ملفات » الطريف إلى العرش

عن الجرب في مكة: تحية للفساد!

في 2018/04/10

فؤاد السحيباني- خاص راصد الخليج-

أطلت المصيبة من مشكاة الفساد، فلم تفلح المليارات المرصودة للقطاع الصحي في المملكة في وقف نزيف الفضيحة العالمية غير المسبوقة، عشرات الإصابات بالجرب، المرض الذي انتهى في العالم، ليطل برأسه القبيح من أحياء مكة الفقيرة، في تذكير بعمق الفساد وقدرته، ومدى تمكنه من كل مفاصل البلد.

أزمة بلا سابق إنذار، تضع المسؤولين عن المملكة في اختبار مع الحقيقة المرة، التي يتجرعها الناس في كل مرة بصمت مشوب بالمرارة، التلاميذ مثل قوات الجيش بالحد الجنوبي، في معركة بلا قيادة، أو بوصف أدق، بقيادة لا تدرك وإن رأت المصيبة.

القطاع الصحي في المملكة يأتي على رأس القطاعات التي تبتلع الموازنة العامة، ثالث قطاع بعد الدفاع والتعليم في مخصصات الموازنة، وحجم الإنفاق على قطاع الرعاية الصحية لكل فرد تضاعف من 1400 ريال في عام 2000 إلى 2800 ريال في عام 2013، بمعدل نمو سنوي قدره 6.4% بالأسعار الثابتة.

ذروة ما خصصته المملكة للإنفاق على القطاع الصحي، خلال السنوات الثماني الماضية جاءت في ميزانية 2015، عند 160 مليار ريال، أي أكثر من 18% من الإنفاق المتوقع، ونما عدد المستشفيات بنحو 15% بين 2008 و2014، ليبلغ عدد المستشفيات الحكومية بنهاية عام 2014 نحو 312 مستشفى، في حين بلغ عدد المستشفيات الخاصة 141 مستشفى.

من الثابت، ووفقًا للأرقام الحكومية المعلنة أن الإنفاق السعودي، البالغ 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي، لا يزال متواضعاً مقارنة بالاقتصادات المتقدمة، والتي تنفق في المتوسط أكثر من 9% من الناتج المحلي الإجمالي على الرعاية الصحية، إلا أن المملكة تحتل المرتبة الأولى على الدول العربية والشرق أوسطية بالنسبة للبنية الأساسية لقطاع الصحة، وبالنسبة للإنفاق الحكومي أيضًا.

وتحمل رؤية 2030 المزيد من الإنفاق على قطاع الصحة، للاقتراب من المستوى العالمي، حيث إن استمرار التعداد السكاني في الازدياد بوتيرة ثابتة في المملكة سيعني أن البنية التحتية للرعاية الصحية تفسح في المجال أمام مزيد من فرص الاستثمار، ليبلغ نمو سوق الرعاية الصحية معدل سنوي مركب نسبته 12.3% حتى عام 2020 ليصل إلى 71.2 مليار دولار.

وإجمالا فإن القطاع الصحي يبتلع، بالإضافة للتعليم، نحو ثلث نفقات الميزانية العامة، فقطاع التعليم نال أكبر نصيب من النفقات، بقيمة 200 مليار ريال، يليه قطاع "الصحية والتنمية الاجتماعية" الذي خصص له قيمة 120 مليار ريال، وتشكل الأرقام المقرر إنفاقها في قطاعات التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية 36% من إجمالي نفقات ميزانية 2017 المقدرة بنحو 890 مليار ريال.

الأرقام لا تكذب، النفقات التي تتحملها الميزانية لتوفير رعاية صحية لمواطني المملكة ضخمة وغير مسبوقة، لكن الفساد الذي ينخر في بنية المجتمع لا يترك مجالًا لأي تنمية حقيقية، ويكفي أن القطاع الصحي انهار بالكامل، ووقف عاجزًا أمام مرض انتهى –كمرض متوطن- من العالم كله.

من المفترض أن تقف الدولة والحكومة تحية للفساد، الذي كشف العديد من الجوانب السلبية في إدارة دولاب العمل اليومي، فالأزمة أعقد مما هي ظاهرة على السطح، ولا تتعلق فقط بآلاف الطلاب في مكة المكرمة، لكنها تهدد أكثر المستقبل، فهل كفاءة الوزارات والأجهزة في مواجهة ظاهرة مرضية كانت على الوجه المطلوب، أم أنها ترسم ملامح إهدار موارد المملكة على مشروعات وهمية.

لا يمكن أن تهدر على هذا النحو