مجلة "فوربس" الأمريكية- ترجمة يوسف حسني -
نشرت مجلة "فوربس" الأمريكية قائمتها السنوية لأغنى أغنياء العالم خلال العام الجاري (2018)، والتي جاءت خالية من السعوديين على غير العادة، وهو ما يكشف تبعات حملة "مكافحة الفساد" التي شنتها السلطات السعودية أواخر العام الماضي، والتي طالت أسماءً كبيرة في بلد ظل لسنوات متربعاً على قمة الأثرياء العرب.
القائمة التي نشرتها المجلة، الثلاثاء 6 مارس، ضمّت ألفين و208 أشخاص، من 72 دولة حول العالم، تصل ثرواتهم الإجمالية إلى 9.1 تريليونات دولار، ومع ذلك فقد جاءت خالية من أي اسم سعودي، في سابقة هي الأولى منذ بدأت فوربس نشر قائمتها عام 1987.
ولفتت المجلة إلى أن 121 مليارديراً سابقاً خرجوا من قائمة هذا العام؛ بسبب تراجع ثرواتهم، أو بسبب "الرياح السياسية المعاكسة"، بينهم عشرة سعوديين كانوا في قائمة 2017.
الرياح السياسية العكسية التي تحدثت عنها فوربس تعني- في جزء كبير منها- حملة الاعتقالات الواسعة التي شنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في نوفمبر 2017، بحق نحو 300 رجل أعمال، بينهم أمراء ووزراء، قيل إنهم متورطون في عمليات فساد. وقد أخلي سبيلهم لاحقاً بعد تسويات مالية شابها كثير من الغموض.
أبرز هؤلاء المعتقلين الذين عرفوا لاحقاً باسم "معتقلي الريتز"، كان الأمير الوليد بن طلال، الذي صنَّفته "فوربس"، العام الماضي، بأنه الأثرى عربياً والـ45 عالمياً، بثروة بلغت 18.7 مليار دولار.
- أثرياء سابقون
وإلى جانب الوليد بن طلال ضمت قائمة فوربس، العام الماضي، كلاً من: محمد العمودي (8.5 مليار دولار)، والأمير سلطان آل سعود (3.9 مليارات دولار)، والشيخ صالح كامل (2.3 مليار دولار)، وفواز الحكير (1.980 مليار دولار)، وكلهم كانوا من بين معتقلي الريتز.
ورغم عدم كشف تفاصيل التسويات التي عقدتها الحكومة مع المعتقلين مقابل إطلاق سراحهم، وخصوصاً تلك التي تمت مع الأمير الوليد بن طلال، فقد يعني خروج السعوديين من قائمة فوربس الشهيرة- في جانب منه- أن هذه التسويات أتت على جزء ليس بسيطاً من ثروات هؤلاء.
السلطات السعودية أعلنت فور بدء الاعتقالات أنها تستهدف استرداد 100 مليار دولار من المعتقلين، ثم أعلنت لاحقاً أنها حصّلت هذا المبلغ أو ما يقاربه فعلياً، لكنها لم تفصح أبداً عن تفاصيل التسويات، ما جعل الباب مفتوحاً أمام التكهنات.
وبصفة عامة، فإن اقتصاد المملكة يواجه أزمة غير مسبوقة بسبب تهاوي أسعار النفط الذي يعد مصدر الدخل الرئيس لبلد يعد أكبر منتج للنفط في العالم، وأيضاً بسبب نزيفها المستمر في اليمن، وهو أمر يمكن تلمسه في عملية التقشف التي بدأتها الحكومة على أكثر من صعيد، فضلاً عن فرض ضرائب جديدة على المواطنين والمقيمين.
الأزمة التي تعصف باقتصاد المملكة يمكن تلمسها أيضاً في رؤية 2030 التي تسعى لتنويع مصادر الدخل، ولو على حساب الأعراف والتقاليد التي قامت عليها المملكة قبل تسعة عقود، عبر التوجه لـ"الترفيه" ورفع القيود عن المرأة، وعن بعض مظاهر الترفيه؛ كالغناء والسينما، وغيرها من الأمور التي كانت محرمة شرعاً قبل أقل من عام.
- غياب الشفافية
وكما حاول ولي العهد تحقيق مكاسب سياسية عبر تسويق فكرة أنه رجل إصلاحي جاء لينتشل بلاده من ضيق الرجعية إلى سعة الانفتاح، فقد حاول جني مكاسب مادية خاصة عبر حملة "مكافحة الفساد" التي اتخذها ذريعة للسطو على ثروات مناهضيه، وهو ما انعكس سلباً على اقتصاد المملكة عموماً.
صحيفة فايننشال تايمز البريطانية نشرت تقريراً، نهاية يناير 2018، تحدثت فيه عن حملة بن سلمان، وقد لفتت إلى أن سهم "المملكة القابضة" في البورصة السعودية قفز بعد إطلاق سراح مالكها الوليد بن طلال. لكنها قالت إن العارفين بأمور الاستثمار لا يزالون غير متأكدين من مستقبل الشركة وشركات رجال الأعمال الآخرين الذين طالهم الاعتقال.
- نتائج عكسية
وتشير تقارير غربية إلى أن صعوبة تحصيل الأرصدة والأموال المودعة في الخارج عرقلت محاولات الحكومة لتحصيل 100 مليار دولار قالت إنها تريدها من المعتقلين.
وقال وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، أمام المنتدى الاقتصادي العالمي، في الأسبوع الأخير من يناير الماضي: "إنهم (المعتقلين) أذكياء ولا يتركون أموالهم في الحسابات البنكية".
وعزا محللون عرب وغربيون قرار إطلاق سراح المعتقلين إلى سعي بن سلمان لتخفيف قلق المستثمرين الأجانب وقطاع الأعمال السعودي الذي شعر بالخوف. وقد حاول الجدعان تطمين المديرين العالميين بقوله إن الحملة "وصلت إلى نهايتها وإنها أرسلت رسالة هادفة هي أننا لا نتسامح مع الفساد".
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية قالت، في 25 يناير 2018، إن ولي العهد السعودي يبدو "مفتوناً بمشاريع غرور طموحة، وتسمين محفظته الشخصية". ونشرت الصحيفة مقالاً للكاتب نيكولاس بيلهام، قال فيه إن صندوق الاستثمار العام في السعودية يُفترض أن يكون للثروة السيادية للسعودية، "لكن بن سلمان الذي يرأس مجلس إدارته يديره وكأنه مشروعه الخاص".
وأعرب بيلهام عن أمله "في أن تدخل المبالغ التي يحصل عليها بن سلمان من حملة مكافحة الفساد إلى محفظة الوطن لا إلى حسابه الشخصي".
ورغم أحاديث السلطات عن دور المبالغ التي تم تحصيلها من المعتقلين في تحفيز الاقتصاد الوطني، فإنها في الوقت ذاته تتجاهل الحديث عن حجم الضرر الذي ألحقته الحملة بصورة المملكة لدى المستثمرين الأجانب الذين يقول موقع "بيزنس إنسايدر"، المتخصّص في شؤون المال والاستثمار، إنهم أداروا ظهورهم لولي العهد السعودي بعد حملة الريتز، التي يُعتقد أنها ما جاءت إلا لتعزيز سيطرته على المملكة.