وكالات-
منذ الوهلة الأولى للحرب اليمنية والسعودية، التي تقود التحالف المساند لشرعية الرئيس عبد ربه هادي، تؤكد أن أي حل للأزمة اليمنية يجب أن يكون في إطار مرجعيات ثلاث.
هذه المرجعيات هي: المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، والقرار الأممي 2216، الذي يشدد على إنهاء انقلاب مليشيا الحوثي بتسليم مؤسسات الدولة والانسحاب من المناطق التي يسيطر عليها الانقلابيون وتسليم السلاح للدولة الشرعية.
إطارٌ جمع الفرقاء اليمنيين (الشرعية والانقلاب) في ثلاث جولات تفاوضية سابقة برعاية الأمم المتحدة، في جنيف وبيل بسويسرا والكويت، وجميعها انتهت دون أي تقدُّم.
ليس ذلك فحسب؛ بل إن السعودية كانت ترفض أي حوار بينها وبين الانقلابيين، خصوصاً أن ذلك كان مطلباً للرئيس المخلوع صالح -الذي قتله حلفاؤه الحوثيون لاحقاً- وتُشدِّد على أن الحوار يجب أن يكون بين اليمنيين، وأنها ستدعم أي اتفاق في نطاق المرجعيات المذكورة.
- تعثُّر المفاوضات الأممية
في المقابل، فإن الحوثيين يشدِّدون، في خطابهم الإعلامي، على أنهم لن يتحاوروا مع ما يصفونه بـ"دول العدوان" وعلى رأسها السعودية، لكن ذلك بدا أمراً غير حقيقي مع تسريب لقاءات جمعت الحوثيين بمسؤولين سعوديين في منطقة ظهران الجنوب مؤخراً، وهو أمر أنكره الحوثيون قبل أن يعترفوا به.
ومع تعثُّر عودة المفاوضات برعاية الأمم المتحدة، رشحت تسريبات عن لقاءات في العاصمة العُمانية (مسقط)، جمعت مسؤولين سعوديين بقيادات حوثية، أبرزها محمد عبد السلام، المتحدث باسم المليشيا.
رغم أن النفي سيد الموقف حول هذه اللقاءات، فإن الناشط في جماعة الحوثي حسين البخيتي، وهو محسوب على تيار حوثي مناهض لعبد السلام داخل المليشيا، كتب على صفحته في "فيسبوك"، قائلاً: "محمد عبد السلام لم يذهب إلى الرياض، لكنه ذهب سابقاً لظهران الجنوب. وللإخوة الذين ينفون بقوةٍ، ذهاب محمد عبد السلام للرياض وينفونه بشدة (..)، أريد أن أقول لهم: لقد نفيتم بالطريقة نفسها ذهاب وفدنا لظهران الجنوب، وبعد أن اتضح أنهم ذهبوا فعلاً، تحولتم للدفاع عن ذلك".
- تغييب الحكومة الشرعية
وبغضّ النظر عن النفي أو الإثبات، فإن خطورة هذه المفاوضات تكمن في أن الحكومة الشرعية مغيَّبة عنها، فضلاً عن أن توقيتها يتزامن مع توتر العلاقة بين دول التحالف والحكومة الشرعية، التي تتذمر من انحراف الأهداف المعلنة في التحالف، وجاء ذلك على لسان عدد من مسؤوليها.
السؤال المهم الذي يدور في أذهان اليمنيين الآن، هو: هل تذهب السعودية إلى اتفاق مع الحوثيين بعيداً عن الحكومة الشرعية والمرجعيات التي تتمسك بها؟
يذهب عبد الملك الضرعي، الأستاذ في جامعة صنعاء، إلى أن السعودية قد تنجز اتفاقاً مباشراً مع الحوثيين في حال لم تحسم الحرب الأوضاع على الأرض، أو إذا وجدت الرياض أنها متورطة في حرب طويلة المدى، وإذا حصلت على ضمانات دولية بعدم المساس بحدودها الجنوبية من قِبل جماعة الحوثي، وإذا قبِلت الأخيرة بقطع علاقاتها مع إيران.
- متغيرات سعودية
وفي حديثه مع "الخليج أونلاين"، يقول الضرعي: إن "طبيعة النظام السعودي الراهن غير واضحة؛ لذا قد نفاجأ، في لحظة ما، بإعلان نتيجة لقاءات سرية عُقدت عدة سنوات مع جماعة الحوثي، والتي يقودها الناطق باسم الجماعة محمد عبد السلام".
وما يعزز ذهاب الطرفين لاتفاق، هو صعوبة الوضع جنوبي المملكة، حيث تعطلت مطارات في جازان وعسير ونجران، والتهديد الذي يطول مصفاة جازان، التي تنتج 400 ألف برميل من النفط، والمنطقة الصناعية الجديدة، بفعل الصواريخ الباليستية، التي يطلقها الحوثيون، والتي تجاوزت 90 صاروخاً، ووصول بعضها إلى الرياض.
بالإضافة إلى السمعة الدولية السيئة للرياض بفعل الحرب في اليمن، والتي جعلت الضغوط الدولية تتزايد على المملكة لإيقاف الحرب، فضلاً عن أن الحوثيين انفردوا بتمثيل الطرف الانقلابي بالتزامن مع التفكك الواضح بين طرف التحالف والشرعية وانعدام الثقة بينهما.
وأيضاً، الصعوبات الاقتصادية والخلافات الداخلية التي تعيشها المملكة، ستجعلها -بحسب مراقبين- تذهب ضعيفةً إلى مفاوضات مع الحوثيين؛ لإنتاج اتفاق وقف إطلاق نار واتفاق سلام مشوَّه ترعاه الأمم المتحدة لحفظ ماء الوجه، وتحقيق انتصار وهمي.
- هزيمة مدوية
بدوره، يرى المحلل السياسي اليمني نبيل البكيري، أن "أي اتفاق تبرمه السعودية مع الحوثيين حالياً، يعني هزيمة مدوية للرياض وخسرانها المعركة على كل المستويات، وأخطرها المسألة الأمنية على المديَين؛ الطويل والمتوسط، بمعنى التهديد الوجودي لكيان المملكة، التي ستغدو هدفاً مركزياً للكيانات الشيعية المنتصرة في اليمن، أي الحوثيين، والمترقبة في المملكة والخليج معاً".
ويؤكد البكيري، في حديثه مع "الخليج أونلاين"، أن أي اتفاق لا يأخذ المسألة مِن جذورها؛ وهي أن ثمة انقلاباً، فلن يُكتب له النجاح.
أمّا المحلل السياسي اليمني أحمد حميدان، فيخالفهما الرأي ويقول: "الحوثية كفكرة مذهبية، تشكل خطراً على السعودية؛ خوفاً من تغذية نزعات الشيعية فيها، ومن مصلحتها اجتثاث أو إضعاف هذه البذرة الخبيثة التي زرعتها ورعتها إيران، العدو اللدود للسعودية".
- تكتيك فقط
وأوضح حميدان أن "ما يعلَن عن حوار للسعودية مع الحوثيين بعيداً عن الشرعية، ما هو إلا تكتيك، وليس استراتيجياً، يهدف إلى فهم مدى قوة وصلابة الحوثيين وقوتهم وقدرتهم على الصمود، أو مدى مستوى الانهيار الذي وصلوا إليه، أو إمكانية اختراقهم".
وقال حميدان، في حديثه مع "الخليج أونلاين": إن "السعودية لن تقبل بدولة في اليمن فيها الحوثيون أقوياء، ولا أعتقد أن السعودية والإمارات تَقبلان بدولة قوية في اليمن، دولة ذات سيادة، نموذج ديمقراطي ودولة ضامنة للمواطَنة والعدالة والحريات".
وأضاف: "السعودية والإمارات تبحثان عن دولة يمنية ضعيفة هشة وسلطة استبدادية تخدم أطماعها، دولة فيها الحوثيون في أضعف حالتهم، والشرعية كذلك، دولة لا تلبي طموحات وآمال مخرجات الحوار، دولة مفككة ضعيفة تُدار من دوائر استخبارات سعودية وإماراتية".