هناء الكحلوت - الخليج أونلاين-
أثارت تصريحات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، حول أحقيّة "إسرائيل" بدولة قومية لها في فلسطين عاصفة انتقادات واسعة على المستويين الرسمي والشعبي، واعتبرها برلمانيون عرب استكمالاً للمبادرة التي أطلقها ملك السعودية الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، ووصفوها بالخطيرة، وطالبوا بالتصدّي لها.
وصرّح ولي العهد السعودي لمجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية: إن "الشعب اليهودي له الحق في العيش بدولة قومية أو في جزء من موطن أجداده على الأقل، وإن كل شعب بأي مكان له الحق في العيش بسلام".
وأضاف، في حديثه الذي نُشر الاثنين (2 أبريل 2018): إن لـ "الفلسطينيين والإسرائيليين الحق في امتلاك دولتهم الخاصة، لكن بذات الوقت يجب أن يكون لدينا اتفاق سلام لضمان الاستقرار للجميع ولإقامة علاقات طبيعية".
وشدّد على أن بلاده "ليس لديها مشكلة مع اليهود"، قائلاً: "نبينا محمد تزوّج امرأة يهودية، جيرانه كانوا يهوداً، ستجد الكثير من اليهود في السعودية قادمين من أمريكا وأوروبا".
وأثار التصريح جدلاً واستياء واسعين في الشارع العربي والفلسطيني، في حين رحّب به الإعلام العبري.
- ليست غريبة ولا جديدة
النائب الجزائري عبد المجيد مناصرة، الذي يشغل منصب نائب رئيس حركة مجتمع السلم المعارضة الراديكالية، قال إن تصريحات بن سلمان "ليست غريبة أو جديدة"؛ لأنها تشابه مطالبات الملك عبد الله، عندما كان ولياً للعهد في العام 2002.
مبادرة الملك عبد الله، والتي تم الإعلان عنها في القمة العربية التي أُقيمت بالعاصمة اللبنانية بيروت حينها، دعت لإنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليّاً على حدود 1967، وعودة اللاجئين، والانسحاب من هضبة الجولان السورية المحتلة، وذلك مقابل الاعتراف بـ "إسرائيل" وتطبيع العلاقات معها.
ويرى مناصرة أن بن سلمان يواصل ما بدأه القادة السعوديون قبل سنوات؛ إذ إنه قبل مبادرة الملك عبد الله أيضاً طرحت السعودية مبادرة سلام في العام 1981، من قبل ولي العهد السعودي، الأمير فهد بن عبد العزيز، بمحاولة منه لإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي.
وقال النائب الجزائري في تصريح لـ "الخليج أونلاين" إن اعتراف بن سلمان بدولة إسرائيلية "يأتي في زمن الانقسام والاصطدامات بين الشعوب العربية، والانهزام العربي الرسمي أمام كل ما هو إسرائيلي".
وفي تصريح لـ "الخليج أونلاين"، قال مناصرة: إن هذه التصريحات "تزيد النظام العربي ضعفاً، وتزيد إسرائيل تغطرساً، وتخذل الشعب الفلسطيني المقاوم المرابط والمحاصر، في الوقت الذي يحتاج فيه أن يتم نصره ولو كان ذلك بكلمات قليلة، وأن يُرفع عنه الحصار".
وأكّد مناصرة أن الأنظمة العربية على أُهبة الاستعداد للتطبيع مع "إسرائيل"، سواء كان ذلك بشكل علني أو سرّي، وبأي لحظة.
وعن اعتبار البعض أن السعودية معقل الدول الإسلامية وحاملة رايتها، قال مناصرة: "إنها (السعودية) لا تمثّل مواقف الشعوب". في إشارة منه إلى أنه في حال شرعنت المملكة الدولة اليهودية فإن شعوب الدول ترفض ذلك.
وحول ردود الفعل العربية والإسلامية قال النائب الجزائري إن عدم وجود مواقف بعد تصريحات بن سلمان "يؤكّد أن جميع الأنظمة مُطبّعه مع الاحتلال"، وتابع: "هناك من يملك الجرأة ويصرّح ومن لا يملك هذه الجرأة للتصريح".
وفيما يتعلّق بمطالبات جامعة الدول العربية بأخذ موقف من هذه التصريحات، قال مناصرة إن أمين عام الجامعة العربية "أكبر مطبّع وأكبر سفير لإسرائيل"، مضيفاً: "هل نضحك على بعضنا البعض ونكذب؟".
وفي ظل انهزام الأنظمة العربية، أكّد مناصرة أن القضية الفلسطينية "لن يأتيها خير من هذه الأنظمة، ومن يخدمها هي الشعوب وحركات المقاومة ومن يسعى للانتصار لقضايا الأمة والشعوب".
كما شدّد على أن الحراك الشعبي "لن يتوقّف"، مشيراً إلى مسيرة العودة الكبرى التي انطلقت مؤخراً في قطاع غزة ورفض الاحتلال لها ومحاولة قمعها، ما خلّف العديد من الشهداء والجرحى الفلسطينيين.
وقال النائب الجزائري إن هذه المسيرة دليل واضح على أن القضية الفلسطينية حيّة عند الشعب العربي والفلسطيني، وحتى عند الشعوب الإنسانية التي تواصل دعم الفلسطينيين، الذين سيستمرّ نضالهم حتى عودة الحق لأصحابه.
- أمر خطير
أما النائب في البرلمان العراقي، كامل نواف الغريري، وهو نائب رئيس تحالف "تضامن"، فيقول إن هذا التصريح، بل طرح مثل هذا الموضوع من الأساس، "أمر خطير جداً"، مضيفاً: "نحن كمؤسّسة تشريعية عراقية يجب أن ندافع عن أرض فلسطين. فلسطين عربية وأرض مسلمة".
وأضاف الغريري في تصريح لـ "الخليج أونلاين": "بعد عقود من الاحتلال يدور الحديث حالياً عن حق إسرائيل في إقامة دولة على أرض شعبنا الفلسطيني. نحن كعراقيين ننظر إلى الشعب الفلسطيني بأنه جزء منّا".
وطالب الغريري "الشعوب العربية والإسلامية والرؤساء الأخيار والشرفاء بأن يكون لهم موقف وطني مشرّف؛ للوقوف بوجه كل من يريد أن يتنازل عن أرض فلسطين أو القدس للاحتلال الإسرائيلي".
كما أكّد النائب العراقي عن تحالف "تضامن" أنه "لا يحق لأي مسوؤل أو مواطن عربي أو مسلم أن يتنازل أو يتحدّث عن تنازل ولو بشبر عن أرض وشعب فلسطين، ويجب ألا يُعطى مجال لهؤلاء في التحدّث عن حقوق إسرائيل في الأراضي العربية".
وتابع: "كلّنا إلى جانب فلسطين، ويجب أن تكون للشعوب والزعماء كلمة وصوت موجه للرأي العام العربي والدولي، ولا نسمح لأي عربي أو مسلم بالحديث بهذه الطريقة".
وقال الغريري أيضاً: "يجب أن يكون هناك صوت عربي يواجه تصريحات بن سلمان، ولا بد أن ينطلق الصوت من العراق، ولا بد من الدعوة إلى الاحتجاج الجماهيري في عموم العراق لرفض التطبيع مع دولة الاحتلال ونصرة القضية الفلسطينية".
وأوضح أن على جميع الدول العربية والإسلامية أن يكون لها موقف حازم تجاه فلسطين؛ لأن إسرائيل استهدفت فلسطين طوال العقود الماضية، وها هي اليوم تستهدف العالم العربي والإسلامي من الداخل.
وأكّد أن على الزعماء والسياسيين العرب أن يعوا خطورة المرحلة، فاليوم يسمحون لإسرائيل بالدخول إلى أرض فلسطين وغداً تقوم إسرائيل بتوسيع نفوذها والدخول إلى بلدانهم وقلب العرب.
ودعا إلى موقف حكومي واضح، قائلاً: "يجب على الحكومة العراقية أن تبدي موقفها الواضح والمستنكِر بشدة للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، والاعتداء المتواصل ضد الأراضي الفلسطينية، والدعوة إلى مظاهرات حاشدة لعموم أبناء الشعب العراقي".
واعتبر أن أمل الكثير من الشعوب العربية مرتبط بموقف الشعب العراقي، خصوصاً قضية فلسطين؛ لأنهم أوّل من دافع عن أرض فلسطين العربية وطال بها؛ منذ بدايات الاحتلال.
- استهجان
في غضون ذلك استهجن النائب الأردني، موسى هنطش، تصريح ولي العهد السعودي، مؤكّداً أن هذا الموقف "لا يمثّل رأي غالبية الشعب السعودي المعروف برفضه للاحتلال الإسرائيلي".
وقال هنطش لـ "الخليج أونلاين": "أستغرب جداً هذا التصريح الذي لا ينم عن العقلية السائدة في المملكة العربية السعودية"، مبيّناً أنه عضو في لجنة أخوّة أردنية سعودية، ولم يسمع بمثل هذه التصريحات من قبل، سواء كان ذلك من السفير السعودي أو من قيادات المملكة.
وأشار النائب الأردني إلى أن السعودية لطالما احتضنت الفلسطينيين بكل أطيافهم؛ من محمود عباس وحتى خالد مشعل.
وتابع: "هذا التصريح خارج عن المألوف، وليس من منهج الحكم السعودي أو شعب المملكة"، وأن "التاريخ السعودي أصيل"، مشدّداً على أن السعودية تعدّ "آخر معقل للأمة".
كما أشار إلى أن الجهة الوحيدة الصامدة حتى الآن في وقوفها بجانب القضية الفلسطينية هي الأردن، مؤكّداً وقوف النواب الأردنيين والشعب مع موقف المملكة.
وذكر النائب الأردني أنه خلال دراسته للهندسة في السعودية عرف أن الشعب السعودي مع القضية الفلسطينية وفلسطين وشعبها، وأنه ليس بالعقلية التي تؤمن بحق الاحتلال بإقامة دولة له، مؤكّداً أن هذا "ليس صحيحاً".
وشدّد هنطش على أن "السعودية طوال تاريخها هي قائد لدعم القضية الفلسطينية، ومعها جميع دول الخليج".
وطالب النائب الأردني بموقف عربي وإسلامي من تصريحات بن سلمان هذه بشأن العلاقات مع إسرائيل وأحقيّتها بإقامة دولة على أرض فلسطين، وقال: "الأصل أن تتدخّل جامعة الدول العربية والمؤتمر الإسلامي في الأمر".
وخلّفت تصريحات بن سلمان حول القضية الفلسطينية، واعترافه بوطن لـ "إسرائيل" على أرض فلسطين، صدمة، وسط اتهامات وتحذيرات من الدور "المشبوه" الذي تقوم به الرياض لتصفية القضية وشرعنة الاحتلال ضمن مخطط "صفقة القرن".