الخليج أونلاين-
كانت وما زالت العلاقات التي توطدها الدول فيما بينها أساساً للسياسة المنفعية، وتعتبر الدول العظمى مطمعاً لدول أقل شأناً وقوة، تسعى الأخيرة لبناء علاقات متينة معها؛ تمكنها من الحصول على نفوذ في محيطها الإقليمي، على أقل تقدير، في حين تسعى الأولى لتحصيل مكاسب من بوابة "المساعدة".
وعلناً تبني الدول علاقات مع أخرى صاحبة نفوذ، متخذة القنوات الدبلوماسية لتمتين هذه العلاقات، وصولاً إلى تمكنها من التأثير على القرار في هذه الدولة لما يصب في مصلحتها؛ من خلال إثبات حسن النية والعمل بوضوح وشفافية.
لكن الشفافية في التعامل ليست الطريق التي تسلكها جميع الدول، حيث يُكشف باستمرار عن أسرار تتعلق بلجوء دول إلى طرق ملتوية لكسب المصالح.
السعودية التي طرحت على تحركاتها في الآونة الآخيرة الكثير من علامات الاستفهام، تكشف تقارير أنها لجأت إلى "الرشوة" للتأثير على القرار في بريطانيا، الدولة العظمى المؤثرة عالمياً.
- هدايا وطعام
الموقع الإخباري الأمريكي "بازفييد نيوز" كشف بالأدلة استغلال الرياض لسياسيين بريطانيين واستمالتهم بالعديد من الطرق؛ من الرحلات المجانية إلى المملكة إلى فرص العمل في مراكز بحثية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعائلة المالكة.
وسلّط الموقع الضوء على إسراف السعودية وما تنفقه لاستمالة البريطانيين إلى جانبها.
ويتضمن هذا الإسراف، بحسب بازفييد نيوز، سلال الطعام الضخمة التي أُرسِلَت إلى عشرات الساسة البريطانيين البارزين نيابةً عن الحكومة السعودية، وكان من بين هؤلاء الساسة رئيسة الوزراء تيريزا ماي.
الموقع عرض صوراً أمده بها مصدر لم يكشف عنه، تظهر سلال الطعام في أثناء تعبئتها، أُرسِلَت 50 سلةً على الأقل في عيد الميلاد الماضي لساسة بريطانيين بارزين، من رئيسة الوزراء إلى مسؤولين ونواب برلمانيين تربطهم علاقات بالمملكة.
وعبَّر المصدر عن دهشته من قبول هؤلاء الساسة هدايا كهذه من النظام السعودي؛ نظراً لدوره في حرب اليمن.
وقال المصدر إنَّه دُهِشَ أيضاً عندما علم هويات الأشخاص الذين تلقوا تلك الهدايا، التي تضمنت دجاجة "مُدخنة" كاملة، وسمك سلمون مُدخن، وكميات ضخمة من لحم السلطعون.
إحدى تلك السلال كانت مُرسلة إلى اللورد جيدت، عضو مجلس اللوردات والمستشار السابق للملكة، وتضمنت السلَّة هدايا مثل مايونيز الأعشاب البحرية وكيلوغراماً من جبن ستيلتون.
بعض تلك السلال التي دفعت ثمنها السعودية يُزعَم أنها تضمنت زجاجاتٍ من الكلاريت، والنبيذ الأبيض، والشمبانيا، وويسكي تاليسكر، رغم أن الكحوليات مُحرمة في المملكة.
ووفقاً للموقع الأمريكي، رفض متحدث باسم رئيسة الوزراء البريطانية التعليق على الهدية التي أُرسِلَت إلى رئيسة الوزراء تيريزا ماي، لكنه قال إن كل الهدايا التي وصلت إليها ستُعلن بالشكل الملائم حين تصدر الإقرارات الوزارية آخر هذا الشهر.
وبينما قال الموقع إن إدارات حكومية أخرى عديدة لم تعلق على الهدايا التي وصلتها ومصيرها، ذكر أن السلة التي أُرسِلَت إلى بيني موردونت، وزيرة التنمية الدولية، عُرِضَت في مزاد لدعم مؤسسة أُنشِئت لتخليد ذكرى ريبيكا دايكس، وهي موظفة سابقة بالسفارة البريطانية في لبنان قُتِلَت في بيروت.
بازفييد نيوز أشار إلى أن مسؤولاً بالسفارة السعودية لم يردّ على طلب التعليق على المسألة، ما يعني أنه من غير الواضح إن كانت سلال لحم السلطعون ستظل تؤدي دوراً كبيراً وحيوياً في الدبلوماسية السعودية.
واستضافت ماي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مساء الخميس (8 مارس 2018)، إلى مأدبة عشاء في تشيكرز، مقر إقامتها الرسمي، وذلك في اليوم الثاني من زيارته الرسمية إلى المملكة المتحدة.
أما العشاء البريطاني بامتياز فتضمن بحسب مكتب ماي، سمك الهلبوت مع الخيار والفجل والليمون، تلا هذا الطبق الشهي، أطباق من لحم الخروف "Chiltern" مع المرق والبطاطس الجديدة، أما الحلوى فكانت كعكة الجبن يوركشاير راوند مع الزنجبيل، وفق ما نقل موقع قناة العربية الإخبارية.
يذكر أن الأمير محمد بن سلمان كان قد وصل الأربعاء الماضي إلى بريطانيا في زيارة التقى خلالها إلى جانب ماي، ملكة بريطانيا ووزيري الدفاع والخزانة، فضلاً عن العديد من النواب البريطانيين.
هدايا السعودية تطرقت إليها أيضاً صحيفة "ميرور" البريطانية، التي كشفت عن استلام أحد البرلمانيين البريطانيين هدايا بأكثر من 16 ألف جنيه إسترليني من السعودية، وكان قد امتدح محمد بن سلمان، في مجلس العموم.
وذكرت الصحيفة، الجمعة (9 مارس 2018)، أن النائب ليو دوتشرتي زار السعودية مرتين خلال الأشهر الستة الماضية، وتكفلت العائلة السعودية المالكة بدفع فواتير سفره وإقامته في المملكة.
وكانت أولى زيارات دوتشرتي في شهر سبتمبر الماضي، بعد ثلاثة أشهر من انتخابه، حيث التقى بالملك سلمان بن عبد العزيز، إضافة إلى عدد من المسؤولين الحكوميين السعوديين "بهدف فهم ودعم العلاقة السعودية البريطانية".
وأتبعها بزيارة أخرى في شهر يناير الماضي للحدود السعودية اليمنية؛ "ليرى تأثير ضربات الصواريخ الباليستية في منطقة الحدود السعودية اليمنية، وتكوين صورة أوضح للأهمية الاستراتيجية لعمليات التحالف في اليمن".
وكان النائب المحافظ، وعضو لجنة الدفاع في البرلمان البريطاني، من بين القلة التي التقت بولي العهد السعودي، في خلال زيارته الأخيرة إلى بريطانيا.
وفي جلسة استجواب رئيسة الوزراء الأسبوعية، الأربعاء (7 مارس 2018)، وصف النائب البريطاني الأمير محمد بن سلمان بأنه "قوة تدعم الاستقرار في منطقة شديدة الاضطراب".
وأيضاً طالب ليو دوتشرتي رئيسة الوزراء بأن "توفر الضمانات لولي العهد بأن هذا البلد سيقف إلى جانبه في جهوده لجلب الحداثة والتطوير والإصلاح لحليفنا شديد الأهمية في الشرق الأوسط".
بدورها فإن رئيسة الوزراء أجابت بالقول: "أتفق مع صديقي الموقر. نمتلك علاقة تاريخية وطويلة الأمد مع المملكة العربية السعودية، وسنستمر في ذلك".
ولم تكن الاتهامات بتلقي الحزب الحاكم في بريطانيا "الهدايا" من العائلة الحاكمة السعودية جديدة.
إذ سبق أن ساهم عضو البرلمان البريطاني عن حزب المحافظين، دانيال كوجنسكي، في تنظيم مؤتمر "قطر في منظور الأمن والاستقرار الدولي"، في شهر سبتمبر الماضي، والذي وقف خلاله بجانب السعودية بأزمتها المفتعلة مع قطر.
ويعرف كوجنسكي بدفاعه الشديد عن السعودية، في حين كان برنامج "نيوز نايت"، الذي يعرض على شاشة "بي بي سي"، قد اتهمه بأن حماسته للدفاع عن المملكة سببها زيارته للسعودية عام 2014، وأن السفارة السعودية في لندن قد تكفلت بدفع النفقات.
فضلاً عن ذلك، وجهت اتهامات سابقة لنواب آخرين بتلقي أموال من السعودية لدعم حملتها في اليمن، ودعم صفقات سلاح ضخمة بين الدولتين وصلت قيمتها إلى 4.5 مليارات جنيه إسترليني منذ بدء الحرب في اليمن، وفقاً لمنظمة الحملة ضد تجارة السلاح.
وتفيد المعلومات أن النواب المحافظين حصلوا على نحو 100 ألف جنيه إسترليني من الهدايا وتغطية نفقات السفر المعلنة من الحكومة السعودية بين عامي 2015-2017، في مقابل ذلك فقد دافع المحافظون البريطانيون عن مبيعات الأسلحة بأنها تصب في مصلحة دعم حلفاء بريطانيا في الشرق الأوسط.
ومن بين الهدايا التي تكشف عنها السجلات البرلمانية البريطانية، بحسب ما أعلن عنها متلقوها، ساعة قيمتها 1950 جنيهاً إسترلينياً قدمت لفيليب هاموند عندما كان وزيراً للخارجية.
في حين تلقت البرلمانية السابقة شارلوت ليزلي، التي ترأست المجموعة البرلمانية لـ"أصدقاء السعودية" في البرلمان البريطاني، سلة غذائية بقيمة 500 جنيه إسترليني.
ودفعت الحكومة السعودية مصاريف عدد من النواب المحافظين ممَّن زاروا الرياض منذ بدء الحرب على اليمن، حيث تراوحت تكاليف الإقامة والسفر والوجبات بين 3-7 آلاف جنيه عن الشخص الواحد. وشارك في هذه الزيارات نحو 18 نائباً.
وأيضاً تلقى النائب رحمان تشيشتي نحو ألفي جنيه إسترليني شهرياً منذ فبراير 2016، كمستشار لـ"مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية"، وهو مركز أبحاث مدعوم من الحكومة السعودية.