محمد صالح المسفر- الشرق القطرية-
يتسابق بعض أمراء البيت السعودي، وشيوخ أبو ظبي، وحكام البحرين نحو إسرائيل، ويعتبرونها البوابة التي تمدهم بالشرعية لسلطانهم على شعوبهم وأنها تقربهم إلى البيت الأبيض في واشنطن.
ليكون عوناً لهم لإخضاع شعوبهم للطاعة والعبودية لهم، وأن يكونوا عوناً لهم ومناصرين لتحقيق مشاريع التوسع الجغرافي على حساب سيادة الآخرين، وراح كل منهم يبالغ في التقرب من إسرائيل وتقديم التنازلات لصالح إسرائيل والابتزاز الأمريكي.
في الجانب السعودي، الملك عبد العزيز آل سعود- رحمه الله- وهو يؤسس لقيام الدولة السعودية الثالثة بمساعدات بريطانية وغيرها إلا أنه كان حذراً أشد الحذر من التنازل عن فلسطين أو القبول بهجرات اليهود الغربيين إليها.
ويروي الملك عبد العزيز آل سعود للرئيس الأمريكي روزفلت في البحيرات المرة عن لقائه بتشرشل رئيس الوزراء البريطاني في ذلك العهد، أن تشرشل بدأ يتحدث معي قائلاً:
"إن انكلترا أيدتني في الأيام الصعبة، وتطلب مني أن أساعدها في موضوع فلسطين، وترى أنه يجب أن أثبت قدرتي كزعيم عربي قوي وأمنع عناصر التهييج العربي من الإثارة ضد الخطط الصهيونية في فلسطين. وقال تشرشل لي (للملك) إن علي أن أقود المعتدلين العرب إلى حل وسط مع الصهيونية، وهو (تشرشل) يتوقع مني أن أساعد على تهيئة الرأي العام العربي لقبول تنازلات لليهود (التويجري، لسراة الليل هتف الصباح، ص591).
وذكر الملك أنه أجاب تشرشل قائلا: إنني لم أنكر صداقتي لبريطانيا، وقدمت لهم ما أستطيع في الحروب ضد عدوهم، وأن ما تقترحه علي (على الملك) ليس مساعدة انجلترا أو الحلفاء، ولكنه بالنسبة لي عمل من أعمال الخيانة لرسول الله، ولكل المسلمين المؤمنين، ولو أنني أقدمت على ما طلبتم لأضعت شرفي ودمرت روحي، وأنا لا أوافق على التنازل للصهيونية فضلا عن إقناع غيري. (المرجع السابق، ص591).
الملك عبد العزيز قال لضباط البعثة الأمريكية التي زارت السعودية في ذلك الزمان والتقوا به وتحدث عن التهديدات التي تواجه العرب وأهمها عنده الضغط اليهودي على فلسطين قال: أمريكا وبريطانيا أمامهما حرية الاختيار بين عالم عربي هادئ ومسالم أو دولة يهودية غارقة في الدم (ص589).
وقال في رسالته إلى روزفلت: "إن خطر الصهيونية في فلسطين، لا يعني خطرا يهدد فلسطين وحدها، بل إنه خطر يهدد سائر البلاد العربية".
لا أريد الإسهاب في هذا الشأن، وأتحدث عن مواقف الملوك السعوديين (سعود وفيصل، وخالد وفهد وعبد الله) من القضية الفلسطينية ومناصرتهم لها، وراح الملك فيصل ضحية تمسكه بعروبة القدس وفلسطين عامة.
الملك سلمان آل سعود الذي له باع في نصرة القضية الفلسطينية قبل أن يصبح ملكا أطلق على القمة العربية التي عقدت الشهر الماضي في الظهران صفة "قمة القدس" وأعلن التبرع للفلسطينيين بمبلغ 150 مليون دولار.
لكن ما نلاحظه وما نسمعه من تصريحات بعض القيادات والنخب السعودية يخالف ما سنه القائد المؤسس عبد العزيز في الشأن الفلسطيني. الكل يعلم أن إسرائيل رفضت كل المبادرات السلمية التي تقدمت بها السعودية:
- الأولى مبادرة الملك فهد قدمت في مؤتمر قمة فاس عام 1982،
- والثانية مبادرة الملك عبد الله آل سعود في قمة بيروت عام 2002.
ولم تستجب إسرائيل للمبادرتين، بل أنها أمعنت في استخدام القوة ضد الشعب الفلسطيني وتوسعت في أراضي الضفة الغربية وجاءها المدد الجديد من الإدارة الأمريكية الراهنة "إدارة ترامب" بنقل السفارة إلى مدينة القدس والاعتراف الأمريكي بأنها العاصمة الأبدية لإسرائيل.
لاحظنا في عهد الملك سلمان آل سعود الاندفاع نحو إسرائيل بلا مبرر، فالأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي يقول إن القضية الفلسطينية لم تعد من أولوياتنا، وهذا قول مخيب لآمال العرب والمسلمين عامة من قبل القيادة السعودية.
وتنقل عنه وسائل الإعلام أن سموه قدم اعترافاً بحق إسرائيل في إقامة دولتهم على أرضهم التاريخية، وأن هناك مصالح مشتركة بين إسرائيل والسعودية، وقال على الفلسطينيين القبول بما يعرض عليهم (صفقة القرن) أو يتوقفوا عن الشكوى والتذمر.
يضاف إلى ذلك تتابع الزيارات السرية والعلنية لمسؤولين كبار في الدولة السعودية إلى إسرائيل أذكر منهم اللواء أنور عشقي، ولقاءات بعض الرموز الدينية مع قيادات صهيونية متعنتة أذكر من مشايخنا الذين قاموا بذلك الفعل المستنكر الشيخ السديس إمام الحرم المكي وغيره من مشايخ السلطان.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل النظام الملكي السعودي في حاجة إلى التودد والاندفاع نحو إسرائيل التي قال فيها مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبد العزيز- رحمه الله- "إن خطر الصهيونية في فلسطين لا يعني خطراً يهدد فلسطين وحدها بل إنه خطر يهدد سائر البلاد العربية".
والحق أن ذلك الخطر ما برح قائماً وأول ضحاياه ستكون الدولة السعودية الثالثة، وأن الدولة السعودية ليست في حاجة إلى التودد لأي قوة في الأرض إلا للشعب السعودي.
إن الضامن لبقاء الحكم قائماً في أي دولة عربية هو الشعب ولا غيره، والشعب يحتاج إلى حريات جوهرية، وقضاء مستقل ونزيه، ومشاركة في صناعة القرار السياسي، وإصلاحات اقتصادية، وتوزيع عادل للثروة القومية، والفصل بين الإمارة والتجارة، وعدم الاستبداد بالثروات القومية.
أخر القول: ارفعوا الحصار عن قطر، واعتبروا مما حدث بين الكوريتين، كي لا يستبد بكم وبنا اليمين الصاعد في أوروبا وأمريكا واستنزاف مدخراتنا المالية وثرواتنا الطبيعية.