الخليج الجديد-
بمجرد الإعلان، مساء الإثنين 26 فبراير/شباط الجاري، في السعودية، عن اقتراب الإعلان عن جملة من القرارات الملكية، استدعى الأمر انتباها أكثر من كل مرة، بالنظر إلى أن تلك الأوامر هي الأولى منذ انتهاء أزمة احتجاز الأمراء في فندق «الريتز كارلتون» بالعاصمة الرياض، والتي اندلعت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على خلفية مزاعم فساد، كما قالت الدوائر الرسمية في المملكة.
وخلال الدقائق التي سبقت إعلان الأوامر الجديدة، ازدحمت فضاءات المنافشة بتحليلات سريعة، متوقعة صدور أوامر لترضية أطراف داخل العائلة المالكة السعودية، تخفف من وقع الزلزال الكبير الذي أحدثه ولي العهد الشاب، والحاكم الفعلي للمملكة حاليا، الأمير «محمد بن سلمان».
بالفعل، حملت الأوامر ملمحا مهما في هذا السياق، حيث اعتبر مراقبون أنها حملت جملة تعيينات لترضية أمراء طالتهم يد القمع خلال أزمة «الريتز»، كالأمير «الوليد بن طلال»، الذي تم تعيين شقيقه «تركي بن طلال» نائبا لأمير منطقة عسير.
شقيق «الوليد»
وكان الأمير «الوليد» من أبرز الشخصيات التي تم احتجازها في «الريتز»، وتحدثت تقارير أجنبية عن تصلبه في التجاوب مع المحققين، قبل أن يتعرض للتعذيب والضرب، لا سيما بعد نقله إلى سجن «الحائر»، شديد الحراسة، جنوب الرياض، وهو الأمر الذي كشفته صحيفة «إكسبرس» البريطانية، قبل أن ينفيه «الوليد» في أول ظهور له داخل «الريتز» قبيل ساعات من إطلاق سراحه، مؤكدا أنه كان يتلقى معاملة طيبة.
ولم يعرف، على وجه الدقة، المبلغ الذي دفعه «بن طلال» كتسوية مقابل خروجه، لكن السلطات كانت تطالبه بدفع 6 مليارات دولار.
وفي يناير/كانون الثاني، الماضي، أكد أطراف داخل العائلة المالكة أن الأمير «طلال بن عبدالعزيز» قرر الإضراب عن الطعام، احتجاجا على ما يعانيه نجله داخل مقر احتجازه، وتم نقله إلى المستشفى للعلاج، مما كان مؤشرا على غضب الأمير الوالد كثيرا.
لهذا ينظر إلى الأمر الملكي بتعيين «تركي بن طلال»، نائبا لأمير منطقة عسير، الاستراتيجية، جنوبي المملكة، على أنها ترضية مناسبة من الملك «سلمان» ونجله المتحكم للأمير «طلال» وابنه «الوليد».
حفيد «مقرن الجريح»
التعيينات الجديدة جاءت أيضا بحفيد الأمير «مقرن بن عبدالعزيز»، الأمير «فيصل بن فهد»، نائبا لأمير حائل.
ومن المعروف أن الأمير «مقرن» كان في دائرة الأضواء بقوة، خلال ساعات اعتقال الأمراء، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث تحطمت مروحية كانت تقل نجله الأمير «منصور بن مقرن» في منطقة عسير، التي كان نائبا لأميرها.
المروحية تحطمت خلال جولة خدمية للأمير «منصور» وبعض مرافقيه، لكن مصادر خاصة مقربة من الأسرة السعودية قالت لـ«الخليج الجديد» إن طائرة «بن مقرن» أسقطت عمدا، ثم خرجت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، مؤكدة أن مقاتلة سعودية أسقطت المروحية بصاروخ، وذلك بسبب كون الأمير «منصور» أحد أبرز معارضي «محمد بن سلمان» وتوجهاته داخل الأسرة، وتحدثت تقارير بأن الأمير المتوفى كان قد شرع في بدء حملة بين شباب العائلة المالكة للوقوف بوجه ولي العهد الشاب.
بالتالي، فإن وضع الأمير «فيصل بن فهد بن مقرن» نائبا لأمير حائل، قد يعد دفعة أولى من ترضية مناسبة للجد، الذي ظهر والحزن يعتصره على ابنه القتيل.
نجل «أحمد القوي»
أيضا جاء تعيين نجل الأمير «أحمد بن عبدالعزيز»، وزير الداخلية الأسبق وأحد أقوى الأطراف داخل العائلة وأكثرها حنقا على تصرفات «بن سلمان»، مستشارا بالديوان الملكي بالمرتبة الممتازة، أمر له دلالة، قياسا بالحالة التي صنعها الأمير «أحمد»، برفض توجهات «محمد بن سلمان»، علاوة على رفض مبايعته في البداية.
وكان موقع «تاكتيكال ريبورت»، أورد في تقرير سابق، أن العاهل السعودي الملك «سلمان بن عبدالعزيز» طلب من شقيقه الأمير «أحمد» التعهد بالولاء لنجله «محمد بن سلمان» بشكل علني، لكن الأمير «أحمد» رفض ذلك، وبرر رفضه بأن ولي العهد الشاب لا يلبي الشروط المطلوبة للخلافة، كما جدد الأمير «أحمد» مطالباته المستمرة بحقه في العرش. (طالع المزيد)
وأضاف التقرير أن الملك «سلمان» أخبر الأمير «أحمد» أنه من الأفضل للأمراء المعارضين أن يتعهدوا بالولاء لابنه في هذه المرحلة، لأنه سيعتلي العرش، شاء من شاء وأبى من أبى.
وبحسب التقرير، أكد الأمير «أحمد» للملك «سلمان» أنه سيلتزم بعدم الوقوف مع أمير آخر ضد ابنه، لكنه لا يمكنه تحمل أي مسؤولية عن المعارضة التي قد يظهرها أمراء آخرون.
وبشكل عام، ينظر إلى التعيينات الجديدة بشكل عام على أنها محاولة لـ«لملمة ولاء شباب العائلة المالكة» مرة أخرى حول القيادة الحالية لـ«بن سلمان»، لا سيما بعدما تردد عن احتجاجات مكتومة جرت بين أوساط هؤلاء الشباب، خرجت إحدى شراراتها الصغيرة لتتحول إلى مظاهرة لأمراء أمام قصر الحكم بالرياض، في أوائل يناير/كانون الثاني الماضي، انتهت باعتقالهم من قبل قوة «السيف الأجرب» وإيداعهم سجن «الحائر».
وبين العصا والجزرة، يبدو أن استراتيجية «بن سلمان»، ماضية في الإصرار على لجم الأمور، استعدادا لحقبة يريدها ولي العهد مختلفة تماما عن ما سبق، وصولا إلى «سعودية جديدة كليا»، داخليا وإقليميا وعالميا.