ملفات » الطريف إلى العرش

"سياسة الصدمة".. هوس "سطحي" يهدد السعودية باضطرابات خطيرة

في 2018/03/27

الخليج أونلاين-

لم يهدأ ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، منذ توليه ولاية العهد (يونيو 2017)، عن إصدار أوامر واتخاذ قرارات ودعم أفكار فاجأت ليس السعوديين فقط، بل العالم أجمع؛ لكونها غريبة على المجتمع السعودي، واعتبر ذلك علاجاً بـ"الصدمة".

بن سلمان الذي وقف خلف الانفتاح، من خلال توسيع صلاحيات "هيئة الترفيه" ودعمها لتشهد المملكة مشاريع فنية وثقافية عرفت في البلاد بأنها من المحرمات والممنوعات، ضيق من ناحية أخرى صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي كانت تتمتع بسلطة قوية، ولم تعد تمارس دورها في أبسط مهامها، وهو ما أثار حديث وسائل الإعلام المختلفة؛ بسبب غرابته.

ليست القرارات الغريبة هي فقط التي صدمت وسائل الإعلام، بل أيضاً استخدام لغة الخوف والرعب، التي أظهرها بن سلمان من خلال عقوبات كبيرة طالت أمراء ودعاة وعلماء دين.

فقد تقدم ولي العهد السعودي على جميع من سبقوه في السلطة باتخاذه إجراءات عقابية ضد أمراء من نسل آل سعود، واعتقالهم وتعريتهم من نفوذهم، فضلاً عن تغريمهم بمبالغ ضخمة.

أيضاً فقد كان اعتقال كبار الدعاة ورجال الدين السعوديين، الذين يحظون بشعبية واسعة عربياً وإسلامياً، من بين القرارات الغريبة التي صدمت السعوديين.

- ثقافة الخوف

سببُ سكوت السعوديين، الذين عُرفوا باعتراضاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، على القوانين التي يرونها تخالف أعراف المجتمع، بحسب مختص في علم الأخلاق السياسية، هو "الخوف".

وأوضح محمد مختار الشنقيطي، أستاذ الأخلاق السياسية وتاريخ الأديان بجامعة حمَد بن خليفة في قطر، أن السعوديين "رأوا بن سلمان تجاوز الخطوط الحمر للقمع في السعودية، وأن هذا القمع لم يشمل فقط الشعب، بل جرى داخل الأسرة المالكة، وشمل رجال الأعمال وهي سابقة ليست موجودة في السعودية"، وأكد أن "هذا أدى إلى خوف وإسكات بعض الناس".

وكانت تهم العمالة والتحريض على الإرهاب، التي أدين بها رجال الدين، فزج بهم بسببها في السجون، أحدثت صدمة لدى جماهيرهم؛ فتاريخ هؤلاء الدعاة خالٍ من التشجيع على العنف، بل كان لأغلبهم دور في إبعاد الشباب عن التطرف من خلال محاضراتهم التي تبث في وسائل الإعلام المختلفة.

وفي انتقاده للقرارات السعودية يرى الشنقيطي أن "الحكمة السياسية تقتضي شيئاً من التدرج والاستعانة بالقوى الإسلامية الإصلاحية"، موضحاً بالقول: "لا يمكن أن تحارب التشدد والغلو الديني إن كنت في نفس الوقت تحارب القوى المعتدلة والإصلاحية".

تلك القرارات السريعة والمتتالية التي اتخذها ولي العهد السعودي، قبل أن يُتِمَّ أول عام له في منصب ولاية العهد، لم يظهر على الساحة السعودية أي منتقد لها، فضلاً عن رافض أو مطالب بتغييرها.

هذا على الرغم من أن أبسط هذه القرارات، وهو قرار السماح للنساء بقيادة السيارات، أحدث ضجة كبيرة من قبل علماء الدين والشارع السعودي، حين كان يُطرح من قبل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل تولي بن سلمان ولاية العهد.

وبحسب أستاذ الأخلاق السياسية، فإن القرارات التي صبت في تغيير ما اعتاد عليه المجتمع، دون أن تجد من يعترض عليها، لن تعمل على "تغييب وعي السعوديين".

وقال في حديثه لـ"الخليج أونلاين": إن "السعوديين من أوعى الشعوب وأكثرها نشاطاً على وسائل الإعلام الجديد، ومن المستحيل تغييبه".

وتابع: "من الممكن إسكات الناس، ولكن هذا لا يعني تغييبهم أو تغييب الوعي. الأمور أصبحت مكشوفة، من الممكن إسكات الناس بالقمع ولكن ليس سهلاً تغييبهم".

الشنقيطي يصف المجتمع السعودي بأنه مرّ بمراحل صعبة؛ إذ كان يعاني من "القهر بالتشدد الديني"، ثم يعيش اليوم "القهر بالتشدد العلماني أو الليبرالي"، مبيناً أن هذا كله "تهميش للمجتمع"، ويجد أن من الأفضل التعامل مع الشعب من دون تشدد؛ "فالمجتمع خليط من متشددين وغير متشددين".

تلك القرارات كانت بالنسبة للسعوديين صادمة؛ إذ أجبرتهم على الصمت أمام أي تغيير يرفضونه.

وهذا ما أكده ولي العهد في مقابلة أجرتها معه صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، في فبراير الماضي، حين أشار إلى أنه اعتمد على علاج المجتمع بـ"الصدمة"، الذي رآه بأنه ضروري لتحديث الحياة الثقافية والسياسية في المملكة.

- ما هي الصدمة

الصدمة التي تحدث عنها بن سلمان ليست جديدة، وقد استخدمت في مرات عدة من خلال قوى كبرى، دمرت بسببها شعوباً لتنفذ مآربها.

ونشأت عقيدة الصدمة في الخمسينيات من القرن العشرين في مجال الطب النفسي، فقد تعاونت وكالة الاستخبارات الأمريكية مع الطبيب النفسي الكندي البارز أيوين كاميرون، ومولت أبحاثه عن تأثير استخدام الصدمة الكهربائية في أدمغة المرضى النفسيين؛ بهدف تحويل أدمغتهم إلى صفحة بيضاء لإعادة كتابة المعلومات الملائمة عليها.

ونتج عن هذه الصدمة فقدان جميع المعلومات المكتسبة، وهو ما يبتغيه كاميرون؛ لأنه يبحث عن إعادة مرضاه إلى الطفولة.

كان كاميرون يعتقد أن ثمة عاملين مهمين يتيحان الحفاظ على إدراك البيانات الحسية التي ترد لذاكرة الإنسان باستمرار؛ لذلك حاول إلغاء الذاكرة بواسطة الصدمات الكهربائية والمهلوسات، وحاول إلغاء البيانات الحسية بواسطة العزل التام في سجون مرعبة.

طبقت هذه النظرية في العديد من البلدان، ومنها العراق بعد عام 2003، حيث دمرت البلاد، وزج في المعتقلات التي أقامها الأمريكيون مئات الآلاف من المواطنين، وجرى تعذيبهم بطرق بشعة.

النتيجة، وفقاً لنظرية الصدمة، أن الشعوب ستخضع لما تطرحه عليها البلدان الغازية أو التي تظهر بدور المنقذ، فترضى الشعوب المقهورة بالحلول الجاهزة مسبقاً من قبل هذه البلدان.

النظرية هذه من الممكن تطبيقها أيضاً من قبل الحكومات على الشعوب، وهو ما يعتقد بن سلمان أنه طريقة ناجحة يستخدمها لإدارة البلاد.

- صدمة أم قمع؟

نظرية الصدمة التي قال بن سلمان إنه يتبعها، وصفها محمد مختار الشنقيطي بأنها أقرب إلى سياسة "التخبط"، مبيناً أن ولي العهد السعودي يحاول تقليد اليمين الأمريكي في تبني مصطلحاته.

وفيما رفض أن تصنف سياسة بن سلمان في الحكم، بـ"الصدمة"، بين الشنقيطي أن "سياسة الصدمة تكون في أقل تقدير منطلقة من خطة واضحة وفيها شيء من الانسجام".

وصنف الشنقيطي، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، سياسة بن سلمان بأنها "أقرب إلى الاستحواذ السياسي والمالي، والاستحواذ على السعودية وعلى مستقبل ثروتها وشعبها".

وأضاف: "هي أقرب إلى سياسة التخبط والاستحواذ وتحقيق مصالح شخصية على حساب مستقبل بلد هو من أهم بلدان العرب والإسلام".

ويرى المختص في علم المجتمع السياسي، أن بن سلمان "مهووس بطريقة اليمين الأمريكي"، لافتاً الانتباه إلى أن "مصطلح سياسة الصدمة قريب من مصطلح سياسة الصدمة والرعب الذي أطلقه جورج بوش على احتلال العراق (عام 2003)".

واستطرد قائلاً: "بل أيضاً فإن عاصفة الحزم مستعارة من عاصفة الصحراء. أعتقد أن ولي العهد السعودي مصاب بنوع من الهوس السطحي بالمصطلحات التي يطلقها اليمين الأمريكي".

وفي سياق متصل، يقول الشنقيطي: إن "من غير الممكن الحديث عن إصلاح سياسي وفي نفس الوقت يزداد حجم المعتقلين السياسيين؛ هذه السياسة خطيرة، وقد تؤدي إلى زيادة تراكمات التناقضات داخل السعودية ما يؤدي إلى انفجارها".

ووفق قوله، فإن السعودية هي الدولة المركزية في الجزيرة العربية، وإن وقعت فيها "انفجارات اجتماعية" فسيأتي هذا العصف على كل الجزيرة العربية والخليج.

وبحسب توقعه فإن القرارات التي شهدتها السعودية مؤخراً، ستكون لها "ردة فعل سلبية".

وأكد لـ"الخليج أونلاين"، أن "ردة الفعل السلبية قادمة، خاصة أن هذه القرارات لها مردود اجتماعي وآثار اقتصادية"، مضيفاً أن القرارات تلك "ليست فقط تعبر عن سياسة انفتاح اجتماعي، إنما هي سياسة قمع سياسي وسياسة نهب مالي في نفس الوقت".

واسترسل قائلاً: "سياسات القمع السياسي والنهب الاجتماعي والمسار الرأسمالي المتوحش، واستهداف زبدة المجتمع وتبديد ثروة البلد، من المستحيل أن يسكت عليها الناس وإن طال سكوتهم لأكثر من سنة".

وختم قائلاً: "أتوقع أن هذا سيؤدي إلى تراكم التناقضات في السعودية، وربما يؤدي إلى اضطراب اجتماعي خطير تكون له آثاره على كل الخليج والجزيرة العربية".