بروس ريدل - المونيتور-
بعد مرور عام على صعود «محمد بن سلمان» إلى ولاية العهد، لايزال الأمير الشاب البالغ من العمر 32 عاما يعتمد على شرعية والده ومؤهلاته ليصبح الوريث الواضح، وقد جعل الأمير «محمد» عائلة آل سعود مستقطبة أكثر من أي شخصية أخرى في النصف قرن الماضي.
استقطاب في آل سعود
في الصيف الماضي، أزال الملك الأمير «محمد بن نايف» من منصب ولي العهد في المملكة بدون أي تفسير ورفع ابنه مكانه، وكان «بن نايف» قد نجح في هزيمة تنظيم «القاعدة» في السعودية، وإحباط العديد من الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة وأوروبا، كما نجا من عدة محاولات لاغتياله. ومنذ إبعاده من خط الخلافة، وضع تحت الإقامة الجبرية وتمت مراقبة جميع اتصالاته، وقيدت قدرته على التواصل مع الغرباء، كما تم تجميد حساباته المصرفية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وسيطر جناح «نايف» من العائلة المالكة السعودية على وزارة الداخلية منذ السبعينيات، مؤسسا بيروقراطية هائلة مليئة بالبشر الذين يدينون بوظائفهم لعشيرة «نايف»، وتقول مصادر أمنية إن معنوياتهم انخفضت منذ أن تمت إزالته.
وقد أكدت مصادر عديدة الآن أن أميرا كبيرا آخر كان رهن الاعتقال منذ موجة الاعتقالات التي وقعت في الخريف الماضي ضد كبار المسؤولين من العائلة المالكة والعائلات البارزة الأخرى في المملكة. ولم يتم اتهام معظم المعتقلين بأية جرائم ولم يطلق سراحهم إلا بعد ابتزازهم لأخذ أموالهم.
تم الكشف مؤخرا عن هوية هذا الأمير المحتجز وهو «تركي بن عبدالله»، الابن السابع للملك الراحل «عبدالله»، الذي تم احتجازه ومنعه من الحصول على المشورة القانونية، ويسمح له فقط بمكالمات هاتفية قصيرة لأسرته، وبحسب ما ورد؛ فقد تعرض مدير مكتبه اللواء «علي القحطاني» للتعذيب حتى الموت.
ولد «تركي» في عام 1971، وأصبح طيارا في سلاح الجو الملكي السعودي وتمت ترقيته إلى قائد سرب، جعله والده نائبا لحاكم الرياض ثم حاكما لها عام 2014.
تعتبر منطقة الرياض هي الأكثر أهمية في المملكة لأن معظم أفراد العائلة المالكة يعيشون فيها، يستطيع حاكمها الوصول إلى كل الغسيل القذر للعائلة المالكة، وهو مصدر قوة هائلة، وكان الملك «سلمان» حاكما للرياض لمدة 50 عاما قبل أن يصبح وليا للعهد.
ويتسبب احتجاز «تركي بن عبدالله» إلى توتر في الأسرة، حيث طالب أخوة الملك غير الأشقاء، «أحمد» و«مقرن»، بشكل خاص إطلاق سراح الأمير «تركي» وتم رفض طلبهم، وهو أمر غير معتاد في عائلة آل سعود.
و«تركي» هو أكبر فرد في العائلة المالكة ما يزال في السجن، وقد اعتقل أخوه «متعب بن عبدالله» في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لكنه أطلق سراحه في وقت لاحق بعد دفعه للمال، وكان يشغل منصب قائد الحرس الوطني السعودي الذي كان والده يشغله منذ الستينيات، كما أن «تركي» هو الرئيس التنفيذي لمؤسسة الملك «عبدالله»، والتي تبلغ قيمة أصولها 20 مليار دولار.
وتعتبر وزارة الداخلية والحرس الوطني السعودي أقوى مؤسستين أمنيتين في المملكة، وكلاهما من وسطاء السلطة الحيويين في العاصمة والمدن المقدسة، وهما يسيطران أيضا على الأسلحة المهمة في السعودية.
ومن بين الأشخاص الآخرين الذين ما زالوا قيد الاحتجاز؛ عضو بارز في عائلة «بن لادن» ومستشار اقتصادي سابق لولي العهد.
ووقعت السابقة الوحيدة لمثل هذا الصراع العائلي في التاريخ الحديث للمملكة في الخمسينيات والستينيات، حيث قام الملك «سعود»، خليفة مؤسس المملكة الحديثة عبدالعزيز آل سعود، بإبعاد إخوانه بفساده وسوء تصرفه.
في عام 1958، بعد مرور خمس سنوات على تولي «سعود» العرش عندما كشف الرئيس المصري «جمال عبدالناصر» عن دور «سعود» في محاولة فاشلة لاغتياله تم استخدامها كنقطة تحول، حيث تم تجريده من كل صلاحياته من قبل أخيه ولي العهد الأمير «فيصل» ولكن لم يجبر على التنازل عن العرش، ومضت خمس سنوات من الصراع العائلي قبل أن يتم إرسال «سعود» أخيرا إلى المنفى ليصبح «فيصل» ملكا بشكل رسمي.
الأمير يحتاج والده
واليوم تنقسم العائلة بعمق، وطالما كان الملك «سلمان» على العرش، فإن احتمال وقوع انقلاب داخل الأسرة هو أمر غير محتمل.
لدى «سلمان» شرعية كبيرة، وهو أكثر مشاركة وأهمية وأقل عجزا مما تشير إليه وسائل الإعلام الغربية، وهو يعطي ابنه مظلة هائلة، وإذا كان سيعيش لعقد آخر، قد يتغير الكثير، أما إذا مات في وقت قريب، فإن كل الرهانات ستنتهي.
ويبقى الاغتيال أحد الاحتمالات، وهناك سابقة في ذلك أيضا وهي اغتيال الملك «فيصل»، وهناك العديد من التقارير التي تفيد بأن ولي العهد كان هدفا لمحاولة اغتيال في أبريل/نيسان، حيث ابتعد عن الظهور العام لمدة شهر تقريبا بعد ذلك، وتبدو القصة كلها غامضة ولكنها تشير إلى حالة عدم اليقين في المملكة، ويقال إن ولي العهد مهووس بأمنه.
مستنقع حرب اليمن
وتعد حرب اليمن هي المبادرة الأكثر تعريفا لسياسة ولي العهد الخارجية، ويأمل السعوديون وحلفاؤهم في أن تكسر المعركة من أجل ميناء الحديدة اليمني الرئيسي الجمود الذي دام ثلاثة أعوام في الحرب، وتعد المعركة محاولة يائسة للخروج من المستنقع الذي يكلف السعودية ثروة طائلة، وقد وضعت الحرب الملايين من اليمنيين على حافة المجاعة وأفادت إيران؛ المنافس الرئيسي للسعودية.
ومن المفارقات الساخرة، أنه كانت هناك حرب أخرى في اليمن قبل 55 سنة، كانت هي القشة الأخيرة في تنحية الملك «سعود»، حيث استخدم «فيصل» تدخل «ناصر» عام 1962 في اليمن لإبعاد «سعود» وتعزيز سلطته، وسافر «سعود» إلى المنفى في أثينا، ولم يعد إلى المملكة أبدا.