هاف بوست- ترجمة شادي خليفة -
لا يتضمن خطاب ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» اعتذارا عن الكثير من الأمور.
وفي العام الماضي، قتلت حكومته المدنيين في اليمن، واختطف رئيس وزراء لبنان، وأنفق 450 مليون دولار من مصدر غير معروف على لوحة أثناء اعتقاله مئات الأشخاص بسبب الفساد المزعوم، ولقد دافع علانية عن تلك الأعمال.
ولكن هناك أمر واحد يظهر ولي العهد الندم أثناء الحديث عنه ألا وهو الإسلام، أو على الأقل النسخة المسيطرة منه في بلاده، وكما قال مؤخرا لبرنامج «60 دقيقة»: «لقد كنا ضحايا».
ويتلاعب ولي العهد بالحكومات والمواطنين، والأهم من ذلك، المستثمرين، بشكل صريح، حين يدغدغ مشاعرهم حول دوره في مواجهة كراهية الإسلام العالمية، ومن خلال حديثه عن مشاعر الإحباط لدى المسلمين بسبب العنف الذي يرتكب باسم دينهم.
ويشير «بن سلمان» إلى الإسلام على أنه مشكلة وأنه هو نفسه هو الحل، ومن المفترض أن يشهد هذا الصيف لحظة اختبار حقيقية للمعركة ضد الإسلام الأصولي، والتي يقول ولي العهد إنه يخوضها؛ ففي 24 يونيو/حزيران، ستحصل النساء على الحق القانوني للقيادة في المملكة العربية السعودية.
يتصادم مع حكمه
لكن خطاب الأمير «الإصلاحي» يتصادم مع واقع حكمه، فمنذ 15 مايو/آيار، كانت حكومته تعتقل المدافعين عن حقوق الإنسان، ومن بينهم بعض أبرز الناشطات السعوديات، في حملة تكرس القمع السعودي الذي طال أمده.
وبالنسبة إلى الزعماء المستبدين في دول العالم ذات الأغلبية المسلمة، فإن صورة المسلم المرعب لا تقدر بثمن.
فهي تسمح لهم بالتواصل مع المشككين في الإسلام في الخارج، وتبرر استمرار حكمهم، وهذا النوع من اللغة هي ذاتها التي استخدمها الرئيس السوري «بشار الأسد» بفخر لإعلان نفسه مدافعا عن العلمانية، وهو يشير إلى معارضيه بما في ذلك الناشطون السلميون، باعتبارهم إسلاميين بشكل أساسي.
وقد استثمر الزعماء الديكتاتوريون بشكل خاص في تلك اللغة بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول، التي دفعت إلى البحث حول جذور الإرهاب، وفقا لـ«أنيلير شلين»، طالبة الدكتوراه بجامعة جورج واشنطن، التي تدرس الطريقة التي تميز بها الحكومات في المنطقة نفسها.
وقد راقب هؤلاء القادة الوضع بقلق، لأن أعضاء إدارة «جورج دبليو بوش» قالوا إن مفتاح السلام هو نشر الديمقراطية.
وقالت «شلين»: «لم تكن أنظمة الشرق الأوسط مهتمة للغاية بإلقاء الضوء على أنشطتها أو مشاركة السلطة مع شعوبها»، وفي النهاية، «كانت إدارة بوش مستعدة بشكل كبير لشراء السلعة التي كانت تبيعها الكثير من الأنظمة العربية، وهي ادعاء أن المشكلة ليست في السلطوية، بل الإسلام، وأننا بحاجة إلى تغيير الإسلام».
لذلك وعدت الأنظمة بالتغيير، وتعهد السعوديون بحذف خطاب الكراهية من كتبهم المدرسية، وجمعت الأردن 200 باحث من أجل إعلان التسامح والوحدة بين المسلمين، وفي جميع أنحاء المنطقة، وسعت الحكومات سيطرتها على المواد الدعوية وما يتم مناقشته في المساجد.
وعندما كشفت احتجاجات الربيع العربي عام 2011 عن مدى عدم رضا المسلمين عن حكامهم وتهميشهم، كان المستبدون في المنطقة في مأزق، وبعضهم، مثل «الأسد» في سوريا، و«معمر القذافي» في ليبيا، فضل اندلاع الحروب الأهلية الكابوسية في أرضهم بدلا من الخروج وترك السلطة.
وحاول آخرون أن يكونوا أكثر دهاء حيث عملوا على تعزيز المخاوف الدولية من الإسلاميين الذين اكتسبوا السلطة السياسية لأول مرة حيث جرى الترويج بوضوح لكون هؤلاء الناس ليسوا مستعدين للديمقراطية.
وتعتقد «شيلين» أن هذه الحجة معيبة، لأنها ترى أن الأنظمة غير الديمقراطية العنيفة تقوم بإلهام المزيد من العنف في مجتمعاتها.
تزييف التاريخ
ويجادل البعض أن اتخاذ خطوات كبيرة نحو الاعتدال صعب بشكل خاص على حكام المملكة العربية السعودية، في حين يدعي ولي العهد أن المملكة لم تتبن التفسير الصارم للإسلام إلا بعد أن بدأت إيران في القيام بذلك عام 1979، لكن الحقيقة هي أن مؤيدي النسخة المتشددة كانوا متحالفين مع العائلة المالكة لأكثر من 200 عام.
ودعم هذا التحالف بقاء نظام تكون فيه أسرة «آل سعود» ورجال الدين المقربون منهم أقوياء، وظل هذا هو أولوية ولي العهد القصوى، وهو يفوض أولئك الذين يعملون لصالحه لمعاقبة حتى أدنى تعليق على سلوك النظام، وهو يرى أن أي تحرك بعيدا عن العقيدة التي ترعاها الدولة لن يجعل المجتمع أكثر استقرارا.
وفي الخارج أيضا، من غير الواضح أن تعهدات ولي العهد بالتغيير ستساعد في الحد من التشدد.
وقد زعمت الجاليات المسلمة من إندونيسيا إلى كوسوفو أن النفوذ السعودي مسؤول عن الأصولية التي لم تكن موجودة من قبل.
وأصبحت مراكز الدعوة السعودية أكثر نشاطا بعد أن بدأت إيران تحدي هيمنتها الإقليمية، واعترف «بن سلمان» بذلك، لكن نفوذ الحكومة السعودية على الدعاة والكتب والمراكز في الخارج، التي تتلقى تمويلا سعوديا، بدأ بالفعل في التراجع قبل 11 سبتمبر/أيلول وصعود تنظيم «الدولة الإسلامية».
وليس من الواضح أن كبح التدخل الديني للحكومة السعودية في الخارج أو نفوذ الأفراد السعوديين في بلدان أخرى سوف يعيد تشكيل الإسلام بطريقة سحرية.
ولقد دفع العنف والاغتراب الناس في أماكن مثل تونس وباكستان إلى الجماعات الإرهابية، حتى قبل أن تتدفق البترودولارات السعودية إلى مجتمعاتهم بفترة طويلة، وسوف يستمرون في القيام بذلك بعد فترة طويلة أيضا.
ويجب أن يعلم ولي العهد وغيره من زعماء المسلمين أنهم بحاجة إلى تحسين ظروف المسلمين المعيشية والثقافية قبل لوم التفسيرات المتشددة من الإسلام.
ولا نستثني من ذلك الانقسامات داخل المملكة العربية السعودية، وهي بلد يبلغ تعداد سكانها 20 مليون نسمة، وهي مركز للتجارة العالمية في الطاقة والأسلحة.
فلن يؤدي قمع المثقفين وإذكاء النزعة القومية ضد إيران ووصم الناشطين إلى استقرار البلاد، ولن تصبح تدفقات رأس المال الأجنبي التي يرغب بها ولي العهد هدفا سهلا.
وسيتطلب التغيير الحقيقي إعادة التفكير في «الممارسة» السعودية بالكامل، وليس فقط الجانب الديني منها.