جمال خاشقجي- واشنطن بوست-
كتب الصحفي السعودي المقيم في المنفى «جمال خاشقجي» مقالا في صحيفة «واشنطت بوست» انتقد خلاله حملة الاعتقالات التي شنها ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» مؤخرا ضد مجموعة من الناشطين والصحفيين في المملكة وفي مقدمتهم «لجين الهذلول».
واعتبر «خاشقجي» أن الاعتقالات تسلط الضوء على أكبر مأزق يواجه السعوديين وهو أن عليهم التخلي تماما عن حريتهم السياسية وحقهم في إبداء الرأي مقابل الحصول على بعض الحقوق الاجتماعية، كما أشار «خاشقجي» في مقاله إلى أن فرص الإصلاح السياسي والحريات الشخصية في السعودية صارت تتضاءل يوما بعد يوم.
وفي السطور القادمة ننشر ترجمة لمقال الصحفي السعودي.
من العجيب رؤية رموز الإصلاح، الذين بلغوا 60 و70 عاما من العمر، يوصفون بالـ «خونة» على الصفحات الأولى من الصحف السعودية.
وقد تم اعتقال النساء والرجال الذين دافعوا عن نفس الحريات الاجتماعية التي يقدمها ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» الآن في المملكة العربية السعودية، الأسبوع الماضي. ولقد صدمت حملة القمع حتى المدافعين الأكثر قوة عن الحكومة.
وتوضح الاعتقالات المأزق الذي يواجه جميع السعوديين. ونحن مطالبون بالتخلي عن أي أمل في الحرية السياسية، والاحتفاظ بالهدوء بشأن الاعتقالات وحظر السفر، الذي لا يؤثر فقط على المنتقدين بل أيضا على عائلاتهم. وينبغي أن نثني بقوة على الإصلاحات الاجتماعية ونثني على ولي العهد، مع تجنب أي إشارة إلى السعوديين الأوائل الذين تجرأوا على معالجة هذه القضايا منذ عقود.
وكانت اعتقالات الأسبوع الماضي ببساطة تتعلق بالتحكم في السرد. والرسالة واضحة للجميع؛ حيث يجب أن يكون النشاط والدعوة للإصلاح من داخل الحكومة، ولن يسمح بأي صوت مستقل أو رأي مضاد. ويجب على الجميع الالتزام بالخط الحكومي.
فهل هناك طريق آخر يمكن أن نسلكه؟ هل يجب على السعوديين الاختيار بين دور السينما وحقوقهم كمواطنين للتحدث بصوت عال، سواء في دعم أو انتقاد أفعال الحكومة؟ هل كل دور السعوديين هو الاحتفاء بقرارات القائد الفذ ورؤيته المستقبلية، في مقابل الحق في العيش والسفر بحرية لأنفسهم ولزوجاتهم وأزواجهم وأطفالهم أيضا؟
وهل يجب أن نقبل، مع الامتنان، بالإصلاحات الاجتماعية التي طالبنا بها منذ فترة طويلة، مع التزام الصمت بشأن مسائل أخرى، بدءا من المستنقع اليمني، والإصلاحات الاقتصادية المنفذة على عجل، وحصار قطر، والمناقشات حول التحالف مع (إسرائيل) لمواجهة إيران، وسجن العشرات من المثقفين ورجال الدين السعوديين؟
هذا هو الخيار الذي تستيقظ عليه المملكة كل صباح منذ يونيو/حزيران الماضي. ونتساءل عما إذا كانت «لجين الهذلول»، إحدى أبرز الناشطات السعوديات اللواتي تم توقيفهن الأسبوع الماضي، قد فكرت في مثل هذه المعضلات. أو إذا كان محاميها، «إبراهيم المديميغ»، يتعامل مع هذه الصراعات الداخلية أيضا. حيث اتهمهما أمن الدولة وغيرهما بالتورط في أنشطة «تتعدى على الثوابت الدينية والوطنية». وأن المجموعة كان لديها «تواصل مشبوه مع أطراف خارجية تدعم أنشطتها لتجنيد أشخاص يعملون في مناصب حكومية حساسة».
باختصار، على الرغم من امتثالها لأمر الحكومة بالتزام الصمت بشأن نشاطاتها في دعم قيادة النساء، وحتى سماحها لولي العهد وحده ليحمل الفضل في رفع الحظر عن القيادة، إلا أنها مع شركائها يعاقبون على التحدث مع وسائل الإعلام الأجنبية المكلفة بتغطية الحظر وغيرها من التغييرات الاجتماعية في المملكة.
ولا يوجد شيء جديد حول وجود وسائل الإعلام والاتصال بالسفارات الأجنبية؛ حيث يعد هذا حدثا منتظما، ولكن على عكس ما كان قبل عامين أو ثلاثة أعوام، فإن أي اتصال أجنبي ينحرف عن النص الذي تصدره الحكومة يعد خيانة. نعم، خيانة، تلك هي الكلمة التي تم استخدامها للتشهير علنا بأولئك الذين تم اعتقالهم.
ولا يتوافق ما يحدث مع الانطباعات الجيدة عن الانفتاح والإصلاحات التي نجح ولي العهد في تعزيزها خلال زيارته الأخيرة إلى أوروبا والولايات المتحدة. ويقوض ذلك المقابلات التي أجراها مع الصحفيين والاجتماعات غير الرسمية للحديث عن التحرير مع الصحف الكبرى، بما في ذلك صحيفة «واشنطن بوست»، حيث قضى نحو ساعتين يتحدث إلى المحررين حول سياساته الإصلاحية. وربما يكون التعصب الديني الذي شوه صورة السعودية لعقود قد أفسح المجال أمام تعصب جديد وربما أكثر ضررا، وهو الولاء الأعمى للقائد.
ونرجو أن نستيقظ ذات صباح لنجد السعوديين يعبرون عما يدور في أذهانهم حول ما يحدث في المملكة دون خوف. ولكن الآن، بعد هذه الاعتقالات الجديدة، والإذلال العلني لهؤلاء الأفراد، تتضاءل الآمال إلى حد كبير. ولا يمكن للإصلاحات الاجتماعية التي تهم المملكة أن تكون على حساب المساحة العامة التي كانت متاحة للناس للمناقشة والحوار. ولا يجب أن يكون القمع والتخويف، ولا ينبغي أبدا أن يكونا، موجهين للصحفيين والناشطين الداعمين للإصلاح أو لغيرهم.