DW- عربية-
تمثل العلاقات السعودية - التركية مجالاً خصباً للتداول، فالمعارك الإعلامية تندلع من حين لآخر بينهما، دون أن يصل ذلك إلى إدارتي الدولتين، وكأنهما تحرصان على إبقاء شعرة معاوية رابطا لا ينبغي التفريط فيه.
آخر معالم العلاقة المثيرة للجدل بين تركيا والسعودية ما نشرته وسائل إعلام مصرية موالية للرئيس عبد الفتاح السيسي، من تصريحات نقلتها عن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، خلال لقاء أجراه مع إعلاميين مصريين، غداة زيارته الأخيرة للقاهرة، إذ قال: "أعداؤنا هم ثالوث الشر: العثمانيون وإيران والجماعات الإرهابية". غير أن السفارة السعودية في أنقرة، خرجت ببيانٍ جاء فيه أن الأمير كان يقصد بكلامه الإخوان المسلمين والجماعات الراديكالية، نافية أن يكون قد أشار إلى تركيا.
لكن حتى هذه التوضيحات لا تنفي أن الخلاف قائم، فتركيا التي تستضيف عدة قيادات من الإخوان المسلمين، لا تزال من أكبر مناوئي السيسي بحجة إسقاط رئيس منتخب شرعياً (يتعلٌّق الأمر بالرئيس محمد مرسي). فضلاً عن أن موضوع الإخوان كان من الأسباب التي ساقتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر لمقاطعة قطر، على خلفية تبنّي هذه الأخيرة للموقف التركي ذاته في موضوع الإخوان المسلمين، وهو ما جعل أنقرة تقف إلى جانب قطر.
خلافات وتنافس غير معلن
بيّنت الأزمة الخليجية بيّنت أن السعودية لا تنظر بودٍ كبير إلى تركيا، خاصة بعد الكشف عن لائحة المطالب الموجهة لأمير قطر تميم بن حمد، حيث تضمنت شرط إغلاق القاعدة العسكرية التركية في بلاده. كما أن الدعم التركي لحركات الإسلام السياسي الأخرى، وتحديداً حركة حماس، التي تسعى عدة قوى عربية إلى تقويض حضورها بل وتصنيفها على قائمة الإرهاب، يشوّش على علاقة أنقرة بالرياض. فنظرة هذه الأخيرة إلى حماس ليست وردية خاصة إذا استحضرنا تصريحا لعادل الجبير وصف فيه الحركة الفلسطينية بـ"المتطرفة"، وهو اعتبرته الأخيرة تشويها لها.
كما يوجد ملف آخر يؤثر سلباً على علاقات الطرفين، يخصّ الروابط المتعددة بين أنقرة وطهران، إذ يحرص الرئيسان رجب طيب أردوغان وحسن روحاني على استمرار الاتصالات بينهما. ومن ذلك ما قاله أردوغان مؤخراً عن أن استقرار إيران مهم لتركيا على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها عدة مدن إيرانية. وبالتأكيد فمثل هذا التصريح لن يعجب القيادة السعودية التي يجمعها عداء واضح بنظيرتها الإيرانية.
ما زاد من سرعة تأويل تصريحات بن سلمان بخصوص تركيا، هو القرار الذي أعلنته مجموعة "أم بي سي" السعودية بإيقاف عرض جميع المسلسلات التركية عبر شاشاتها، مبرّرة ذلك بـ"تحفيز إنتاج المحتوى الدرامي العربي والخليجي"، لكن المجموعة ذاتها لا تزال تملك قنوات مخصّصة للأفلام والمسلسلات الأمريكية والهندية، ممّا يجعل الأسباب الحقيقية وراء القرار أكبر من مجرّد تشجيع للدراما المحلية، خاصة بعد تصريح وزير الثقافة والسياحة في تركيا، نعمان كورتومولش، أن هناك أسباباً سياسية وراء الموضوع.
التنافس بين القوتين يظهر كذلك بشكل أكبر في المجال الديني، فكلا منهما ترغبان بتزعم صدارة العالم الإسلامي، وهو ما ظهر في التفاعل الضعيف للسعودية مع دعوة أردوغان لحضور قمة إسلامية عاجلة في إسطنبول ردا على قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. يومها حاول أردوغان خلال القمة أن يقدم نفسه زعيما يقود العالم الإسلامي في وجه إسرائيل، وهو أمر لا يروق للسعودية التي ترى في نفسها هذه الرمزية، لا سيما وأنها تحتضن الأماكن الإسلامية المقدسة.
تدعم تركيا من جهتها بشكل قوي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي صنفته السعودية تنظيما إرهابيا، لأسباب متعددة من أبرزها ارتباطه بقطر. في المقابل يحضر الثقل السعودي في عدة منظمات إسلامية منها رابطة العالم الإسلامي. ويظهر التنافس محموما بين المنظمات الإسلامية المرتبطة بقطر وتركيا، والأخرى المحسوبة على الصف السعودي- الإماراتي، خاصة وأن الأولى تشجع فكرة الإسلام السياسي، بينما تحاول الثانية التركيز على الإسلام الصوفي والسلفي.
وتزيد الملفات الإقليمية من هذا التنافس بين الاثنين، خاصة فيما يتعلّق بالأزمة السورية. فبالرغم من أن الطرفين يتفقان من حيث المبدأ على دعم المعارضة السورية والمطالبة برحيل بشار الأسد، فإن الكثير من التفاصيل في الملف تفرقهما، خاصة ما يخصّ الأكراد. فقد ظهر مسؤول سعودي رفقة "قوات سوريا الديمقراطية" المشكلة أساسا من المقاتلين الأكراد الذين تحاربهم تركيا، وهو يتحدث عن مشاريع للمساهمة في إعمار سوريا. كما أشارت عدة تقارير إعلامية أن السعودية تتبنى المنطق نفسه للولايات المتحدة داخل سوريا، أيْ المراهنة على دور الأكراد في حاضر ومستقبل البلاد.
ويرى فادي حكورة، الخبير في الشأن التركي، في تصريحات لـDW عربية، أن أردوغان يملك طموحاً ينبع من التاريخ العثماني لأجل أن يجعل من بلاده المركز الرئيسي للعالم الإسلامي، لكنه لن يواجه هنا فقط السعودية، بل كذلك الدول العربية. وما يصعبّ موقفه أكثر، حسب رأي الخبير ذاته، أن بلاده في موقع غير قوي، خاصة للحرب التي تقودها ضد الأكراد في شمال سوريا، وهي الحرب التي من المنتظر أن تطول، وكذا للعلاقات القوية التي تجمع السعودية بالولايات المتحدة، عكس أنقرة التي توترت علاقتها بواشنطن.
المصالح تقتل الخلافات
لكن كل هذه المعطيات لا تنفي أن القوتين تتوفران على الكثير من نقاط التوافق، ويمكن لزيارة مرتقبة لمحمد بن سلمان إلى أنقرة، حسب ما أعلنه رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم نهاية عام 2017 خلال زيارته للرياض، أن تبدّد الكثير من الضباب في علاقة الدولتين، لا سيما وأن الأخير أشار في تصريحاته أن وجهات نظر الطرفي في قضايا المنطقة متطابقة بنسبة 90 بالمئة.