ملفات » الطريف إلى العرش

بعد ألمانيا.. هل تنشب أزمة سعودية فرنسية بسبب «الحريري»؟

في 2018/05/30

الخليج الجديد-

هل يصل قطار الخريف السعودي الأوروبي إلى محطة جديدة، بعد أن ظل فترة في ألمانيا؟ بات السؤال السابق مهما في ضوء ما يمكن أن نعتبره بوادر أزمة جديدة بين الرياض وباريس، قد تكون شبيهة بأزمتها مع برلين، فالبدايات تقريبا واحدة، ومسببها أيضا واحد.

منذ أيام، وخلال مقابلة تليفزيونية مع محطة «BFM» الفرنسية، أكد الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» أن السعودية كانت تحتجز رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري»، بعد وصوله إلى المملكة في 3 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وأن تدخل فرنسا أدى إلى إطلاق سراحه، ومنع حرب أهلية كانت ستندلع في لبنان.

«ماكرون» قال نصا: «أذكر.. رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري تم التحفظ عليه في السعودية لأسابيع عدة».

وأضاف: «لو لم يكن صوت فرنسا مسموعا لاندلعت الحرب في لبنان، هذه هي الدبلوماسية الفرنسية، وهذا هو توجهنا، توجهت إلى الرياض لإقناع ولي العهد السعودي، وبعدها استدعيت رئيس وزراء الحريري، وهو ما جعل لبنان يخرج من أزمة خطيرة».

تكذيب سعودي

تصريحات الرئيس الفرنسي استدعت ردا من الرياض، والتي نفت صحتها، وأكدت -على لسان مصدر بالخارجية السعودية- أن ما ذكره الرئيس الفرنسي غير صحيح.

وقال المصدر إن السعودية كانت ولا تزال تدعم استقرار وأمن لبنان وتدعم «الحريري» بكل الوسائل، حسب وكالة الأنباء السعودية «واس».

وأضاف أن كل الشواهد تؤكد بأن من يجر لبنان والمنطقة إلى عدم الاستقرار هو إيران وأدواتها مثل ميليشيا «حزب الله» المتورط في اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق «رفيق الحريري» وقتل مواطنين فرنسيين في لبنان، إضافة إلى مد إيران للميليشيات الإرهابية بما فيها ميليشيات «الحوثي» بالأسلحة والصواريخ الباليستية التي تستخدمها ضد المدن السعودية.

واختتم المصدر المسؤول تصريحه بأن المملكة تتطلع للعمل مع الرئيس الفرنسي لمواجهة قوى الفوضى والدمار في المنطقة، وعلى رأسها إيران وأدواتها.

أزمة ألمانيا

وكانت أزمة احتجاز «سعد الحريري» في السعودية محورا لتوتر بين السعودية وألمانيا، حينما خرج وزير الخارجية الألماني السابق «زيغمار غابريل»، وكان لا يزال في منصبه، منتقدا المملكة بشدة، قائلا إن أوروبا «لا تنظر بعين الرضا إلى المغامرات السعودية في المنطقة»، معلقا على واقعة احتجاز رئيس الوزراء اللبناني، بالقول إن السعودية «حاولت استخدام لبنان كبيدق في مواجهتها ضد إيران».

تصريحات وزير الخارجية الألماني دفعت الرياض إلى اتخاذ منحى تصعيدي لافت، حينما قررت استدعاء سفيرها من برلين للتشاور، وكذلك تسليم السفير الألماني بالمملكة مذكرة احتجاج رسمية على تصريحات «غابريل»، ولم تعد سفيرها إلى ألمانيا حتى الآن.

التصعيد السعودي ضد ألمانيا أخذ جوانب أخرى غير رسمية، تمثلت  -بحسب وسائل إعلام وممثلي شركات ألمانية- في قرار من الرياض بالتضييق على عمل تلك الشركات بالمملكة، لدرجة أن مجلة «دير شبيغل» الألمانية واسعة الانتشار أشارت في تقرير لها، مؤخرا، إلى قرار من ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» إلى الأجهزة والمؤسسات الحكومية بعدم ترسية أية صفقات على الشركات الألمانية العاملة بالبلاد.

ملاحظات مهمة

عند العودة إلى الحالة الفرنسية، ثمة ملاحظات يجب ذكرها هنا:

1- الخطوة الفرنسية في انتقاد السعودية كانت أشد من الألمانية، بداية من صدور التصريح على مستوى الرئيس الفرنسي، وليس وزيرا بالحكومة، كما في الحالة الألمانية، وهو ما قد يستدعي ردا سعوديا أكثر قوة من الرد على ألمانيا، مما يضع الرياض حاليا في موقف حرج، وهنا نتساءل: ما هي الخطوة التي قد يمكن أن تلجأ إليها الرياض للاحتجاج على تصريحات «ماكرون» أكثر من سحب السفير؟

2- تكذيب الرياض رسميا لتصريح أكده الرئيس الفرنسي قد يدفع باريس إلى التصعيد، باعتبار أن القول بكذب الرئيس الفرنسي هو أمر غير لائق في العلاقات مع الرياض، ومستهجن بشكل عام بالعلاقات الدولية.

3- حديث الرئيس الفرنسي وتأكيده على احتمالية نشوب حرب في لبنان، في حال عدم حل أزمة احتجاز «الحريري» يشي بخطورة الخطوة السعودية، وعدم دراسة الرياض لتبعات ما تفعله بالمنطقة، وهو ما يكرس النظرة الأوروبية لولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» على أنه شخص أهوج يجب التعامل معه بمزيج من الحزم والحذر، ما يعد نظرة أوروبية جديدة كليا إلى قيادة السعودية، بعد سنوات طويلة من التعامل مع العاهل السعودي السابق الملك «عبدالله بن عبدالعزيز» كـ«رجل المنطقة الحكيم»، وهو الوصف الذي جاء على لسان وسائل إعلام ألمانية رسمية، حينها.

4- من الواضح أن أزمة احتجاز «الحريري» قد صنعت شرخا بين قيادة الاتحاد الأوروبي والسعودية لن يتم تجاوزه بسهولة، باعتبار أن المسرح اللبناني كان مكانا مريحا للنفوذ الأوروبي، وباعتبار أن أوروبا أيضا ضامنة لمسألة التوازن الحساس في لبنان، بحكم علاقاتها المميزة بكافة أطراف المعادلة اللبنانية، بمن فيهم حلفاء إيران، ونقصد هنا «حزب الله».

5- يبدو أن هذه التطورات الأخيرة تثبت أن الصورة (السيلفي) الشهيرة التي جمعت بين الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي ورئيس الوزراء اللبناني في باريس، خلال زيارة «بن سلمان»، والتي تم توظيفها من دوائر سعودية ضد معارضي ولي العهد الشاب، لم تكن سوى قمة مزينة لجبل جليدي ضخم لا يظهر منه سوى هذا الجزء.

ما هو أفق تصعيد السعودية مع فرنسا بعد ما حدث؟

قبل الإجابة على هذا السؤال، يجب التأكيد على أنه ثمة تحفظ سعودي حالي بالفعل من فرنسا، بسبب سياساتها المقللة من تأثير إيران السلبي بالمنطقة، وتمسكها بالاتفاق النووي الموقع مع طهران في 2015 رغم الانسحاب الأمريكي، علاوة على تعارض المواقف (مؤخرا) بين باريس والرياض حيال الأزمة السورية، وتحديدا حول القوات الأمريكية هناك، والذي تتمسك السعودية بوجودها، باعتبارها عائقا أمام إمكانية توسع إيران هناك، بينما ترى فرنسا أن عدم انسحاب واشنطن عسكريا من سوريا يؤخر حل الأزمة.

من المهم أيضا الإشارة إلى أن خطوات احتجاجية نفذتها السعودية بالفعل ضد فرنسا، كان أبرزها إلغاء ولي العهد «محمد بن سلمان» زيارة كانت مقررة لمجمع «ستاسيون أوف» التكنولوجي الفرنسي، خلال زيارته الأخيرة إلى باريس في أبريل/نيسان الماضي، لبحث فرص استثمارات متوقعة لشركات فرنسية في المملكة، وهو ما أصاب الرئيس الفرنسي بالإحباط، بحسب صحيفة «لي تريبيون» الفرنسية.

خطوة «بن سلمان» تلك قد تفسر جزءا من الرد السعودي المحتمل على التصعيد الفرنسي المفاجئ بالحديث عن احتجاز «الحريري» في المملكة، حيث من المتوقع أن تلجأ السعودية إلى التضييق على الشركات الفرنسية العاملة على أراضيها، تأسيا برد فعلها ضد ألمانيا.

ما هو حجم الاستثمارات الفرنسية في السعودية؟

وفقا لما أعلنته الهيئة العامة للاستثمار في السعودية، في أبريل/نيسان الماضي، تتجاوز استثمارات فرنسا في المملكة 80 مليار ريال.

وتعد فرنسا من أبرز الدول المستثمرة في المملكة، في قطاعات عدة، كالطاقة، والمياه والصرف الصحي، والأدوية، والنقل، وتقنية المعلومات، والبنى التحتية، بالإضافة بالطبع إلى الاستثمارات العسكرية.

وأوضحت الهيئة أن عدد المشاريع الفرنسية المرخصة في المملكة بلغ نحو 179 ترخيصا استثماريا.

وتوجد أكثر من 80 شركة فرنسية عاملة بالسعودية، توظف أكثر من 27 ألف موظف، من السعوديين والمقيمين، وتحقق تلك الشركات نسبة عالية من «السعودة» مقارنة بباقي الشركات الأخرى، وفقا لتصريح سابق من رئيس مجلس الأعمال السعودي الفرنسي «محمد علي بن لادن».

أما في المجال العسكري، فتعد السعودية أحد أكبر زبائن سوق السلاح الفرنسي، ولدى الشركات الفرنسية الدفاعية، مثل داسو وتاليس عقودا ضخمة مع المملكة.

وفي السنوات القليلة الماضية اشترت الرياض دبابات وعربات مدرعة وذخيرة ومدفعية وسفنا حربية من فرنسا.

وفي عام 2016 أقرت فرنسا تصاريح بتوريد أسلحة ربما تصل قيمتها إلى 18 مليار يورو (22.11 مليار دولار) للسعودية وسلمت بالفعل ما قيمته مليارا يورو.

وكشأن ألمانيا، تشهد فرنسا حملات حقوقية وشعبية تطالب بمنع بيع السلاح إلى السعودية، بسبب حرب اليمن وتجاوزاتها الإنسانية، بحسب منظمات فرنسية.

ومنذ أسابيع، أشار استطلاع للرأي أجراه معهد «يوغوف» إلى أن 3 من كل أربعة فرنسيين (74%) يعتبرون أنه «من غير المقبول أن تبيع فرنسا السعودية معدات عسكرية»، بينما ترى غالبية ساحقة منهم (88%) أن على فرنسا وقف تصدير أسلحة إلى دول يمكن أن تستخدم فيها ضد سكان مدنيين.

واقعيا، لا تختلف خريطة العلاقات السعودية الفرنسية كثيرا عن خريطة العلاقات السعودية الألمانية، لكن الفرق هنا هو أن العلاقات بين الرياض وباريس لها أهمية أكبر بشكل نسبي من العلاقات مع برلين، بسبب خصوصية باريس في استراتيجية السعودية للتواصل مع أبرز القوى العالمية، وهو ما دلل عليه حرص «بن سلمان» على زيارة فرنسا ضمن جولته الخارجية الأخيرة، في حين لم يزر ألمانيا.

تعد فرنسا هي زعيمة الاتحاد الأوروبي، بعد خروج بريطانيا منه، وتليها مباشرة ألمانيا، وهو ما يجعل الرد السعودي المحتمل على تصعيد الرئيس الفرنسي الأخير محسوبا للغاية، وإن كان أغلب الظن أنه لن يتجاوز (التلويح) بالتضييق على الاستثمارات الفرنسية بالمملكة، ولكن بوتيرة أقل مما يحدث مع الشركات الألمانية حاليا.

ولا تستطيع الرياض المغامرة الآن بتوتير العلاقات مع فرنسا، بعد ألمانيا، كي لا يزيد ما يمكن اعتباره تقاربا أوروبيا مع إيران، وهو ما ظهر بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، وتمسك أوروبا –لاسيما فرنسا وألمانيا– به.