محمد المنشاوي- الشروق المصرية-
قبل أكثر من سبعين عاما احتضنت قناة السويس اجتماعا تاريخيا فى شهر فبراير 1945 بين مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز آل سعود والرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت على ظهر المدمرة الأمريكية كوينسى.
خلال اللقاء الذى امتد لخمس ساعات وضع الطرفان أُسس التحالف الاستراتيجى بين الدولتين وهو ما صمد أمام تغيرات دولية كبيرة وهزات عنيفة فى علاقات الرياض بواشنطن الثنائية.
تمحورت العلاقة الاستراتيجية حول علاقة خاصة تضمن بها واشنطن أمن السعودية وأمن حدودها وأمن عائلتها الحاكمة، مقابل توفير النفط للولايات المتحدة وللأسواق العالمية بأسعار مناسبة.
ولم تكن العلاقة قائمة على أى كيمياء شخصية بين زعيمين، ولا على أدوار يلعبانها فى تصورات الآخر عن مستقبل المنطقة. بعد أشهر من اللقاء توفى الرئيس روزفلت، وبعد ثمان سنوات توفى الملك عبدالعزيز. وخلف الملك عبدالعزيز أولاده بدءا من الملك سعود ثم فيصل ثم خالد ثم فهد ثم عبدالله ومن ثم الملك سلمان.
على الجانب الأمريكى جاء الرئيس الديمقراطى ترومان والجمهورى أيزنهاور والديمقراطى كينيدى والديمقراطى جونسون والجمهورى نيكسون والجمهورى فورد والديمقراطى كارتر والجمهورى ريجان والجمهورى بوش الأب والديمقراطى كلينتون والجمهورى بوش ثم الديمقراطى أوباما.
لم تؤثر وفاة ملك سعودى أو تغيير رئيس أمريكى فى ثوابت علاقات الرياض وواشنطن، ومن هنا صمدت العلاقات الخاصة بينهما أمام أزمات كبرى مثل تبعات حرب أكتوبر على سوق النفط، والثورة الإيرانية وحروب العراق وأحداث 11 سبتمبر وأخيرا الربيع العربى.
إلا أن ما تشهده علاقات الدولتين مؤخرا ينتقل بها من كونها علاقات خاصة استراتيجية، إلى علاقات خاصة شخصية. فمنذ وصول الرئيس دونالد ترامب لسدة الحكم فى واشنطن، وهى الفترة التى شهدت أيضا تصعيد محمد ابن الملك سلمان ليصبح وزيرا للدفاع، ثم وليا للعهد ومن ثم الحاكم الفعلى فى الرياض، اتخذت العلاقات منحنى مختلفا لا يخلو من مخاطر كبيرة.
وساعد على هذا المسلك جهل متبادل بين ترامب وبن سلمان فى معرفتهما للآخر، ولا يعرف ترامب تعقيدات منظومة الحكم السعودية، ولا يدرك بن سلمان توازنات وتعقيدات واشنطن.
بن سلمان تلقى تعليمه داخل السعودية، ولم يعش التجربة الأمريكية أو الغربية كغيره من الأمراء السعوديين من جيله. وهو بلا شك لا يعرف بدقة دهاليز السياسة الأمريكية او توازنات القوة ولا أدوار المؤسسات الحاكمة فيها.
وافترض بن سلمان أن للعائلة «الترامبية الحاكمة» اليد العليا فى سماء السياسة الأمريكية، فكان تقربه من صهر الرئيس جاريد كوتشنر بصورة اثارت بعض تساؤلات المراقبين.
أما ترامب فيتعامل مع بن سلمان ومع السعودية بعقلية رجل المبيعات أو رجل الأعمال الذى يريد أن يحقق أكبر منفعة مادية من خلال عقده صفقات مليارية سواء فى مجال الاستثمارات أو مجال المبيعات العسكرية والتجارية.
ولدونالد ترامب علاقات متشعبة ومعقدة مع المملكة، بدايتها كانت ما صرح به خلال حملته الانتخابية حين قال إن «السعودية بقرة حلوب تدر ذهبا ودولارات بحسب الطلب الأمريكى، ومتى جفت وتوقفت عن منحنا الدولارات والذهب عند ذلك نأمر بذبحها أو نطلب من غيرنا ذبحها».
كذلك قال ترامب لمحطة فوكس الإخبارية إن تقرير لجنة تحقيق 11 سبتمبر يظهر أن السعودية لعبت دورا مهما فى الهجمات الإرهابية، إلا أننا هاجمنا العراق ونحن كنا نعلم أنهم ليسوا من أسقط مركز التجارة العالمى.
ورغم ما سبق أو بسبب ما سبق، فقد جاء محمد بن سلمان زائرا للبيت الأبيض عدة مرات باحثا عن علاقة خاصة مع الرئيس غريب الأطوار، وتوج مسعاه بالنجاح.
لذا لم يكن بالغريب عقب قيام بن سلمان بما أطلق عليه معركة «فندق الريتز لمحاربة الفساد» والذى احتجز على أثرها عشرات من كبار رجال الأعمال السعوديين بينهم أمراء من العائلة الحاكمة، أن يكون ترامب الاستثناء الوحيد من خلال تأييده المباشر لخطوات بن سلمان فى وقت لم يخرج أى رد فعل من العواصم الكبرى ردًا على ما قام به الأمير الشاب.
وقال ترامب «لدى ثقة كبيرة فى الملك سلمان وفى ولى عهده» الأمير محمد، كما أشار الرئيس الأمريكى فى تغريدة على حسابه على موقع تويتر إلى أن «بعض أولئك الذين يعاملون بصرامة فى السعودية استنزفوا بلدهم لسنوات».
وذكر مايكل وولف فى كتابه «نار وغضب» أن ترامب أبلغ أصدقاءه بعد تولى محمد بن سلمان ولاية العهد فى السعودية أنه هو وصهره جاريد كوشنر قاما بهندسة انقلاب سعودى بالقول «لقد وضعنا الرجل الذى يخصنا على القمة».
كما أكد مستشار ترامب السابق ستيف بانون أن ترامب لم يحصل على التقدير المناسب لما كان من زيارته للرياض من آثار على ترتيبات الحكم داخل البيت السعودى، وإلقاء القبض على ألف من الدعاة الإسلاميين.
ورغم تقدير بن سلمان الواسع لجاريد كوتشنر، تشتكى المؤسسات الأمريكية مثل وزارات الخارجية والدفاع وأجهزة الاستخبارات من أن أساليب كوشنر التى تعتمد على العلاقات الشخصية بدلا من القنوات الدبلوماسية والسياسية المتعارف عليها، لها مخاطر كبيرة خاصة مع فقدانه مؤخرا التصريح الأمنى الذى يسمح له بالاطلاع على التقارير الأمنية السرية. ولا يدرك بن سلمان أهمية المؤسسات الأمريكية وقوة البيروقراطية الحكومية.
بلا شك فترامب هو من أكثر الرجال خطورة على وجه الأرض، ويرى البعض أن بن سلمان هو من أكثر الرجال خطورة على منطقتنا، من هنا يصبح التحالف الشخصى بينهما شيئا يضيف مخاطر متعددة للشرق الأوسط الملتهب.
نعم من المبكر الجزم بما سينتج عن التحقيق فى علاقة دونالد ترامب بالتدخل الروسى فى الانتخابات التى أتت بترامب رئيسا، إلا أن سيناريو الإطاحة به ليس مستحيلا.
من هنا يعد التحالف الشخصى مع رئيس مثل ترامب ذا تكلفة عالية لمستقبل العلاقات بين واشنطن مع الرياض، خاصة فى ظل استمرار الاستقطاب السياسى الحاد بين ترامب وبقية القوى السياسية الأمريكية، وهى تفاصيل لا يقدِّرها إلا من يفهم تفاصيل السياسة الأمريكية.