ملفات » الطريف إلى العرش

صناعة الولاء.. فلسفة التعيينات والترقيات في الأوامر الملكية السعودية

في 2018/03/02

مضاوي الرشيد - ميدل إيست آي-

يحتاج الجيش السعودي وبيروقراطية الدولة السعودية لأكثر من مجرد هزة، وفي 26 فبراير/شباط أصدر الملك «سلمان» أمرا ملكيا قام بموجبه بإقالة أو ترقية أو استبدال، العديد من جنرالات الجيش وموظفي الخدمة المدنية ومستشاري المحاكم الملكية ورؤساء البلديات والمحافظين المحليين.

هذه التعديلات ليست غريبة، لكن الوقت الذي تمت فيه هو الذي يثير التساؤلات.

يستميت النظام السعودي لمحاولة استثمار الانطباع الجيد والرضا لأكبر قدر ممكن، في الوقت الذي يقلّب فيه المراقبون الخارجيون تفكيرهم بشأن استقرار المملكة والحكمة خلف العديد من التغييرات الأخيرة، مثل جدوى تطهير الفساد والوعد بإنهاء الاعتماد السعودي على النفط.

هذا الانطباع الجيد متعلق بالإصلاحات الأخيرة مثل تعيين النساء في المناصب العليا ورفع حظر القيادة عن النساء، والسماح للنساء بحضور الحفلات ومباريات كرة القدم، ودعوة النساء للسعي نحو التعيين في مؤسسة الجيش مؤخرا.

مزيد من البيروقراطية

ورغم ذلك لا تعد هذه التغييرات الأخيرة تدابير جديدة تعد بمزيد من الفعالية والمسؤولية في بيروقراطية الدولة، وإنما تقود نحو تناوب النخب المحلية في الأدوار العليا، وستؤدي التعيينات الجديدة إلى تضخيم بيروقراطية الدولةالمتضخمة بالفعل

ويبدو الملك مضطرا لتوسيع دائرة المستفيدين في وقت يبدو فيه الجميع «مشتبهاً بهم» من منظور الملك وابنه، ويجب استبدال الحرس القديم بجيل جديد خشية أن يشعر الأخير بأنه مستبعد من الفرص واحتمالات الثروة والمكانة.

كما يجد النظام نفسه الآن مضطرا لهز عمالة الدولة بترقية البعض وإقالة الآخرين، في حركة يائسة لمحاولة إنشاء قاعدة واسعة من الموالين المخلصين الذين لديهم مصلحة في الحكومة.

كما يشعر الملك أيضا أنه مضطر لتعيين امرأة كنائب وزير، تماما كما فعل الملك «عبد الله» قبل موته عندما عين «عنود الفايز» نائبة لوزير التعليم، والتي قام الملك سلمان بإقالتها عندما أصبح ملكاً في 2015.

اللعب ببطاقة النوع

في هذا السياق يأتي التعيين الجديد لـ«تماضر الرماح» كنائبة لوزير العمل والتنمية، ليتبع النمط السابق الذي يعين امرأة ثم يقيلها في مرحلة لاحقة، ومع ذلك فقد كان هذا التعيين كافيا لإثارة حماسة وسائل الإعلام السعودية والخارجية بخصوص التعيين الرمزي الذي يشير لتمكين المرأة، وقد قرأت هذه كعلامة على تغيير ثوري من الأعلى إلى الأسفل.

هذا التعيين الأخير لامرأة سبقته دعوة للنساء للتقدم في وظائف في الجيش كجنديات في ظل ظروف صارمة.

وتعمل النساء بالفعل في مجال الأمن والاستخبارات في السعودية، والعديد من السعوديين يشيرون إلى كيفية تعويض هؤلاء النساء بسخاء بسبب فقدان سمعتهنّ فيما يسمى «بَدَل سمعة».

لكن إدخال النساء في الجيش لا يعني أننا سنرى قريبا جنديات مشاة يقمن بدوريات على الحدود الجنوبية مع اليمن أو شوارع الرياض، ناهيك عن حراسة الأسرة الملكية أو منشآت النفط الحيوية.

ولكن هذه المهام تظل مقصورة على لواء مرتزقة أجنبي يتكون من 1000 جندي مشاة باكستاني، تم استقدامهم مؤخرل للمملكة العربية السعودية بعد ثلاث سنوات من انتظار وصولهم.

هل يحقق النصر؟

أثبت الجيش السعودي أنه غير قادر على إحراز النصر على ما ميليشيات الحوثيعلى الحدود مع اليمن، فهل يمكن لرئيس أركان جديد أن يحقق النصر النهائي المُنتَظر في الحرب التي استمرت ثلاث سنوات مع الحوثيين؟

واقعيا، يبدو أن حرب اليمن أصبحت غير ممكنة الفوز، فقد نجحت الغارات الجوية فقط في تدمير البلد الفقيرة ولن تحقق سلاما عمليا، ومن المرجح أن ينفع حل سياسي في أن ينهي هذه الحرب أكثر من مجموعة القنابل التي تم إسقاطها على البلد.

وشملت التغييرات الأخيرة كذلك تعيين جيل أصغر من العائلة المالكة كحكام محليين، وهذه ممارسة تم اتباعها منذ إنشاء العائلة المالكة السعودية، حيث يتم اختيار كل حكام المناطق من أفراد العائلة المالكة، فيما عدا استثناءات قليلة.

ويخصص للأمراء المحليين ميزانية لإنفاقها على التنمية المحلية، وهي فرصة لشغل مناصب حكم على سكان المناطق.

ومع ذلك، فليست جميع المناطق متساوية في الأهمية، فمنصب حاكم الرياض، الذي شغله الملك «سلمان» لعدة عقود، أهم من منصب حاكم مدينة نائية مثل الجوف في الشمال أو نجران في الجنوب، فليس لهما نفس المكانة ولا الثروة ولا السلطة.

ولهذا، فإن الملك يقيل أميرا ويعين آخر في مثل هذه المناطق النائية لضمان أن يكون لهؤلاء الحكام المحليين مصلحة في النظام مما يولد لديهم استعدادا للدفاع عنه عندما يكونون مستفيدين منه. كما أن تعيين أمير في منطقة نائية قد يبدو كعقاب أكثر منه مكافأة، لكنه مع ذلك أفضل من أن يصبح أميرا مهمشاً وناقما على هامش الأبهة الملكية والسلطة والثروة.

لذا، من غير المحتمل أن تتسبب هذه الأوامر الملكية الأخيرة في تثوير الممارسات والسياسات السعودية، فهي مفروضة على السكان المحرومين من حق الانتخاب، دون وجود ملاذ للعدالة أو التمثيل.

لا يوجد مسؤول تمت إقالته يستطيع أن يتحدى القرار الذي أخرجه من منصبه، ولا يستطيع شخص من عامة الشعب أو أمير أن يفسر سبب ترقية شخص ليصبح ضمن أكثر الأعضاء الموثوق فيهم في الدائرة الداخلية للسلطة. فلدى الأوامر الملكية لها منطق خاص بها غالبا ما يرتبط بتوطيد السلطة والتخفيف من المعارضة وتوليد ولاءات مستمرة، وهي غير مفهومة أو منطقية إلا بالنسبة للذين يساعدون الملك في اتخاذ قرار الترقية أو التنحية.

كما لا يمكن للمسؤول المُقال إلا أن يأمل أن يحصل على معاشه بعد أن تمت إزاحته، بينما يظل بقية البيروقراطيين يأملون أن تتم ترقيتهم يوماً ما إلى منصب وزير، وهو أكثر دور مرغوب بين نخبة الذكور السعوديين، وربما الإناث أيضا.