ناشيونال إنترست- ترجمة شادي خليفة -
في الوقت الذي يفكر فيه الرئيس ترامب مرة بعد مرة في الانسحاب الفوري للقوات الأمريكية من سوريا، وقوله إنه يتلقى التحذيرات، بما في ذلك من مستشاري السياسة الخارجية في بلده، فإن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تولد خطر ظهور مزيد من الفوضى في هذا البلد.
ويفكر لتلافي ذلك في اقتراحات بأن يتم إنشاء قوة استقرار عربية تحل محل القوات الأمريكية تدريجيا لإحباط هذا الخطر.
ومع ذلك، فإن القوة الجديدة التي يفكر بها لن تكون وحدة «عربية» تماما، كما يصف هو وغيره من المؤيدين. وسوف تتألف في المقام الأول من أفراد من المملكة العربية السعودية وحلفائها الخليجيين.
ولن تكون هذه القوة محايدة سياسيا ولا مخصصة لاستعادة وحفظ السلام في سوريا. وبدلا من ذلك، ستكون أداة للقوة العربية السنية الهادفة للإطاحة بـ «بشار الأسد».
وفي الواقع، منذ المراحل الأولى للحرب الأهلية السورية عامي 2011 و2012، كانت القوى الخليجية (مع تركيا) عازمة على هذا الهدف.
وجاء التمرد ضد «الأسد» في المقام الأول كمحاولة سنية ضد تحالف «الأسد» من الأقليات الدينية. وفي وقت مبكر من عام 2012، لاحظ الصحفيون المحايدون أن القوات المتمردة كانوا جميعا من السنة تقريبا.
وكان الضالعين ضدهم من أتباع «الأسد»، وهم في المقام الأول أعضاء من الطائفة العلوية شبه الشيعية، والمسيحيين والدروز. وكان الأكراد السوريون مشغولين باتباع أجندة خاصة بهم تتمثل في إقامة دولة مستقلة بحكم الواقع في الشمال.
وكما هو متوقع، دعمت المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر وقوى سنية أخرى المتمردين إلى أقصى الحدود، بتزويدهم بالأموال والمعدات العسكرية.
لكن سرعان ما فقدت السيطرة على بعض تلك القوى، مثل الفصائل التي تطورت إلى داعش. وفي وقت مبكر من عام 2012، تعاونت الولايات المتحدة مع الرياض وأنقرة، وأرسلت مساعدات «غير مباشرة» إلى المسلحين المعتدلين.
وبحلول عام 2013، كانت واشنطن تشحن الأسلحة إليهم، الأمر الذي أدى إلى تشابك الولايات المتحدة في نزاع عرقي وديني متزايد.
لكن الجهد المبذول لتعزيز نفوذ عملاء الرياض في سوريا فشل، على الرغم من ذلك، عندما تدخلت روسيا عام 2015 ودعمت القوات الحكومية بقوة جوية واسعة.
وتعد فكرة إدخال قوة استقرار زائفة، في وقت يكون فيه «الأسد» ورعاته الروس على وشك النصر على المتمردين، خدعة سنوية لمساعدة المتمردين على تجنب الهزيمة.
وحتى المسؤولون الأمريكيون الأذكياء العقلانيون يجب أن يفهموا هذا الواقع. كما يجب عليهم أن يدركوا أن أهداف الرياض لا تفيد بالضرورة مصالح أمريكا. وتعتبر معظم الفصائل التي دعمتها السعودية وحلفاؤها الخليجيون إسلامية متشددة. وتعد الجماعة السلفية «أحرار الشام» أبرز المستفيدين من الدعم الخليجي. كما يبدو أن الدعم السعودي قد تدفق إلى هيئة «تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقا) بمجرد أن أنهت الحركة رسميا علاقاتها بالقاعدة.
وتسيطر هذه الحركات على حكومة ما بعد «الأسد»، وقد يؤدي ذلك إلى تقدم أجندة العائلة المالكة السعودية المحافظة جدا، لكن استبدال دكتاتور علماني مثل «الأسد» بنظام إسلامي سني لا يعزز أمن الولايات المتحدة على الإطلاق.
إلا أن سوريا ليست الساحة الوحيدة التي تدعم فيها واشنطن سياسات الرياض التي تتعارض مع مصالح أمريكا. فقد دعمت كل من إدارة أوباما وترامب التدخل العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن.
وتواصل الولايات المتحدة تزويد طائرات التحالف بالوقود، وتقديم بيانات استخبارية لمساعدة تلك الطائرات في ضرب الأهداف في ذلك البلد. وتشير معلومات جديدة إلى أن واشنطن لديها قوات خاصة على الأرض لمكافحة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. ولا يزال دعم واشنطن للحملة العسكرية التي تقوم بها المملكة قائما على الرغم من وجود أدلة متزايدة على جرائم حرب متكررة ومنتظمة يقوم بها التحالف ضد المدنيين في اليمن.
وتتنوع تفسيرات واشنطن لهذا التعاون من الهش إلى المضحك. وأحد تلك التبريرات هو أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية (ربما أخطر الفروع التابعة لتنظيم القاعدة) نشط في اليمن. لكن هذا التفسير يتجاهل حقيقة أن الحوثيين يعارضون التنظيم بشدة.
ومن الأفضل ألا يكون الادعاء بأن الحوثيين هم وكلاء إيرانيون يحملهم مسؤولية عدم الاستقرار والعنف في اليمن. إن حجم الدعم الذي تقدمه طهران في الواقع متواضع إلى حد ما، كما أن تدخل الرياض أوسع نطاقا وأكثر تعقيدا.
وكما هو الحال في سوريا، فإن هزيمة الحوثيين وتعزيز نظام سني مدعوم من السعودية في اليمن قد يخدم مصالح المملكة، ولكن هذه النتيجة لا تفيد مصالح أمريكا أو سمعتها. وبالتأكيد فإن التعاون في ارتكاب جرائم الحرب لا يفعل ذلك.
ولسوء الحظ، يبدو أن زعماء الولايات المتحدة يميلون إلى دعم السعودية بشكل أعمى كلما حدث تنافس بين الرياض وطهران. ويبدو أن الجهود المستمرة التي يبذلها الرئيس «ترامب» لتقويض الاتفاق النووي متعدد الأطراف مع إيران تعكس رغبات كل من السعودية و(إسرائيل).
لكن تخريب هذا الاتفاق يخلق توترات لا داعي لها مع حلفاء واشنطن الأوروبيين، ويزيد من المخاطر في جميع أنحاء الشرق الأوسط. والأسوأ من ذلك أنه يزيد من احتمال امتلاك إيران لترسانة نووية، ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى حرب أمريكية - إيرانية.
وبلا شك، يسعد مثل هذا الصراع قلوب وعقول أفراد العائلة المالكة السعودية، لكن من الصعب رؤية كيف تفيد هذه النتيجة المدمرة أمريكا.
واعتمدت الولايات المتحدة لعقود كثيرة من الزمن من دون تفكير جدول أعمال الرياض عندما لم تكن المصالح الأمريكية على المحك أو حتى عندما تم تقويضها.
وكان سلوك «ترامب» المندفع تجاه الحكام السعوديين خلال زيارته الرسمية إلى المملكة عام 2017 بمثابة رغبة من واشنطن في التغاضي عن سلوك الرياض المحلي والدولي العدواني.
وعلى الرغم من التأكيد على أن المملكة العربية السعودية كانت حليفا مخلصا للولايات المتحدة، إلا أن سجلات التاريخ تشير إلى خلاف ذلك.
وتمول الحكومة السعودية رجال الدين الوهابيين الذين نشروا التفسير المتشدد والخبيث من الإسلام المعادي للغرب في معظم أنحاء العالم الإسلامي.
وأصبح المتطرفون المدعومون من السعودية كوادر في منظمات إرهابية من القاعدة إلى داعش. وكان 15 من الخاطفين الـ 19 في 11 سبتمبر/أيلول مواطنين سعوديين، ما يدل على المشكلة التي تخلقها رعاية الرياض للتطرف الإسلامي.
وتعتبر المملكة العربية السعودية قوة مزعجة ومزدوجة تسعى لتحقيق أهدافها حتى عندما تعارض هذه الأهداف المصالح الأمريكية الحاسمة. ويحتاج الرئيس «ترامب» إلى تبني سياسة أمريكية حقيقية في الشرق الأوسط، سياسة لا تسمح من جديد للذيل السعودي بأن يخدع الكلب الأمريكي.