ذي أمريكان إنترست- ترجمة شادي خليفة -
في الرياض، الساعة 05:40 صباحا، إنه أول أيام شهر رمضان المبارك، وقت صلاة الفجر التي تمتلئ معها المساجد بالسعوديين وبأكثر من 1.8 مليار مسلم حول العالم.
لكن الصواريخ الباليستية الحوثية تتوجه إلى معسكر للجيش في منطقة الرياض لتعبث بذلك السلام وتحرق الأرض في الصباح الباكر، في العاصمة السعودية؛ مما أسفر عن مقتل 34 شخصا وإصابة العشرات.
ومن غير الواضح لماذا تخفق الدفاعات الصاروخية السعودية، التي قدمتها الولايات المتحدة، في اعتراض صاروخ «برقان-2».
وبينما كان مستيقظا يعمل منذ الساعة 4:30 من صباح ذلك اليوم، سمع ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للمملكة، «محمد بن سلمان»، صوت الانفجار الهائل، رغم أنه كان على بعد عدة كيلومترات من مكتبه في وزارة الدفاع.
ومثل قطة على سقف من صفيح ساخن، يفكر في سيناريوهات أسوأ الحالات، ويتنقل بشكل محموم من غرفة إلى أخرى محاولا معرفة ما قد حدث للتو.
وبعد 12 دقيقة، عندما بدأ يتلقى معلومات من أجهزة الأمن التابعة له ولمحافظ الرياض، تتجلى أسوأ مخاوفه، لقد تعرضت السعودية للهجوم.
لقد شاهد «بن سلمان» هذا الفيلم من قبل، في الواقع مرتين؛ فقبل بضعة أشهر، أطلق الحوثيون صاروخا باليستيا باتجاه مطار الرياض الدولي (ادعى السعوديون أن الصاروخ لم يضرب هدفه لأنه تم اعتراضه في الهواء بواسطة بطارية باتريوت).
ومؤخرا، أطلق الحوثيون 7 صواريخ باليستيا على الرياض؛ مما أسفر عن مقتل شخص واحد وإصابة عدة أشخاص آخرين.
لكن هذه المرة، يبدو أن هناك أضرارا كبيرة وعدد من الضحايا المدنيين السعوديين.
ووضع الهجوم الرياض في حالة تأهب قصوى؛ مما تسبب في قرع طبول الحرب في الشرق الأوسط بأكمله.
وفي الساعة 6:30 صباحا، راجع «بن سلمان» تقارير الحالة بعناية، وأجرى مكالمات متعددة مع مسؤولين بالحكومة السعودية.
لكنه يريد أن يقوم بمراجعة المشهد شخصيا.
وينبه حراسه الأمنيين إلى أنه في طريقه إلى مستشفى «مدينة الملك سعود الطبية» بالرياض؛ حيث يداوي الأطباء المصابين.
وتتسارع الأفكار في عقله أسرع من سيارته الـ«سوبربان شيفروليه» السوداء المدرعة، والقافلة الضخمة التي تتبعه.
ويفكر داخل رأسه: «كيف يجرؤ الإيرانيون على التصرف بهذا التهور؟»
وبعد فحص الحالة ومحاولة مواساة الجرحى، يقود سيارته إلى المنطقة المستهدفة لتقييم الأضرار.
وهناك، يجد مجمعا سكنيا مكونا من 9 طوابق تم هدمه بالكامل تقريبا.
لقد كانت ضربة حظ ولكن مباشرة، في وسط المبنى.
ويقف هناك لمدة 10 دقائق على الأقل لمسح المشهد بعيون حائرة ودون كلام.
ولا يدلي بأي تصريح صحفي.
وفي سيارته الرياضية متعددة الأغراض، ينطلق إلى قصر اليمامة الملكي؛ حيث يعقد على الفور اجتماعا لمجلس الشؤون السياسية والأمنية، الذي قاده منذ عام 2017 بعد الإطاحة بـ«محمد بن نايف»، ابن عمه الأكبر وولي العهد السابق.
ويحضر الملك «سلمان»، والده المريض البالغ من العمر 82 عاما، الاجتماع، لكنه سرعان ما يغادر لاستقبال المكالمات من الزعماء الأجانب؛ بما في ذلك الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب».
بعد ذلك، يطلب «بن سلمان» آخر التحديثات.
وبينما يقرأها دون انقطاع، يخيم الصمت على الغرفة، مما يخلق توترا لا يطاق.
وقد حددت كلماته الأولى نغمة المناقشة: «لقد تم الاعتداء على أشقائي، ونحن جميعًا نعرف من المسؤول».
ولا يذكر «بن سلمان» إيران بشكل صريح، لكن الجميع يعرف من يقصد.
ثم يأمر ولي العهد جنرالاته بتزويده بخيارات بشأن شن ضربة ضد إيران.
وفي هذه يدخل أحد المساعدين الشباب إلى الغرفة ويشارك مع «بن سلمان» بيانات الفحص الأولي لحطام القذائف، مبينا أنه مصنوع إيرانيا.
ويكفي هذا لتأكيد شكوك «بن سلمان» في تواطؤ إيران.
وبعد منتصف الليل بقليل في واشنطن، بعد أن تواصل مع الملك «سلمان»، ذهب الرئيس «ترامب» على «تويتر» ليعلن أنه يجب معاقبة إيران بسبب «عدوانها ضد حليفنا السعودي».
كان وزير الدفاع الأمريكي «جيمس ماتيس» في نفس اللحظة على الخط مع الأمير السعودي الشاب، يطمئنه على التزام أمريكا الأمني تجاه المملكة.
غير أن الوزير «ماتيس» كان يحثه بشدة على عدم المبالغة في تفسير تغريدة رئيسه، وحتى يمارس ضبط النفس، على الأقل حتى يتم العثور على دليل قاطع على دور إيراني.
يشكر «بن سلمان» وزير الدفاع الأمريكي لاتصاله واهتمامه، لكنه يوضح له الحاجة الاستراتيجية والمنطق السياسي المحلي وراء التصرف عاجلا وليس آجلا.
ويترك لواشنطن قرار ما إذا كانت تريد التدخل، لكن فكرته محددة، يجب على السعودية أن ترد بسرعة، من أجل إرسال رسالة قوية إلى الإيرانيين.
وقد يكون البديل هو الانتحار السياسي على أيدي أبناء عمومته الغاضبين في أسرة آل سعود، وإظهار المملكة في صورة ضعف.
وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، قبيل منتصف الليل بتوقيت السعودية، ينطلق سرب طائرات سعودية هجومية من طراز «إف 15 إس إيه»، وهي أكثر الطائرات تطورا من طراز «إف 15»، والمصممة خصيصا للسعوديين، من قاعدة الأمير سلطان الجوية، بمهمة قصف مصنع صواريخ إيراني في شيراز جنوب غربي إيران.
وتنقسم القوة إلى سربين، مع 3 مقاتلات لكل منها.
ومما يثير دهشة العديد في البنتاغون، تنجح الطائرات في تدمير هدفها، وتتمكن من العودة إلى القاعدة بأمان.
ويستخدم الطيارون السعوديون ذخائر التشتيت لتجنب الدفاعات الجوية الإيرانية والتحديات الفنية للتزود بالوقود في الجو.
كما أنهم يتفادون لحسن الحظ أي معارك عنيفة مع سلاح الجو الإيراني؛ لأن طهران، التي اشتعلت على حين غرة تماما، لم تستطع أن ترسل طائرات اعتراضية في الوقت المناسب.
وبعد بضع دقائق، تتلقى طهران أخبار الهجوم.
وبدأ المواطنون الإيرانيون، الذين اشتهروا بالسهر إلى وقت متأخر من الليل، يعلمون عن الحادثة، ويتشاركون الأخبار مع بعضهم البعض عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وتتسارع الانفعالات في الشوارع في المدن الكبرى عبر إيران.
وكان لدى قائد الحرس الثوري الإسلامي، «محمد علي جعفري»، مهمة لا يحسد عليها، وهي إيقاظ المرشد الأعلى «علي خامنئي» في منتصف الليل لإطلاعه على ما حدث للتو.
ويتذكر «خامنئي» بوضوح غزو صدام في 22 سبتمبر/أيلول 1980، والفوضى والذعر الذي أوجده.
ويتذكر على وجه التحديد النقاش الذي دار في الحكومة حول كيفية الرد على عدوان العراق.
وفي النهاية، قرر الأب الروحي للثورة الإيرانية، «الخميني»، أن يقاوم صدام ويطارده بقوة.
وبعد 8 أعوام وسقوط أكثر من مليون قتيل إيراني، انتهت الحرب العراقية الإيرانية في حالة من الجمود العسكري الافتراضي، لكن مع ميزة سياسية وأفضلية للعراق؛ لأن طهران فشلت في إقصاء «صدام حسين».
ولا يبدو هجوم الرياض هذا تهديدا خطرًا مثل هجوم العراق عام 1980، لكن «خامنئي» لا يعرف ما إذا كان هذا هجوما لمرة واحدة أو بداية لحملة كبرى.
وعلى أي حال، فإن حقيقة أن إطلاقها من قبل عدو قديم، ساعد في تمويل جهد «صدام» الحربي، له معنى خاص لدى «خامنئي» وزملائه.
ويدعو «خامنئي» إلى اجتماع في وقت متأخر من الليل مع أعضاء مجلسه الأعلى للأمن القومي.
وهناك بعض الخلاف حول كيفية رد إيران، لكن هناك إجماع ساحق على الحاجة إلى الانتقام.
وقد يؤدي التصعيد التقليدي إلى حرب عامة مع السعوديين، ومن المحتمل مع الولايات المتحدة وشركاء خليجيين آخرين، وهي نتيجة يريد الإيرانيون تجنبها.
من ناحية أخرى، سيشير الصمت إلى ضعف إيران، ويقوض قوة الردع الإيراني، ويحتمل تكاليف سياسية في الداخل.
فهل يخفف الإيرانيون من حدة التصعيد بعد الانتقام من أجل استغلال الحادث كفرصة لتكثيف حربهم بالوكالة وتعزيز مكاسبهم في المنطقة، أم تسود الأصوات الهائجة التي تدعو إلى المزيد من العقاب؟ كيف يحقق خامنئي التوازن الصحيح؟
يعد هذا السيناريو الافتراضي مثالا واحدا فقط من بين العديد من العوامل التي قد تقود إلى الحرب المحتملة بين السعودية وإيران.
وفي كل مرحلة من مراحل هذا السيناريو، يتعين اتخاذ قرارات حاسمة من قبل القادة الإيرانيين والسعوديين، الذين يكنون عداوات عميقة تجاه بعضهم البعض، بسرعة في ظل ظروف الضغط المحلي والدولي الهائل.
وتلك القرارات هي التي تصنع إما الحرب أو السلام.
وفي أي ديناميكية حرب بين إيران والمملكة، فإن التدخل أو الدعم العسكري الأمريكي سيكون العامل النهائي الخارجي لكل من الرياض وطهران.
ولقد تعهد كل رئيس أمريكي منذ «فرانكلين روزفلت» بضمان سلامة وأمن المملكة.
وحتى «باراك أوباما»، الذي يفتقر إلى أي تقارب تجاه السعوديين، أعاد التأكيد على «سياسة الولايات المتحدة في استخدام كل عناصر قوتنا لتأمين مصالحنا الأساسية في منطقة الخليج، ولردع ومكافحة العدوان الخارجي ضد حلفائنا وشركائنا».
وعندما غزا العراق الكويت وهدد السعودية، جمعت واشنطن أقوى تحالف في التاريخ للعمل بحسم ضد «صدام»، وبالتالي حماية المملكة.
وليس هناك سبب مقنع لعدم قيام الولايات المتحدة بالشيء نفسه اليوم إذا هاجمت إيران علانية السعودية، التي كانت أول وجهة في أول رحلة دولية للرئيس «ترامب».
ولهذا السبب على وجه التحديد، تتمركز القيادة المركزية الأمريكية في المنطقة، للعمل بسرعة وبشكل موثوق ضد التهديدات الموجهة للمصالح الأمريكية وأمن شركاء أمريكا.
لكن بالنظر إلى أن «خامنئي» لن يندفع على الأغلب إلى توجيه الدبابات إلى المملكة ولن يسعى إلى الاستيلاء على الأراضي (لا توجد حدود برية بين البلدين)، فكيف سترد واشنطن على العنف الإيراني ضد المملكة الذي لا يصل إلى العدوان التقليدي الصريح؟
وإذا لعب الإيرانيون أوراقهم بشكل صحيح، وتمكنوا من تجنب التصعيد التقليدي في أعقاب هجوم سعودي، فهل يمكن للرياض أن تعتمد على واشنطن للتدخل؟
وعندما سقط الرئيس المصري «حسني مبارك» في أعقاب الانتفاضة الشعبية في القاهرة عام 2011، كانت الفكرة الشائعة في المنطقة هي أن واشنطن لم تنقذ شريكها القديم.
لكن هذا غير دقيق، بل قام زملاء «مبارك» العسكريون بإلقائه خارج السلطة، بعد أن قرروا أنه مضى فترة طويلة على وجوده، ولم يكن هناك أي سياسة أمريكية قد تتدخل في هذه المرحلة «لإنقاذه».
ومع ذلك، شعرت النخب السياسية في الخليج العربي، وخاصة السعوديين، بأن الأرض تتحرك بشكل غير مريح تحت أقدامهم، وانتقدوا الرئيس الأمريكي آنذاك «باراك أوباما» بشدة.
والآن، حتى في المواجهة المحتملة بين إيران والسعودية، أو تهديد استقرار النظام السعودي سرا من قبل إيران، فإن هذه النخب ليست متأكدة مما إذا كانت واشنطن ستبقى في مقعد المتفرج أم ستأتي لإنقاذهم.
ومن ناحية، تفضل الولايات المتحدة تجنب الحرب مع إيران، بافتراض أن طهران لا تعبر الحدود الحمراء بشكل صارخ فيما يتعلق ببرنامجها النووي، وسلامة القوات الأمريكية في المنطقة، وحرية الملاحة في الخليج، وبقاء شركاء الولايات المتحدة الإقليميين.
ومن ناحية أخرى، إلى أي مدى يمكن لواشنطن أن تتسامح مع العدوان الإيراني الخفي ضد المملكة، الذي يأتي في مرتبة أدنى من الحرب التقليدية، لكنه يهدد استقرار السعودية؟ لا توجد إجابات سهلة على هذا السؤال.
لكن البحث عن إجابات لا يجب أن يتعلق فقط بأمريكا.
ففي الواقع، لا ينبغي ذلك.
ومع ذلك، تقول الحقيقة إن واشنطن لا تتشاور مع شركائها العرب حول السيناريوهات والطوارئ التي قد تؤدي إلى أزمة وحرب.
وكل الكلام والاستراتيجية يتمحوران حول الردع، لكن هل قد يفشل الردع، وماذا سيحدث بعد ذلك؟ في الحقيقة، لا يوجد تخطيط مشترك فيما يتعلق بالتهديدات المتبادلة وراء الإرهاب العابر للحدود.
ومن المشكوك فيه أيضا إلى حد كبير أن يكون «بن سلمان» أو أي من زملائه المشاركين قد دخلوا في مناقشات مع المسؤولين الأمريكيين حول التخطيط المشترك ضد إيران في اليمن أو في أي مكان آخر.
وبدلا من ذلك، يربط «ترامب» دعمه بالمبلغ الذي ستنفقه السعودية على الأسلحة الأمريكية، ونتيجة لذلك، عدد الوظائف الأمريكية التي يخلقها ذلك الشراء، الأمر الذي يعطي تلميحا قويا لموضوع النقاش الرئيسي.
وإذا كان القادة في طهران يراقبون ذلك المؤتمر الصحفي في المكتب البيضاوي، فإنهم ربما ضحكوا، أو على الأقل تنفسوا الصعداء، فلم يحدث شيء جدي في المحادثات الأمريكية السعودية.
وقد لا يكون حلف شمال الأطلسي (الناتو) أفضل نموذج لمشاورات الشركاء، لكن أنواع التفاعلات التي تحدث بانتظام بين المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين والجيوش داخل الحلف هي أكثر جدوى، ويمكن التنبؤ بها، من تلك التي تحدث بين المسؤولين الأمريكيين والعسكريين في الخليج العربي.
وكلما أصبح الحوار بين الولايات المتحدة والسعودية والشركاء الآخرين في الخليج أكثر انفتاحا وتعددا للأبعاد، ازدادت فعالية وضع القوة الجماعية والردع الجماعي.
وإذا كانت الولايات المتحدة ستنسحب من الشرق الأوسط، وقد يأتي ذلك اليوم عاجلا وليس آجلا، فيتطلب ذلك علاقات سياسية وعسكرية أقرب مع الشركاء، الأمر الذي يتعدى مجرد بيع الأسلحة.
وسيكون لدى الرئيس «ترامب» قرار مهم قبل 12 مايو/أيار؛ حيث يعلن إما البقاء ملتزما بالصفقة النووية مع إيران أو الانسحاب منها.
وإذا غادرت واشنطن الاتفاق وعاودت فرض العقوبات على طهران؛ فسوف تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، خاصة إذا انسحبت إيران نفسها واستأنفت عملها في تخصيب اليورانيوم.
ويعيدنا هذا السيناريو إلى المربع الأول، الذي في ظل الظروف الحالية هو صيغة للحرب.
إنها حرب مستقبلية قد تسحب السعوديين وشركاء خليجيين آخرين.
ولقد حان الوقت للتشاور مع الرياض بشأن هذه الحالات الطارئة.