فايننشال تايمز- ترجمة زياد محمد -
في الأسبوع الماضي، اعتقلت السعودية الناشطات الأبرز في البلاد، وفي هذا الأسبوع مرّرت المملكة قانونًا طال انتظاره لمناهضة التحرش والذي قامت الناشطات المحتجزات بحملة لأجله.
تسلط هذه القرارات الضوء على التناقض السعودي، حيث وعد ولي العهد «محمد بن سلمان» بتحديث بلده المحافظة، فمن جهة يتم تخفيف القيود الاجتماعية، ومن جهة أخرى، يتضاءل الهامش الصغير الذي كان موجودا في السابق للمعارضة بسرعة.
والنتيجة هي تصاعد مناخ الخوف بين المدونين والناشطين، حتى في الوقت الذي يتلقى فيه ولي العهد البالغ من العمر 32 عامًا الثناء على خططه لإصلاح الاقتصاد المعتمد على النفط في المملكة وإشراك الشباب السعودي في سوق العمل.
يقول أحد الناشطين: «الوضع سيئ والناس خائفون للغاية من التواصل مع بعضهم البعض، الجميع متوترون والجميع قلقون، وبعض معارفي يخبرونني أنهم أعدوا حقائب سفرهم بالفعل».
مفارقات في السعودية
ومن الللافت أن ناشطات وناشطي حقوق المرأة الذين تم احتجازهم في الأسبوع الماضي والبالغ عددهم أكثر من عشرة، كانوا في طليعة الحملة ضد الحظر المفروض منذ عقود على السائقات من النساء، وقد أدى القبض عليهم إلى صدمة وارتباك لدى العديد من الأشخاص، مع حدوث ذلك قبل أسابيع فقط من رفع الحظر في 24 يونيو/حزيران القادم.
وقالت «ليز ثروسل»، المتحدثة باسم المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان هذا الأسبوع: «بالنظر إلى التخفيف الكبير لبعض القيود المفروضة على أنشطة المرأة في السعودية في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك الإنهاء المنتظر للحظر على قيادة المرأة، فإن استهداف السلطات الرجال والنساء الذين شاركوا في حملات لأجل هذه التطورات الإيجابية يعد أمرا مربكا».
وقد فشل قانون مكافحة التحرش لسنوات في الحصول على الدعم بسبب مقاومة قوية من رجال الدين المحافظين الذين عارضوا ذلك على أساس أنه سيشجع الاختلاط بين الجنسين، لكن الملك «سلمان» أمر وزارة الداخلية بصياغة التشريع بعد أن قررت الرياض رفع الحظر عن قيادة النساء، وبدا من الضروري منع الرجال من مضايقة السائقات.
وفاز ولي العهد بالاستحسان في الداخل والخارج بعد إعلانه في شهر سبتمبر/أيلول أن النساء سوف يتمكننّ أخيراً من الركوب خلف عجلة القيادة.
لكن قبل أيام من ذلك، اعتقلت السلطات ما يقرب من 24 من رجال الدين والأكاديميين ورجال الأعمال، متهمة إياهم بتنفيذ أنشطة استخبارية «لصالح أطراف أجنبية ضد أمن ومصالح المملكة»، وبقي معظمهم خلف القضبان.
بعد ذلك بشهرين، تم اعتقال المئات من الأمراء والمديرين التنفيذيين والمسؤولين الحكوميين السابقين واحتجزوا في فندق ريتز كارلتون في الرياض في عملية استثنائية تم إطلاقها ظاهريًا لمواجهة الفساد، وقد تم إطلاق سراح العديد من هؤلاء المعتقلين بعد عدة أشهر عندما وصلوا إلى تسويات مالية شملت تسليم الأموال والأصول إلى الدولة.
دوافع الحكومة الحقيقية
وقالت السلطات إن الناشطات في مجال حقوق المرأة -الذين تعرضوا للذمّ في الصحافة السعودية الموالية للحكومة- اعتقلوا لأنهم كانوا «على اتصال مشتبه بهم مع الكيانات الأجنبية» لزعزعة استقرار المملكة، واتهمت الرياض الناشطين بتجنيد أشخاص يعملون في وظائف حكومية حساسة وتقديم دعم مالي للعناصر المعادية في الخارج.
ومن بين المعتقلات «عزيزة اليوسف»، وهي محامية مخضرمة في مجال حقوق المرأة، و«إيمان النفجان»، وهي لغوية معروفة بمدونتها «سعوديومان» و«لجين الهذلول» التي اعتقلت أول مرة منذ أربع سنوات عندما حاولت القيادة من الإمارات إلى السعودية.
وقال الناشطون إن الاعتقالات تمت لأن الحكومة لم تكن ترغب في تشجيع فكرة أن قرارها بشأن السائقات كان مكافأة لمن يقومون بالحملة، أو بشكل أوضح فإنها لم تود أن يشاركها أحد الفضل.
لكن بعض المحللين المرتبطين بالحكومة تكهنوا بأن حملة القمع نفذت لاسترضاء المحافظين الذين تضاءل نفوذهم مع توطيد ولي العهد لسلطته وتعهده بتشكيل مجتمع أكثر تسامحًا دينياً.
وكان الأمير «محمد» قد كبح جماح الشرطة الدينية التي كانت تثير الخوف في السابق، وسمح لدور السينما بفتح أبوابها، ووعد بالدفع للمزيد من خيارات الترفيه للشباب السعودي، وقد أعلنت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن - أكبر جامعة عامة للعلوم والهندسة بالمملكة - الأسبوع الماضي أنها ستسمح للطالبات بالتسجيل لأول مرة في تاريخها.
لكن منتقدي الحكومة يرفضون فكرة أن اعتقال الناشطين كان يهدف إلى استرضاء المحافظين.
فقد قال «جمال خاشقجي»، وهو صحفي سعودي مخضرم يعيش الآن في منفى ذاتي في واشنطن: «من السخف وغير المقنع أن يقولوا إنهم فعلوا ذلك لاسترضاء المحافظين لأن المحافظين تم إخراسهم ولم يعودوا يتحدثون، أميل إلى الاعتقاد بأن الأمر يتعلق بالتحكم في السردية، إنهم يريدون أن تكون سردية الإصلاح حصرياً حول محمد بن سلمان وليس أي شخص آخر».
ويقول ناشطون إن بعض الناشطين في مجال حقوق المرأة قد أفرج عنهم في الأيام الأخيرة، لكن السلطات طلبت منهم ألا يتحدثوا أو يتواصلوا مع أي شخص.
وقال أحد الناشطين: «هذا عدوانيّ للغاية، إنك تشعر بأن هذا أمر انتقامي بطبيعته، لقد أرادوا حقاً إيذاءهم».