إسماعيل عزام- DW- عربية-
تعلن الرياض وطهران أن برامجهما النووية ليست سوى للاستخدام السلمي، لكن الصراع بين المعسكرين وتهديدات بن سلمان الأخيرة، قد تُدخل منطقة الشرق الأوسط، الغارقة في النزاعات، ضمن دوامة غير مسبوقة من التوتر.
في السنوات الماضية أبدت السعودية اهتمامها بالمجال النووي، لكنها كانت تؤكد أن المشاريع، التي تخطط لها في هذا السياق تخصّ الاستخدام السلمي لهذه الطاقة، بعيداً تماماً عن الاستغلال العسكري. بيدَ أن تصريحات ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بأن بلاده ستطور قنبلة نووية إذا أقدمت إيران على تلك الخطوة، تفتح المجال للنقاش حول إمكانية حدوث تغيير في خطط السعودية مستقبلاً، حتى تتحوّل إلى قوة نووية، في سياق صراعها الواضح مع إيران بالمنطقة.
ومن شأن التفكير السعودي في تطوير قنبلة نووية –علماً بأن ابن سلمان أكد أن المملكة لا رغبة لها حاليا بالمضي في هذا الاتجاه، وعلماً بأن إيران تعلن التزاماً تاماً بالطابع السلمي لبرنامجها النووي- أن يزيد من تعقيد الوضع الأمني في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة أصلاً. فالتنافس الكبير بين القوتين الإقليميتين الإسلاميتين بلغ أشده في السنوات الأخيرة وكثيراً ما تنبأ محلّلون بإمكانية وقوع مواجهة مسلّحة بينهما، خاصة وأن الرياض باتت ترى أن الدعم الإيراني للحوثيين يشكّل تهديداً بالغاً لها، ومن شأن وصول التصعيد بينهما حدّ التلويح بالخيار النووي أن يُدخل قوىً إقليميةً ودوليةً أخرى في دائرة الصراع.
مشروع سعودي للطاقة الذرية
تضع الرياض ضمن رؤية 2030 إنشاء مشروع وطني للطاقة الذرية، من أهدافه إدخال المملكة إلى المجال النووي السلمي في حدود الاتفاقيات الدولية، حسب المعطيات الرسمية. والمشروع الذي أقرّه مؤخراً مجلس الوزراء يخطّط إلى "تطوير مصدر نووي آمن وفعال وموثوق به وصديق للبيئة، وتنويع مصادر الطاقة في الدولة"، ويتكون المشروع من عدة مفاعلات نووية كبيرة ذات قدرة كهربائية تقدر ما بين 1200 و1600 ميغاوات لكل واحد، فضلاً عن بناء مفاعلات ذرية صغيرة مدمجة.
وإن كانت عدة تقارير إعلامية قد أشارت إلى أن المملكة تخطّط على مدى الـ 20 إلى 25 سنة القادمة إلى بناء 16 مفاعلاً للطاقة النووية، خاصةً بعد تفاوض السعودية مع عشر دول لأجل الاستثمار في مجال الطاقة النووية، منها الولايات المتحدة والصين وروسيا وكوريا الجنوبية، حسب ما نشرته سابقاً صحيفة "الرياض" المحلية. غير أن مسؤولاً سعودياً، هو عبد الملك الصابري، وهو مستشار بمدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، صرّح قبل أيام أن المملكة ستكتفي ببناء مفاعلين نوويين في إطار محطة واحدة، حسب ما نقلته عنه وكالة سبوتنيك الروسية.
ويشير تحليل كتبه أولي هاينونن، وهو مسؤول سابق في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى أن السعودية وإيران تقدمان التبريرات الاقتصادية في مجال المشاريع النووية، لكن الرياض، وبخلاف طهران، التي تملك خبرات في هذا المجال، تفتقر إلى أيّ بنية تحتية نووية باستثناء مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة. ويتحدث المقال المنشور على موقع "معهد واشنطن" عن أن الرياض حافظت دوماً على تبني استراتيجية مبطنة، ومن الاستراتيجيات، التي وضعتها في هذا السياق تدارس إمكانية الحصول على أسلحة نووية من باكستان، بما يتيح توفير صواريخ نووية قادرة على ضرب أهداف إيرانية.
ويتحدث هاينونن أن السعوديين يعارضون إلزامهم من لدن الولايات المتحدة بعدم تخصيب اليورانيوم، خاصة وأن واشنطن أبرمت مع الرياض "اتفاقية 123"، التي تمنع هذا التخصيب، إذ تتصوّر واشنطن أنها تمكّن الرياض من استيراد أسلحة متقدمة دون الحاجة إلى النووي منها. وتؤكد جريدة "الرياض" هذا المعطى بقولها إن هذه الاتفاقية تعرقل تطوير قنابل نووية، بما يجعل السعودية تتجه إلى عدة دول بدل أمريكا. ويختتم هاينونن مقاله بدعوته إلى تشجيع السعودية على التوقيع على "البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي" وتنفيذه مؤقتاً لحين التصديق عليه، وكذا حثها على توقيع جميع الاتفاقيات المتعلقة بالموضوع حتى إن لم تستخدم السعودية المواد النووية.
هل مصر معنية؟
ليست السعودية وحدها المعنية بموضوع تطوير الطاقة النووية، فحليفتها مصر وقعت اتفاقية ضخمة مع روسيا لأجل إنشاء محطة نووية من أربعة مفاعلات نووية، في منطقة الضبعة على الساحل الشمالي الغربي بتمويل روسي، مُخصصة لتوليد الطاقة الكهربائية، بقرض تبلغ قيمته 25 مليار دولار. وترتبط مصر باتفاقيات عسكرية كبيرة مع السعودية، وكثيراً ما أشار الطرفان إلى أن أمنهما مرتبط جدا ببعض، بشكل يجعل مصر في عمق الاهتمام بأيّ إقدام سعودي على أيّ تصعيد عسكري مع إيران.
غير أن عادل سليمان، رئيس منتدى الحوار الاستراتيجي لدراسات الدفاع والعلاقات المدنية –العسكرية، يرى في تصريحات لـDW عربية، أن الحرب الكلامية مستمرة بين السعودية وإيران منذ إعلان طهران للثورة الإسلامية عام 1979 دون أن تحدث على أرض الواقع، وأن الحرب الوحيدة على الواقع التي دارت بينهما بشكل غير مباشر وغير رسمي هي الحرب العراقية-الإيرانية. ويتابع سليمان أن تصريحات الأمير محمد بن سلمان لا تخرج عن هذا السياق، وكذا عن سياق السجال المستمر بين إيران والولايات المتحدة حول انسحاب هذه الأخيرة من الاتفاق النووي الذي عُقد مع طهران.
وفيما يخصّ مصر، يشير الخبير ذاته إلى أن القاهرة لديها مبدأ واضح منذ عقود، يتمثل في تشجيع الاستخدام السلمي للطاقة النووية، إذ يندرج مشروعها مع روسيا ضمن هذه الرؤية، لافتاً إلى أن مشروع محطة الضبعة لن يتحوّل يوما ًإلى الأغراض العسكرية، وأن القاهرة تتعامل مع الأزمات الإقليمية بشكل عقلاني، خاصة وأنها رغم تحالفها مع السعودية، ورغم تأييدها للشرعية في اليمن، فهي لم تشارك في التحالف ضد الحوثيين. ويضيف الباحث أنه رغم وجود خلاف قديم بين القاهرة وبين طهران حول رغبة هذه الأخيرة في تصدير نموذج الثورة الإسلامية، إلّا أن هذا الخلاف لم يتحوّل يوماً إلى تصعيد.
كيف تنظر إسرائيل لهذه التطوّرات؟
عند الحديث عن شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية، غالباً ما يتم الإشارة إلى إيران، لكن هناك تناسياً لما ترّد به إسرائيل على حقيقة توفرها على عتاد نووي بـ"الغموض النووي". صحيح أن إسرائيل لم تعترف يوماً بامتلاكها أسلحة نووية، لكنها لم تنفِ ذلك أيضاً، وهناك تقارير دورية تصدر عن متخصصين حول امتلاك تل أبيب لهذه الأسلحة، خاصة وأنها لم توقع على معاهدة انتشار الأسلحة النووية.
لذلك فإن سباقاً محتملاً بين السعودية وإيران لامتلاك القنبلة النووية، من شأنه أن يثير قلق إسرائيل، التي عملت بشكل واسع على تشجيع منع حصول أيّ دولة في الشرق الأوسط على هذا السلاح، خاصة وأنها تعلم أن إيران والسعودية محسوبتان على معسكر لا يبادلها الود، رغم أن علاقتها مع السعودية ليست بالتوتر الذي يطبع علاقتها بإيران.
ويؤكد شلومو بروم، باحث في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، وعميد إسرائيلي متقاعد، أن بلاده ستنظر بشكل سلبي إلى أيّ خطط سعودية لامتلاك الأسلحة النووية، وستعمل على منع هذا المسعى، مبرزاً في تصريحات لـDW أن "العلاقة الجيدة حالياً بين الرياض وتل أبيب ليست مهمة كثيراً لأن الطرف الأول قد يغيّر نظرته إلى هذه العلاقة بناءً على تطوّرات داخلية قد تحدث، وأن امتلاك طهران والرياض لأسلحة نووية سيجعل تل أبيب في مواجهتهما معاً".
ويتابع العميد الإسرائيلي أن سباق التسلّح النووي بين السعودية وإيران قد يدفع بلداناً أخرى في المنطقة إلى السير على النهج ذاته، كتركيا ومصر والجزائر، ممّا سيؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار بالمنطقة، خاصة وأن حصول النظامين السعودي والإيراني على السلاح النووي سيرفع من حظوظ استخدامه، وهو أمر لا يروق لتل أبيب حسب قوله، ممّا سيؤدي بهذه الأخيرة إلى الضغط على السلطات السعودية حتى تحصر استخدامها للطاقة الذرية في المجال السلمي.