وور أون ذا روكس-
اختتم «محمد بن سلمان»، ولي العهد السعودي البالغ من العمر 32 عاما، مؤخرا جولة في غاية الروعة والاحتفاء في الغرب، ظهر خلالها مع مشاهير التليفزيون ورجال الأعمال والرؤساء، وبدا أن وسائل الإعلام الرئيسية كانت تروج للأمير كقائد لحملة شجاعة «لتحويل الشرق الأوسط».
وكانت هناك معارضة بالطبع، حيث قوبل «محمد بن سلمان»، بجيوب من المتظاهرين من واشنطن العاصمة إلى لندن وباريس ومدريد، وقد أعرب ناشطون ومنظمات حقوق الإنسان عن قلقهم إزاء قضايا مثل دور الأمير في الصراع في اليمن، والذي حفز «أسوأ أزمة إنسانية في العالم»، فضلا عن قمعه المستمر للمعارضة.
ومع ذلك، فإن رد الفعل الأكثر خطورة على «سلمان» جاء من شخص يتمتع بنسب شعبية مماثلة.
وتسعى «القاعدة» إلى استغلال الشكوك المحلية في جهود تحديث الأمير، التي تهدف إلى تغيير طريقة تعامل البلاد مع الجنس والثقافة والدين والاقتصاد.
وتأمل المنظمة الجهادية في إثارة رد فعل عنيف يساعدها على تحسين وضع «حمزة بن لادن»، ابن «أسامة بن لادن»، كوريث لعرش والده، وهو ما يعني مواصلة الخلاف المستمر بين «القاعدة» وآل سعود.
وسوف تؤثر هذه الجهود، في حال نجاحها، على الطموحات الإصلاحية لولي العهد في الرياض التي تتناقض مع الثورية السلفية الجهادية التي يروج لها «ولي عهد الجهاد»، وقد تشكل هذه الحرب مستقبل الشرق الأوسط.
وتعد «القاعدة» نفسها من أجل استعادة عباءة الجهاد من «تنظيم الدولة» وإعادة ترسيخ نفسها من خلال استراتيجية أكثر تركيزا على المدى الطويل.
وسواء فشلت إصلاحات «بن سلمان» أو نجحت، ستسعى القاعدة لملء الفراغ ببديل جهادي سيكون له صدى أكبر، تماما مثلما حدث بعد فشل الربيع العربي.
ولا ينبغي أن تنخدع الولايات المتحدة بالإصلاحات التجميلية التي يروج لها «بن سلمان»، وتتعمق جذور التطرف في المملكة العربية السعودية بشكل أعمق، وقد تمكن «حمزة» وزملاؤه في تنظيم القاعدة من استهداف نقاط الضعف هذه من خلال الدعاية المضادة ضد «بن سلمان».
ولضمان ألا يعيد التاريخ نفسه، يجب على الولايات المتحدة أن تساعد في ضمان أن تكون إصلاحات «بن سلمان» موضوعية وتعالج المظالم الاقتصادية والثقافية داخل المملكة، والتي قد تسعى القاعدة إلى استغلالها.
طريق الإمارة
وكان «بن سلمان» قد تم تعيينه في السلك الملكي في الوقت الذي تولى فيه والده العرش عام 2015، وفي أبريل/نيسان 2016، أعلن عن رؤيته للمملكة لعام 2030، التي تهدف إلى تنويع وتطوير الاقتصاد في المملكة العربية السعودية.
وبعد تعيينه كولي للعهد في العام التالي، ألقى الأمير خطابا عن رؤيته الاقتصادية، لكنه أضاف أنه لتحقيق ذلك، سيتعين عليه نقل المجتمع السعودي «مرة أخرى» إلى «الإسلام المعتدل والمنفتح».
وقد قاد حملة قمع ضد أقرانه من الأمراء بسبب الفساد، وكسب الإشادة من العديدين في الولايات المتحدة بداية من الرئيس «دونالد ترامب» إلى «توماس فريدمان»، الذي كتب في «نيويورك تايمز» أنه وجد «شغف بن سلمان للإصلاح أصيلا، ورأى الدعم الذي يتلقاه من الشباب في بلاده كبير، واستعداده لإجراء تغيير جذري في المملكة».
في المقابل، هرب «حمزة بن لادن» مع أفراد آخرين من العائلة بعد 11 سبتمبر/أيلول إلى إيران، وهناك، تم وضعه تحت الإقامة الجبرية في نهاية الأمر، لكن ناشطي «القاعدة» تلقفوه لتعليمه الدين والجيوسياسية بناء على طلب والده، وفي الخطاب الأول لـ«حمزة» بعد إطلاق سراحه عام 2014 من إيران، أكد على أن طلب والده قد تم الوفاء به.
رد القاعدة
وفي حين يعد «بن سلمان» شخصية جذابة، غير أن إصلاحاته الدينية المقترحة تخاطر بإحداث فجوة بين العائلة الحاكمة ورجال الدين، وهو ما يهدد الصفقة التي قامت عليها المملكة منذ نشأتها.
ويلتزم جزء كبير من المجتمع السعودي بإخلاص بالتفسير الصارم للسلفية السعودية التي لا تزال تؤيدها النخبة الدينية، لكن دعم مثل هذه الأصولية يولد قابلية للتأويلات السلفية الجهادية.
وتشير استطلاعات «زغبي» إلى أن 28% من جيل الألفية في السعودية يزعمون أن جماعات مثل تنظيم «الدولة الإسلامية» و«القاعدة» «مخطئون في الغالب، لكنهم يثيرون أحيانا قضايا نتفق معها»، في حين أن 10% لا يشعرون بأن تنظيم «الدولة الإسلامية» و«القاعدة» يشكلان انحرافا على الإطلاق، وهذه الإحصاءات مثيرة للقلق، خاصة في ضوء جهود القاعدة للاستفادة من هذه التعاطفات الكامنة.
وكان تنظيم «القاعدة» و«حمزة» يديران حملة مضادة موازية لجهود «بن سلمان» وإصلاحاته، وفي أغسطس/آب 2015، أعاد «أيمن الظواهري» تقديم ابن «أسامة بن لادن».
وفي حديثه، أشار «حمزة» إلى التزامه طويل الأمد بالجهاد في خطابه الأول، مؤكدا أن على المتابعين «في هذا الوقت إعلانها صريحة وواضحة، أنه لا توجد شريعة إلا شريعة الله، وأنه لا طريقة لتحرير المسجد الأقصى إلا الجهاد في سبيل الله».
ولقد كان استغلال والده المستمر للصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين أداة جيدة للتجنيد، وبعد عدد قليل من مقاطع الفيديو التي يتعهد فيها بالثأر لموت والده والجهاد لأجل فلسطين، تحول أمير الجهاد الجديد إلى التركيز على 6 إصدارات تستهدف على وجه التحديد المملكة العربية السعودية وتستهدف الثورة على نظامها القائم.
وفي أحد مقاطع الفيديو، أعلن «حمزة» أن المجتمع السعودي «في حاجة ماسة للتغيير»، وقد صنف «آل سعود» على أنهم «عملاء للأمريكيين»، ودعا «العلماء الصادقين المجدين» و«الدعاة» إلى «المشاركة في التغيير»، بألسنتهم وأقلامهم ووسائل إعلامهم وتغريداتهم، وأن يأمروا «الشباب وأولئك القادرين على القتال بالانضمام إلى المجاهدين في اليمن».
ومع مقابلات «بن سلمان» مع القادة الغربيين، أصدر «حمزة» الحلقة السادسة من سلسلته المعادية للسعودية، وكرر أن التغيير في المملكة سيؤدي إلى «عودة الأمة الإسلامية إلى مجدها»، وأنه على الشباب التحضير للحرب ضد الشيعة الإيرانيين ومواجهة المؤسسة السعودية على حد سواء.
ثم شرح مقطع الفيديو علاقة «عبدالعزيز بن سعود» بـ«فرانكلين ديلانو روزفلت»، حيث سلط الضوء على أن أول ملك سعودي، جد «بن سلمان»، اعتبر روزفلت «الشقيق التوأم والصديق الجيد»، في حين أن أبناءه وأحفاده ما زالوا يسيرون على نفس الطريق الذي سلكه والدهم.
وكانت هذه خطوة تهدف إلى تشويه سمعة «بن سلمان» وتصوير جهوده على غرار تلك التي قام بها الحكام السعوديون السابقون الذين كانوا متواطئين مع الغرب.
وبعد فترة وجيزة، نشرت «القاعدة» طبعة تضمنت صورة لـ«بن سلمان» يجلس مع «غاريد كوشنر» أمام صورة لقاء «روزفلت» مع «عبدالعزيز بن سعود»، واستشهدت النشرة بمقابلات من رحلة الأمير، وأكدت أن «بن سلمان» فشل في هزيمة ثورة شيعية في اليمن، ووصفت إصلاحاته الدينية بالهرطقة، واختتمتها بدعوة رجال الدين للوقوف في وجه «الإسلام المعتدل المنفتح» الذي تحدث عنه «بن سلمان» ووصفوه بـ «الإسلام الأمريكي».
هل يعيد التاريخ نفسه؟
ومن المهم أن نعترف بأن إصلاحات «بن سلمان» المفترضة ليست جديدة، وكذلك فكر المتشددين الذين يستغلون هذه الإصلاحات لتعزيز أفكارهم، وقد ساعد نمط مماثل «أسامة بن لادن» على الصعود في التسعينات، عندما أعلن «ردة» الملك «فهد» بعد سفره الصاخب إلى المملكة المتحدة، ووضعه صليبا حول عنقه في قصر الملكة.
وتعود حرب «القاعدة» مع السعودية إلى هذه الفترة الزمنية، وفي عام 1991، أذن «فهد» بوجود القوات الأمريكية على الأراضي السعودية، ما أدى لبروز «الصحوة»، وهي حركة سلفية إصلاحية أدت إلى انشقاقات بين الإسلاميين الشباب السعوديين، والتي ما زالت كامنة داخل المجتمع السعودي، وبسبب خوفه من موجة مماثلة من المعارضة، اعتقل «بن سلمان» العديد من رجال الدين البارزين وأصحاب الشعبية منذ أن أعلن عن إصلاحاته.
وفي خضم «الصحوة»، أعلن «بن لادن» الأكبر أن «بلده أصبحت مستعمرة أمريكية»، وقد وبخ المفتي الأكبر «بن باز» لأنه أذن بوجود القوات الأمريكية وسمح بالتجارة مع (إسرائيل)، ثم نجح بحرفية في استخراج فتوى من أحد كبار رجال الدين بأن التدريب والاستعداد للجهاد واجب ديني.
ونتيجة لذلك، سافر أكثر من 4 آلاف سعودي للانضمام إلى «بن لادن» في الجبال الأفغانية، وفي عام 1995، أصدر «بن لادن» رسالة مفتوحة إلى «فهد»، وبخه فيها لفشله في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المقترحة وأعلنه مرتدا، وبعد ذلك بوقت قصير، أعلن الحرب على أمريكا.
ويماثل هذا دعوات ابنه الحالية للتعبئة في اليمن، وبشكل أعم، محاولة تدشين جهد جديد ضد «آل سعود»، بعد فشل الإصلاحات المقترحة.
وقد روج «بن سلمان» لإصلاح شامل للإسلام، وقال: «لن نهدر 30 عاما أخرى من حياتنا نتعامل مع الأفكار المتطرفة، وسوف ندمرها اليوم»، وكان رده لا يصدق على سؤال حول التفسير «الوهابي» للإسلام، الذي خضعت له السعودية منذ تأسيسها، وعندما سئل عن ذلك، قال: «لا أحد يستطيع تحديد ما هي الوهابية، لا توجد وهابية».
وخلال جولة «بن سلمان» في الغرب، أصدرت القاعدة نشرة أعلنت أن «محمد بن سلمان يعمل بكل جهد نيابة عن الغرب الصليبي وأهدافه»، وأعلنوا دعمهم لرجال الدين السعوديين، ودعوهم للوقوف و«قول الحقيقة في وجه الطاغوت».
وبالإضافة إلى ذلك، صدر أحدث إصدار لنشرة القاعدة، «النفير»، التي تم إصدارها مع اقتراب جولة «بن سلمان» من نهايتها، ودعا «العلماء الحقيقيين» للوقوف في وجه «الإسلام المعتدل والمنفتح» السعودي، والذي وصفوه بـ«الإسلام الأمريكي».
وتعرف «القاعدة» أنها لن تكسب دعم رجال الدين الصريح، لكنها مع ذلك تسعى إلى الضغط عليهم، وفي حال بقوا سلبيين، فسوف ينتقدهم «حمزة» و«الظواهري»، كما فعل «أسامة» مع «بن باز».
وتعتقد «القاعدة» أنها إذا استطاعت إقناع عدد قليل من رجال الدين الأصوليين الراديكاليين بقبول الدعوة، فإن الانفصال بين رجال الدين وآل سعود قد يمهد الطريق لانهيار النظام.
ماذا بعد؟
والسؤال الرئيسي، بالطبع، هو ما إذا كان هناك صدى لنداءات «القاعدة»، وهو أمر مستحيل تحديده في هذا الوقت، وسيكون قياس فعالية حملة الدعاية لـ«القاعدة» أمرا صعبا بشكل خاص، لأن المجموعة تدعو إلى عمل سري، وليس على العلن.
وعلى النقيض من نهج «تنظيم الدولة» الأكثر علنية، تدعو حملة «القاعدة» إلى الصبر وإنشاء الخلايا السرية في المملكة، مع خيار الهجرة إلى الملاذ الآمن في اليمن.
ومع ذلك، هناك سبب للاعتقاد بأن المجموعة تتمتع ببعض النجاح الأولي؛ ففي شهر مارس/آذار، قتل ناشطو القاعدة 4 من قوات الأمن السعودية، عندما أوقفتهم عند نقطة تفتيش، ما يشير إلى وجود مثل هذه الخلايا السرية.
وفي رحلته الأخيرة إلى السعودية، أوضح وزير الخارجية «مايك بومبيو» أن «الفراغ الأمني» و«تدهور الأوضاع الإنسانية» في اليمن قد ساعد على تعزيز أعداد القاعدة وعلاقاتها بالقبائل التي تقاتل إلى جانبها.
والآن، أصبح تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، الذي كاد يهلك خلال الربيع العربي، يمتلك أكثر من 4 آلاف مقاتل، على الرغم من زيادة الهجمات الجوية ضدهم في عام 2017 بـ5 أضعاف، ولا تزال المنظمة ممولة تمويلا جيدا، وتعد واحدة من التهديدات الرئيسية للولايات المتحدة.
ولن تساعد الولايات المتحدة وحلفاؤها السعودية إذا قدمت الدعم المطلق الكامل للنظام الملكي والتحول الاجتماعي من الأعلى إلى الأسفل.
وإذا لم تصل آثار الإصلاحات المقترحة إلى المواطن العادي، فإن دعاية «القاعدة» سيكون لها التأثير الأكبر، وقد يستشهد «حمزة بن لادن» وغيره من أيديولوجيي «القاعدة» بالتغييرات في الكتب المدرسية، وقيادة النساء، والفصول الدراسية المختلطة بين الجنسين، وإدخال السينما، كدليل على أن «بن سلمان» عميل أمريكي، وسوف يزعمون أن خطط التغييرات الهيكلية على المستوى الاقتصادي هي مجرد وعود للحفاظ على رضا الناس.
ولا يمكن هزيمة التهديد السلفي الجهادي العالمي عسكريا، ولا بمجرد الرد على رسالته، وكما أكدت «كاثرين زيمرمان» في معهد «أميركان إنتربرايز»: «يجب أن تركز الولايات المتحدة على الشعب من أجل كسر الروابط القائمة بين السكان السنة والقاعدة السلفية الجهادية».
وبالتالي، على الولايات المتحدة أن تعمل على ضمان أن يتم تنفيذ الإصلاحات المقترحة لـ«بن سلمان» بطريقة مجدية، وأن تساعد المواطنين السعوديين حقا.
وهناك بالفعل مؤشرات على أن سياسات الحكومة التقشفية وخطة الخصخصة لا تعمل كما هو مخطط لها، وهذا، إلى جانب الجهود القوية التي يبذلها الأمير للحد من الميول الدينية السعودية المتشددة، يخلق الظروف التي ستكون «القاعدة» سعيدة للغاية لاستغلالها، وإذا تحول عدد قليل من الدعاة الشعبيين ضد «بن سلمان»، فإن العلاقات بين القاعدة السلفية الجهادية والمجتمع السعودي المحافظ ستتعزز.
وفي الوقت الحالي، يبدو أن الوقت والموارد والزخم موجودان إلى جانب ولي العهد في الرياض، وفي حين يمكن لـ«بن سلمان» في الـ32 من عمره حكم المملكة لـ50 عاما قادمة، ولا يبدو على المدى القريب أن شيئا قد يوقفه عن هذا، فإذا كان لدى «القاعدة» أي شيء تقوله، فسوف يواجه ولي العهد الكثير من التعقيدات في هذا المسار.