الخليج أونلاين-
لا تزال تداعيات معتقل "الريتز كارلتون" الأكثر رفاهية في السعودية مستمرّة؛ رغم انتهاء مرحلة التسويات مع أمراء ومسؤولين ورجال أعمال سعوديين بقيمة تقديرية بلغت حتى الآن أكثر من 400 مليار ريال سعودي (106 مليارات دولار أمريكي).
آخر الفصول ما كشفت عنه صحيفة "نيويورك تايمز"، الاثنين 11 مارس، من حيث وقع القبضة الأمنية على معتقلي الريتز، بالإضافة إلى توقيعهم على اتفاقات مجهولة التفاصيل.
الصحيفة الأمريكية أكّدت أن رجال الأعمال الذين كان يُنظر إليهم فيما مضى على أنهم عمالقة الاقتصاد السعودي يرتدون الآن أساور في الكاحل لتتبُّع تحرّكاتهم.
وشهدت السعودية حملة اعتقالات واسعة شملت أمراء ووزراء وشخصيات نافذة؛ بتهم الفساد، بداية نوفمبر 2017، كان أبرزهم الوليد بن طلال، والأمير متعب بن عبد الله.
وتمكّنت السلطات من الحصول على أجزاء كبيرة من ثروات رجال الأعمال المعتقلين مقابل الإفراج عنهم، بعد أن سبق أن أعلن مسؤولون أنهم يهدفون من حملة الاعتقالات هذه إلى استرداد 100 مليار دولار من "أموال تنتمي إلى الدولة".
ومن أبرز المحتجزين الذين وافقوا على دفع تسوية مالية مقابل الإفراج عنهم الأمير متعب، نجل العاهل السابق عبد الله بن عبد العزيز، الذي قالت وسائل إعلامية إنه دفع مليار دولار مقابل تسوية مالية، والأمير الثري الوليد بن طلال، الذي لم يكشف عن قيمة الأموال التي دفعها ثمناً لحريته.
لكن وفقاً لثلاثة من مساعدي عائلة الملك عبد الله، يبدو أنَّ الحملة كانت مدفوعة جزئياً بالخصومات العائلية، كما تنقل الصحيفة؛ لأن وليّ العهد، الأمير محمد، يضغط على أبناء الملك الراحل عبد الله، لإعادة مليارات الدولارات التي يعتبرونها ميراثاً لهم.
- ليسوا أحراراً
وقالت الصحيفة إن الأمراء الذين قادوا من قبل قوات عسكرية وظهروا في المجلات اللامعة يخضعون حالياً للمراقبة من جانب حراسٍ لا يأتمرون بأمرهم، ولا يمكن للأسر التي فرّت على متن طائرات خاصة الوصول إلى حساباتها المصرفية، وحتى الزوجات والأطفال ممنوعون من السفر.
وإثر هذه الإجراءات دخل محتجزٌ سابق اضطرّ إلى ارتداء جهاز تتبّع في حالة اكتئاب وهو يراقب أعماله تنهار، وقال أحد أقاربه: "تخلّينا عن كل شيء، حتى المنزل الذي أعيش فيه الآن لستُ متأكداً إن كان لا يزال ملكاً لي".
وتقول الصحيفة إن المعتقلين انتهى المطاف بغالبيتهم في فندق ريتز كارلتون، في غرف أُزِيلت منها أبواب الدش الزجاجية وقضبان الستائر لمنع أي محاولات للانتحار، لكن كان بإمكانهم مشاهدة التلفزيون وطلب خدمة الغرف، إلا أنه لم يكن متاحاً لهم استخدام الإنترنت أو الهواتف.
وعلى الرغم من طيّ صفحة "معتقلي الريتز" فإن الذين أُطلق سراحهم قالوا إنَّهم ليسوا أحراراً حقاً، إذ إن معظمهم ممنوعون من السفر ولا يمكنهم استخدام حساباتهم المالية.
ويعتقد بعض المعتقلين أنَّ الأساور التي يرتدونها في كاحلهم وتتعقّب تحرّكاتهم تنقل محادثاتهم أيضاً، ويغطّي البعض هذه الأساور بالوسائد أو يُشغِّلون موسيقى صاخبة لمنع التنصُّت المحتمل، وفقاً لما ذكره بعض الأشخاص الذين زاروهم.
وقال أحد أقرباء محتجز أُطلِق سراحه: "يريدون الضغط عليك وعلى أبنائك حتى تضطرّ إلى بيع أصولك من أجل السماح لك بالسفر مرةً أخرى، فالوضع خارج الريتز كارلتون هو نفس الوضع داخله".
لكنَّهم لا يملكون سوى ملاذٍ صغير؛ لأن ما تبقى من حياتهم وثرواتهم ورفاهية أسرهم يعتمد على مكانتهم في السعودية.
وقال أحد أصدقاء محتجزٍ سابق: "لا أحد يستطيع التحدُّث عمَّا حدث في الريتز كارلتون، ففي نهاية المطاف سيضطرّون جميعاً إلى العيش داخل السعودية".
- ماذا بعد؟
لكن هناك من يستبعد أن تنتهي قضية معتقلي فندق "ريتز كارلتون" مع إغلاق أبوابه، بعد مساومات وتسويات مالية مقابل إطلاق سراح عدد كبير منهم.
ومن ينظر إلى قائمة المعتقلين والمفرج عنهم يجد أن عدداً كبيراً منهم يشغلون مناصب فاعلة محلياً ودولياً، وبعضهم يشكّل مفاصل دولة وقوة سياسية واقتصادية وإعلامية وتجارية.
ويتساءل البعض جزافاً فيما يتعلّق بالأشخاص المطلق سراحهم، وإن كانوا يريدون فعل شيء منظّم انتقاماً من اعتقالهم وتشويه صورتهم أمام العالم أجمع، لا سيما أن الهدف من الحملة بات واضحاً للكثيرين، بعد أن أعلنت السعودية عزمها الحصول على نحو 100 مليار دولار من التسويات.
ناشطون سبق أن اتّهموا السلطات السعودية بأنها لا تملك أدلة على تورّط مسؤولين وأمراء بقضايا فساد، إلا أنها اختارت إطلاق سراحهم بعد التوصّل إلى تسويات مالية، وهو ما يراه كثيرون هدفاً مبطّناً للحملة.
ويقول مراقبون لحملة الاعتقالات السعودية إنه في حال فكّر هؤلاء المفرج عنهم في الانتقام فإن ذلك سيشكّل هزة قوية للمملكة، لا سيما أن مجموع مناصبهم يمكن اعتباره دولة بحد ذاتها.
وبعض من اتهمهم بن سلمان بالفساد واختلاس الأموال وجدوا أنفسهم أمام حياة تبدو عادية بعد الإفراج عنهم، لا سيما أن وزيراً عاد إلى منصبه (إبراهيم العساف)، وأميراً لقي نفسه في أحضان بن سلمان مُرحّباً به (متعب بن عبد الله).