الخليج أونلاين-
لا يخفى على أحد أن السعودية سجلت في تاريخها انتهاكات وصلت حد الاعتقال بحق نشطاء ومعارضين بارزين، وذلك ضمن أيديولوجية المملكة في الحفاظ على نفسها من الانتقاد والمعارضة.
فعلى مدار سنوات لم يجرؤ أحد يعيش داخل السعودية على انتقاد سياسة الملك أو معارضة أو التعرض للعائلة الحاكمة بشيء، سواء في وسائل الإعلام أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
حتى إن أولئك الذين تجرؤوا على الانتقاد وجدوا أنفسهم قيد اعتقال أو الإقامة الجبرية، أو أحكام وصلت حد الإعدام، بتهم تفصّلها المملكة على قياسها لتوجيه أصابع الاتهام لهم وتصويرهم على أنهم أشخاص متهمون.
هذا الوضع ظل قائماً حتى أُسست جمعية الحقوق المدنية والسياسية (حسم)، بجهود 11 شخصاً، بينهم أكاديميون، كمؤسسة ناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان في السعودية.
لكن الجمعية اصصدمت بجدار الملاحقة الإغلاق بعد مدة من إطلاقها، واعتقلت السلطات السعودية وحاكمت جميع الناشطين المرتبطين بـها بفترات مختلفة تجاوزت في مجموعها الـ200 عام.
وقبل 5 سنوات، وتحديداً في 9 مارس 2013، حلّت محكمة سعودية الجمعية رسمياً وحظرتها، واتهمت أعضاءها بـ"ذمّ السلطات، وإهانة القضاء، وتحريض الرأي العام، وإهانة الزعماء الدينيين، وتأسيس جمعية غير مرخص لها".
والجمعية هي إحدى أولى المنظمات المدنية في السعودية، والتي كانت تدعو إلى إصلاح سياسي واسع في تفسيرات الشريعة الإسلامية، كما تقول منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية.
- قصة "حسم"
"حسم" جمعية لها مواقف تجاه القضايا الدينية والاجتماعية والسياسية، وانتقادات علنية لأصحاب القرار في السعودية، ويرون عدم أحقية ولاة الأمر في الاستمرار بالسلطة التي يدعون إلى جعلها سلطة منتخبة دستورية.
قضيىة "حسم" بدأت في ديسمبر عام 2009 حينما قررت مجموعة من النشطاء تأسيس جمعية الحقوق المدنية والسياسية (حسم)، إلا أن السلطات السعودية أصدرت حكماً قضائياً بحلها في عام 2013.
المحكمة أصدرت أحكاماً أخرى متفاوتة ضد أعضاء الجمعية، بتهم من قبيل "تأسيس جمعية غير مرخصة، وتحريض المجتمع، وتشويه سمعة المملكة، والإساءة إلى السلطة القضائية وهيئة كبار العلماء، والافتئات على ولي الأمر".
وبهذا فإن معظم أعضاء "حسم" حالياً في السجون باستثناء أربعة فقط، حيث لا يزال عبد العزيز الشبيلي وعيسى الحامد خارج السجن بكفالة، بينما أُطلق سراح عضوين آخرين هما محمد بن صالح البجادي وعمر بن محمد السعيد.
ومع التغير في القيادة السعودية، إلا أن المحاكمات استمرت بنفس الوتيرة، إذ صدرت أحكام قاسية تمس الحق المشروع في التعبير عن الرأي وفي حرية التجمع، وأخرى طالت عدداً من المتعاطفين والمؤيدين للجمعية.
ويضمن "الميثاق العربي لحقوق الإنسان"، الذي صادقت عليه السعودية، حق حرية الرأي والتعبير في المادة 32، كما "إعلان حقوق المدافعين عن حقوق الإنسان"، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وينص الأخير "على أن من حق كل شخص بمفرده، وبالاشتراك مع غيره، نشر الآراء والمعلومات والمعارف المتعلقة بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية أو نقلها إلى الآخرين وإشاعتها بينهم".
- أحكام فضفاضة
عملت المحكمة الجزائية السعودية المتخصصة بجرائم الإرهاب، بشكل ممنهج على إدانة هذه المجموعة التي تعد من أبرز النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان في السعودية، وذلك على خلفية اتهامات فضفاضة تصلح لجميع الأغراض.
هذه الأحكام تقول مصادر محلية إن السلطات السعودية صممتها "بدقة لتجريم المُعارضة السلمية، من قبيل نقض البيعة مع ولي الأمر، وإنشاء منظمة دون ترخيص، والاشتراك في المظاهرات أو الدعوة إلى تنظيمها".
كانت بداية حملة القمع وسلسلة الاعتقالات بحق أعضاء "حسم" مع محمد البجادي، الذي اعتقل في 21 مارس 2011، وهو أحد الأعضاء المؤسسين للجمعية، بعد مشاركته في مظاهرة أمام وزارة الداخلية في اليوم السابق.
وفي 10 أبريل 2012 قضت محكمة سرية بسجنه أربع سنوات، إثر إدانته بتهم عدة كان من بينها المشاركة في تأسيس جمعية غير مرخصة، في إشارة إلى "حسم".
وبعدها بشهر، مُنع العضو المؤسس فوزان الحربي من السفر؛ وفي يوليو 2012 بدأت محاكمة محمد القحطاني وعبد الله الحامد، ووجهت لكل منهما تهمة "الاشتراك في تأسيس جمعية غير مرخصة مع عدد من التهم الأخرى".
وفي مارس 2013 حكم بالسجن خمس سنوات بحق الحامد مضافاً إليها المدة المتبقية من محكوميته السابقة ليصبح مجموع المدة المحكوم بها إحدى عشر سنة، وعشر سنوات بحق القحطاني، ومُنعا من السفر.
قبلها بأشهر، اعتقلت السلطات السعودية سليمان الرشودي، رئيس الجمعية السابق، بعد أن ألقى كلمة عن "حكم المظاهرات والاعتصامات في الشريعة الإسلامية".
وقضت المحكمة الجزائية المنعقدة بالرياض، وسط إجراءات أمنية مشددة، في التاسع من مارس 2013، بحل الجمعية ومصادرة أموالها وإغلاق نشاطاتها لعدم الحصول على الإذن والترخيص.
السنوات الثقيلة التي مرت على "حسم" لا تبدو سترفع عن كاهلها بعد تسلم ولي العهد محمد بن سلمان، الذي شن حملات غير مسبوقة ألقت بمسؤولين وأمراء وصولاً إلى دعاة ومشايخ في سجون محكمة لم تتمكن جهة حقوقية من معرفة ما يحدث خلف قضبانها، وسط حديث عن انتهاكات عديدة بحق المعتقلين.