ملفات » الطريف إلى العرش

بحجة محاربة التطرف.. المساجد السعودية تحت مجهر "أمن الدولة"

في 2018/03/30

الخليج أونلاين-

وسط حراك رسمي جارٍ لإعادة هيكلة المؤسسات الدينية والإيديولوجيا الدينية التي تقوم عليها السعودية، وتحميل ما يسمى بتيار "الصحوة" مسؤولية "التطرف في البلاد"، تتجه الحملة هذه المرة نحو المساجد في المملكة كجبهة جديدة لمحاربة "فلول تيار الصحوة"، كما هو دارج الآن بين المسؤولين السعوديين.

ويقود هذه الحملة عدة جهات حكومية، على رأسها جهاز أمن الدولة، الذي نظم ندوة بعنوان "واقع الأمن الفكري في المملكة"، كان تحت مجهرها أئمة المساجد.

ووفق ما نشرته وسائل إعلام سعودية، فقد اتفق عموم المشاركين في الندوة على أن المساجد هي إحدى أهم أدوات تعزيز "الأمن الفكري"، لدورها في توجيه وصياغة الفكر والرأي العام المجتمعي.

ويبلغ إجمالي عدد المساجد والجوامع بجميع فئاتها الثلاث المصنفة في السعودية (أ، ب، ج) 85 ألف مسجد، نصف العدد؛ أي 42.5 ألف مسجد وجامع، بناها محسنون على نفقتهم الخاصة، أما النصف الآخر فتولت وزارة الشؤون الإسلامية تشييدها.

- ولدا معاً

ومع تولي محمد بن سلمان ولاية العهد في يونيو 2017، شنت السلطات السعودية حملة طاحنة على رموز التيار الديني وما يسمى "الصحوة"، الذين يحظون بشعبية في أوساط المجتمع السعودي، كسلمان العودة وعوض القرني وغيرهم.

وفي وقت كان انتقاد التيار الديني خجولاً ومحصوراً في الشخصيات "الليبرالية"، وكانت الدولة حائط الصد المنيع في وجه منتقديه، بات اليوم منتقدوه مسؤولين بارزين.

ولأن الدولة السعودية دولةٌ تغيب فيها بعض معالم الدولة المدنية الحديثة، فقد كان التحالف مع المؤسسة الدينية هو الصيغة التاريخية الوحيدة لحفظ الاستقرار السياسي.

وكانت المؤسسة الدينية بالمملكة تعتبر طرفاً في الحكم، لها قوتها وهيبتها داخل الدولة السعودية، حيث إن أفراد الأسرة الحاكمة كثيراً ما ينأون عن مواجهتها ودخول الصراعات معها.

وتواجه "الصحوة" اليوم حركة مضادة في السعودية يحمل لواءها الليبراليون السعوديون، وتشهد الساحة الإعلامية والثقافية والاجتماعية السعودية جدلاً ونقاشاً مستمراً من أتباع التيارات الليبرالية المنادية بتقليل سلطة رجال الدين ونفوذهم الاجتماعي في المملكة، وعلى ما يبدو ينحاز لهم العهد الجديد في السعودية.

اللافت أنه تزامن مع تولي بن سلمان ولاية العهد الإعلان عن إنشاء جهاز أمن الدولة في البلاد، وترتبط بالملك مباشرة، وتعنى بكل ما يتعلق بأمن الدولة، وتتبع لها كل من المديرية العامة للمباحث وقوات الأمن الخاصة، وقوات الطوارئ الخاصة، وطيران الأمن والإدارة العامة للشؤون الفنية، ومركز المعلومات الوطني، وكان أبرز نشاطاتها اعتقال سلمان العودة وغيره من الدعاة والمفكرين، في حملة اعتقالات وقعت في سبتمبر الماضي.

ونقل إلى "رئاسة أمن الدولة "كل ما له علاقة بمهامها في وكالة الشؤون الأمنية، وغيرها من الأجهزة ذات العلاقة بوزارة الداخلية من مهام وموظفين (مدنيين وعسكريين) وميزانيات وبنود ووثائق ومعلومات".

- "بقايا التطرف"؟

ومن يتابع المشهد السعودي اليوم يجد كيف تحاول الحكومة تقليص وجود المتدينين في الحياة العامة، خاصة مع تعهد بن سلمان بالقضاء على ما سماه "بقايا التطرف".

وسبق أن أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في هذا السياق، أن سلطات بلاده فصلت عدة آلاف من الأئمة من العمل في المساجد بعد ثبوت نشرهم التطرف.

وذكرت صحيفة "عكاظ" أن الجبير قال، في مقابلة مع قناة "روسيا 24" التلفزيونية، الأحد 8 أكتوبر 2017: "لن نسمح بنشر أيديولوجية الكراهية، ولا بتمويل ذلك النوع من الفكر".

ولطالما كانت المساجد خلال السلطات الماضية تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية السعودية وهي التي تعمل على توجيه خطابها، الذي يراه كثيرون اليوم متطرفاً، لكن يبدو أن الخطوات تجري نحو وضعها تحت جناح جهاز أمن الدولة بهدف "ضبط خطابها".

توفيق السديري، نائب وزير الشؤون الإسلامية السعودي، كشف في تصريحات صحفية أن الوزارة تنفذ ملتقيات وبرامج تدريبية لتعزيز الأمن الفكري ومحاربة الأفكار المتطرفة، من بينها فكر جماعة الإخوان، "بالتعاون مع كلية نايف الأمنية ووزارة الداخلية وجهاز أمن الدولة".

وأوضح، في تصريحات نقلتها صحيفة "الحياة" السعودية، الأحد 25 مارس، أن الوزارة استبعدت، في وقت سابق، أئمة وخطباء ثبت تبنيهم أفكاراً متطرفة، مضيفاً أنه وخلال العامين الماضيين انعدمت نسبة التجاوزات من الأئمة والخطباء على منابر الجمعة والمجالس الدعوية، وهو ما يشير إلى حالة السيطرة الأمنية على الخطاب الديني.

وبين أن "مساندة وحزم قيادة المملكة في القضاء على التنظيمات الإرهابية والأفكار المتطرفة وما يوازيها، بما في ذلك تنظيم الإخوان المسلمين، زادا عزم الوزارة على اجتثاث الفكر المتطرف، خصوصاً فكر هذه الجماعة المتغلغل داخل المؤسسات التعليمية والدعوية في المملكة، وذلك عن طريق استحداث برامج لإعادة تأهيل منسوبي الوزارة، ومراقبة المحتوى في منابر الجمعة والمناشط الدعوية".

ومن خلال تصنيف التيارات المذكورة (صحوة، إخوان، بقايا تطرف، المتجاوزين في المساجد) ولصق تهم الإرهاب بهم، يبدو واضحاً أن التعامل مع تلك الفئات بات في طريق استخباري وأمني، متمثلاً بأمن الدولة الذي تبرز أهم مهامه في مكافحة الإرهاب.

ويقول القائمون على الجهاز إنه "سيمكن من التركيز على مكافحة الإرهاب أمنياً واستخباراتياً، ومراقبة تمويله مالياً، وسيسهل للرئاسة التواصل مع الجهات ذات العلاقة خارجياً وسيكون أكثر كفاءة"، وهو ما يعني سيطرة على عمل معظم مؤسسات الدولة، وأبرزها الدينية.

والحديث عن امتداد سيطرة "أمن الدولة"، تؤكده قناة "العربية" السعودية، حين تحدثت عن أن لإنشاء الجهاز تأثيراً اقتصادياً من خلال "ترشيد إنفاق الدولة وزيادة الإيرادات وتحقيق النمو الاقتصادي للمملكة، وخلق تنافسية الاقتصاد السعودي ونمو الصادرات والتوجه إلى إحلال الواردات، لتحسين ميزان المدفوعات للمملكة وتقليل الاعتماد على واردات الخارج".

أيضاً سيوفر الجهاز، بحسب موقع القناة، عشرات المليارات من ميزانية الدولة؛ من خلال رفع كفاءة العمل وتخفيض النفقات وترشيدها، وهو ما بدا واضحاً لدى حملة اعتقالات بعيدة عن الأطر القضائية حصلت من خلالها الدولة على 100 مليار دولار من أمراء ورجال أعمال اتهمتهم بالفساد.

ولارتباط المجتمع السعودي بالأجهزة الشرعية في البلاد، تستعين المملكة برجال دين ومؤسسات دينية بارزة للترويج لخطواتها الجديدة.

وكان لجهاز أمن الدولة نصيب من ذلك، عبر الاستعانة بالرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، الشيخ عبد الرحمن السديس، الذي استغل مهرجان الجنادرية، في فبراير الماضي، للإشادة بجهود رئاسة أمن الدولة والأدوار التي يحققها، مؤكداً أنها "تحتضن قطاعات أمنية ذات أهمية بالغة ودور أساسي في عملية حفظ الأمن لهذه البلاد المباركة".

ويبدو أنه في قابل الأيام سوف تكون المساجد المحطة الثانية من سلسلة محطات تقليم التيار الإسلامي في البلاد بذراع "أمن الدولة"، وهو ما يترك تساؤلات عن انعكاس هذه الخطوة على حياة الشعب السعودي.