استثمار صندوق الاستثمار العام لعدة مليارات من الدولارات في العديد من مشاريع وادي السيليكون.

ولكن في الواقع، لم يكن هناك أسوأ من التوقيت الذي اختاره ولي العهد للقيام بالاعتقالات.

قلق مبرّر

فكيف سيفكر المستثمرون العالميون بأن المخاطر التي تواجههم ستوضع في الاعتبار، إذا كان الأمير «متعب» ابن الملك السابق والذي كان هو نفسه مرشحاً لولاية العهد، قد تم احتجازه مكبل اليدين دون محاكمة، ووافق على تسليم مليار دولار يُزعم أنها اختلست من عقود الحرس الوطني.

وفي الوقت نفسه، كانت الصحف تنشر تقارير عن شراء «محمد بن سلمان» ليخت خاص بـ400 مليون دولار، وأنه دفع 450 مليون أخرى لأجل لوحة لـ«فان جوخ» بيعت مؤخراً في مزاد في لندن.

تقويض سيادة القانون

يُذكر أن السعودية قد بدأت بتنفيذ أكبر سلسلة من الإصلاحات الاجتماعية والمالية في التاريخ الحديث، حيث يجري تمكين المرأة على قدم وساق، كما أن الحكومة بدأت أخيرا في كبح وتقليل سلطة العناصر المتطرفة.

من الضروري أن تكون سيادة القانون أكثر شفافية وإنفاذا، ففي المملكة؛ غالبا ما يكون أفراد العائلة المالكة هم من يضعون القواعد، وهم معفيّون من هذه القواعد لكونهم الحكّام.

ولكي تقوم المملكة بالانتقال من مملكة تحكم مرؤوسين إلى نظام جديد يحكم مواطنين؛ فإن السلطات السعودية عليها أن تعيد بناء الحد الأدنى من النظام وتقيم سيادة القانون في عوالم المال والأعمال والتجارة.

على الرغم من أهمية إصلاح النظام والحد من الفساد، فإن الكيفية التي يتم بها ذلك مهمة بالقدر نفسه، ومع أن عمليات الاحتجاز الأخيرة بدت وسيلة جيدة مبدئياً لاسترداد عدة مليارات من الدولارات، لكنها تقوض أيضا سيادة القانون التي يعتمد عليها المستثمرون العالميون.

المستثمرون مذعورون

ليس المستثمرون الأجانب وحدهم من أصيب بالذعر بسبب هذه الأحداث المفاجئة، بل إن العديد من السعوديين قد فروا من البلاد تحسبا لاحتمالية أن يكونوا هم المحتجزين القادمين، وتفيد التقارير أن التدفق الخارجي للثروة السعودية، خاصة في صورة نقدية وغيرها من الأصول السائلة، كان لافتاً للانتباه.

وفي الوقت نفسه، تعاني المملكة من عجز كبير في الميزانية، وتخفض احتياطيات العملة لتغطية المليارات من الدعم الحكومي للإبقاء على انخفاض أسعار الكهرباء والبنزين، ما روّع رجال الأعمال الذين تحتاجهم المملكة لتوسيع اقتصادها.

اقتصاد غير قابل للتوقع

سيكون من الصعب على «بن سلمان» أن يصلح الفساد الملكيّ، ويجعل الأسواق أكثر شفافية قانونية وتجارية، ويوظف السعوديين الشباب الذين يمثلهم الآن؛ كل هذه الأشياء قد تصبح مستحيلة تقريبا، إذا لم يستعد الاقتصاد بعض القابلية للتوقع.

تخيل أحد المتعاقدين الأمريكيين الكبار في مجال الدفاع والذي كان يعمل في الحرس الوطني السعودي لمدة 35 سنة على الأقل، ليكتشف فجأة أن قائد الحرس الوطني محتجز.

والنتيجة هي أن العلاقة التي استمر بناؤها كل هذه الأعوام بين الشريك السعودي، الذي يعمل كقائد للحرس الوطني وهو فرد من العائلة المالكة في الوقت ذاته، وبين الشركة الأمريكية انقلبت فجأة رأسا على عقب، وهذه الشركة من المرجح أن تخسر التعاقدات التي استمرت في تطويرها لمدة 35 عاما، والشيء الأسوأ هو أن المتعاقد قد أصبح مرتبطا بالفساد، ما يعني أنه لم يعد في مفضلة سلطات الحرس الوطني الجديدة.

الآن كرر هذه الإزاحة آلاف المرات بالنسبة لمئات من الشركاء، في حالات إدانات للمستثمرين أو المالكين بالفساد.

إعادة بناء الثقة صعب

كان عملي كمستشار تجاري في السفارة الأمريكية في الرياض، يتطلب تقديم النصيحة للشركات الأمريكية بشأن هذه التساؤلات بالضبط؛ مثل من الذي يتوجب عليّ أن أقوم بعمل تجاريّ معه؟ ومن لديه علاقات جيدة مع عميل الحكومة السعودية الذي أحاول الوصول إليه؟ والآن من الصعب الإجابة على هذه الأسئلة الأساسية الآن.

عندما تقلب علاقات استمر بناؤها عدة عقود، بين الشركات والمديرين والموظفين، رأسا على عقب، فإن هذا لا يحدث دون أن تُفقَد الثقة في شفافية وعدالة النظام، وربما سيحتاج «بن سلمان» والسعوديون وقتاً طويلاً قبل أن يستعيدوا الثقة الكافية التي تطمئن المستثمرين السعوديين والأجانب، بأن أموالهم وأصولهم تحميها سيادة القانون.