الغارديان- ترجمة زياد محمد -
الأسبوع الماضي، عندما كان اهتمام وسائل الإعلام في الولايات المتحدة مركزا على احتجاجات «مسيرة من أجل حياتنا»، كانت هناك في الوقت ذاته قوة شرطة عسكرية تغلق الطريق المؤدي لمختبر الوسائط في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا - وهو واحد من أشهر المختبرات التابعة للجامعة - وذلك لأجل ضيف خاص: ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان».
زار ولي العهد كل من هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في أول جولة رسمية له في الولايات المتحدة، وقد تباهى المسؤولون السعوديون بهذه الزيارة، وشاركوا صورا لـ«بن سلمان» مع رئيس جامعة هارفارد، «آلان جاربر»، ورئيس معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا «رافاييل ريف» على وسائل التواصل الاجتماعي.
لكن كلا الجامعتين كانتا صامتتين بشكل ملحوظ حول حضور الأمير، فكلاهما لم تعلنا بشكل علني عن زيارته في وقت مسبق، حتى إنهما اتخذتا خطوات لتغطية ذلك، فعلى سبيل المثال، تم إرسال رسالة بريد إلكتروني لطلاب مختبر الوسائط يخبرهم بأن وصولهم إلى المختبر سوف يكون مقيدا، مع أجهزة الكشف عن المعادن دون ذكر للسبب.
الاحتجاج الصغير الذي قامت به مجموعة مناهضة للحرب، كان العلامة العلنية الوحيدة على زيارة «بن سلمان» لحرم الجامعة، واعترفت هارفارد ومعهد ماساتشوستس بالأمر فقط لاحقا، ردا على استفسارات من قبل الصحف الطلابية ومن خلال بيان صحفي لم يشرح بشكل وافي آثار الشراكة.
ولكن، ما هي طبيعة العلاقة بين «بن سلمان» وهذه الجامعات النخبوية، ولماذا يرغب مسؤولوها في الحفاظ على الهدوء؟
حملة صفقات وتجميل
كانت زيارة ولي العهد جزءا من جولة تهدف إلى عقد صفقات مع الحكومة الأمريكية ومجتمعات الأعمال التجارية والأوساط الأكاديمية. وفي واشنطن، التقى «بن سلمان» بترامب للاحتفال بصفقة بيع أسلحة أمريكية بقيمة 12.5 مليار دولار للحكومة السعودية.
تستخدم هذه الأسلحة في الحرب التي تقودها السعودية على اليمن بدعم من الولايات المتحدة، والتي خلّفت أكثر من 10 آلاف قتيل مدني منذ 2015، ونتج عن الحصار الذي فرضه الجيش السعودي على الموانئ اليمنية ما وصفته الأمم المتحدة بأنه «أكبر مجاعة شهدها العالم منذ عقود»، وتركت 400 ألف طفل في حالة سوء تغذية.
تسعى زيارة الولايات المتحدة أيضا إلى تعزيز حملة علاقات عامة شاملة بواسطة الحكومة السعودية تديرها شركات استشارية مختصة في حملات الضغط للترويج للأمير على أنه «إصلاحي».
في حين أن هناك بعض الصحفيين الذين نشروا هذه الأسطورة، إلا أن «بن سلمان» لا يمثل تحولاً عن النظام الملكي السلطوي الذي قادته عائلته منذ 1932. وفي الوقت الذي تمت الإشادة به من أجل النهوض بحقوق المرأة، أخرست الحكومة السعودية العديد من النساء اللاتي يناضلن من أجل المساواة، كما أنها اعتقلت - وفي بعض الحالات عذبت - أعضاء في العائلة المالكة وقادة الأعمال، وهي مذنبة بارتكاب عشرات من انتهاكات حقوق الإنسان، ولا تزال تحظر الانتخابات الديمقراطية وحرية التعبير، وتحكم على النساء بالسجن أو الموت.
المال مقابل قشرة تقدمية
ينبغي النظر إلى زيارة «محمد بن سلمان» هذه كجزء من حملة العلاقات العامة، وأن الجامعات النخبوية ستعرض قشرة تقدمية للسعودية مقابل النقود.
فعلى سبيل المثال، تم قبول مؤسسة بن سلمان، كـ «شركة عضو» في مختبر الوسائط التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في 2017، مما يتطلب مساهمة سنوية بحد أدنى 250 ألف دولار (مع التزام لمدة ثلاث سنوات) للمختبر، وفي المقابل، تتلقى المؤسسة حق الوصول لعاملي المختبر والتقنية والملكية الفكرية، لكن الشئ الأهم هو أن المختبر يقوم بعمل تطبيع مع هذه المؤسسة بإعطائها المصداقية وقشرة من الابتكار التكنولوجي.
وبنفس الطريقة استغل «بن سلمان» زيارته لتدعيم الشراكات مع مجموعات أخرى في معهد ماساتشوستس وهارفارد ومستشفى «بريغهام آند وومين» التابعة لكلية الطب في جامعة هارفارد.
جامعات تبيع نفسها
علاقة «بن سلمان» مع الأوساط الأكاديمية ليست مجرد ضربة حظ، بل هي نتيجة للمنطق النيوليبرالي الذي تعمل به الجامعات بشكل متزايد، وكما لاحظ الصحفي «ديفيد ديكسون» في 1984، فإن الجامعات والمؤسسات الأمريكية قد «تعاونت لتحدي ديمقراطية المعرفة عبر تفويض السيطرة على الأبحاث الأكاديمية إلى السوق».
تمتد عقلية السوق حتى إلى الطريقة التي يتم بها تقييم الأبحاث، وهو الشئ الذي تلاعبت به الحكومة السعودية، وكمثال على ذلك، فإنها قد دفعت لعلماء الرياضيات في الجامعات حول العالم لإدراج جامعة الملك «عبدالعزيز» كجامعة منتسبة، مما أدى إلى جعلها سابع أفضل قسم للرياضيات عالمياً في تصنيف الجاعات لشبكة يو إس نيوز لعام 2014.
السعودية هنا تلعب فقط بقواعد اللعبة التي صممتها النخب الغربية، وهذا هو نفس المنطق الذي استخدم للسماح للشركات والمؤسسات غير الربحية والجيش بأن يشتروا بشكل ثابت أجزاء من الأكاديميات لدرجة تجعل من غير المنطقي افتراض وجود حدود واضحة بين هذه الكيانات.
وكنتيجة لذلك، فإن العديد من الشراكات ربطت الباحثين من معهد ماساتشوستس مع «بن سلمان»، وفي جولته في بوسطن، زار أيضاً منشأة الأبحاث «IBM» التابعة لجامعة كامبريدج، والتي عقدت مؤخرا شراكة مع معهد ماساتشوستس لعمل مختبر أبحاث استخباراتي اصطناعي مقابل الحصول على التزام بمبلغ 240 مليون دولار للجامعة.
هذه التحالفات يجب أن تلقي بظلال من الشك على وعد معهد ماساتشوستس بفهم الآثار «الاجتماعية والأخلاقية» للذكاء الاصطناعي، وبناء تقنيات مفيدة اجتماعيا.
تبقى شروط كل هذه الشراكات مبهمة بشكل أساسي، في حين أن السرية التي تحيط بها تمنع المجتمع من فرصة تداول الأمر واتخاذ إجراءات بشأنه، وينبع نمو مثل هذه الشراكات الجامعية غير المسؤولة من غياب المشاركة الديمقراطية.
عندما تقرر الجامعات بيع نفسها لأكبر مزايد فإنها تصبح صمّاء عن مصالح طلابها والمجتمعات الأوسع التي تعمل فيها، وتميل لتقديم الخدمات خدمات لمجرمي الحرب وسادة الشركات فيما بعد.