واشنطن بوست -
كتب «عبدالله العودة»، نجل الداعية المعتقل لدى السلطات السعودية «سلمان العودة»، مقالا في صحيفة «واشنطن بوست» انتقد خلاله النظام القمعي الذي يؤسسه ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان».
وقال «عبدالله»، في مقاله، إنه منذ تأسيس النظام الحالي في السعودية في الثلاثينات من القرن الماضي، كان الملوك وأولياء العهد إما يقدمون وعودا أو يحاولون تنفيذ نوع ما من الآليات الديمقراطية.
ومع ذلك، يبدو أن ولي العهد الحالي، «محمد بن سلمان»، الذي يُعتبر القائد بين أحدث جيل للعائلة المالكة، عازم على إعادة المملكة إلى قواعد ما قبل السعودية الحديثة؛ حيث أيد الملكية المطلقة بمزيد من الصرامة والإصرار عن أي من أسلافه.
تبني الملكية المطلقة
وأشار «عبدالله» إلى مقابلة ولي العهد السعودي مع مجلة «ذا أتلانتيك» الأمريكية؛ حين قال إن «الملكية المطلقة لا تشكل تهديدا لأي دولة»، وأضاف: «إذا لم تكن هناك ملكية مطلقة، فلن تكون لديك الولايات المتحدة، لقد ساعد النظام الملكي المطلق في فرنسا على إنشاء الولايات المتحدة من خلال دعمها. الملكية المطلقة ليست عدوة للولايات المتحدة، إنها حليف لوقت طويل للغاية».
لكن «بن سلمان» فشل في ملاحظة أن المستعمرات كانت تثور ضد الملكية المطلقة.
ومع هذا الإعلان، تبنى ولي العهد تماما موقف ما قبل الحداثة الذي تم التخلي عنه تقريبا من قبل جميع أسلافه، بما في ذلك جده، الملك «عبد العزيز»، مؤسس السعودية المعاصرة.
وعبر التبشير بالملكية المطلقة والتخلي عن مجرد منح وعد بالديمقراطية، أصبح نهج «بن سلمان» تجاه الملكية طرازا أقدم من نهج جده.
وفي عام 1924، عندما غزا الملك «عبدالعزيز» الحجاز، وهي واحدة من أهم المناطق في شبه الجزيرة العربية حيث تقع مكة المكرمة، فإنه وعد بمجلس منتخب، وسياسة تشاركية تقوم على العقيدة الإسلامية في التشاور، وحرية مطلقة.
وفي المجلس المنتخب الذي اقترحه، كان يفترض بالأعضاء المنتخبين أن يمتلكوا السلطة لمراقبة الإجراءات التنفيذية، والموافقة على الميزانية واقتراح التشريعات.
وفي عام 1926، صاغ الملك «عبدالعزيز» وثيقة تشبه الدستور قدمت إطارا نظريا لدرجة من المساءلة وتقاسم السلطة.
ورغم أن هذه المبادرة نحو الدستورية لم تتحقق في نهاية المطاف، لكن الأمل والإطار النظري للديمقراطية كان ما يزال مطروحا.
وفي عهد الملك «سعود» -الملك الأول بين أبناء «عبد العزيز»- تم تقديم مبادرة لتحويل النظام إلى نظام ملكي دستوري؛ حيث نشر الأمير «طلال بن عبدالعزيز» رسالة احتوت على العناصر الأساسية للملكية الدستورية المقترحة التي كان من المقرر تنفيذها بحلول عام 1960.
وضمنت المبادرة المقترحة حماية حقوق الإنسان والحريات العامة، كما حمت الحق في تأسيس النقابات والاتحادات، وهو حق لم تتم حمايته أو دمجه في أي تشريع سعودي لاحق.
وعندما تم تنصيب الملك «فيصل» رسمياً عام 1964، تم إلغاء المشروع الدستوري.
في عام 1975، أكد ولي العهد حينها، الأمير «فهد»، على الأسس الديموقراطية للإسلام، وعندما أصبح ملكاً في عام 1982، وعد بمجلس يشبه البرلمان وانتخابات شعبية، لكن ذلك لم يحدث ابداً.
مطالبات طويلة الأمد
عندما كان الملك الراحل «عبدالله» وليا للعهد، أحيى الوعود بالديمقراطية والملكية الدستورية في عام 2003، بعد أن وقع عدد من المفكرين والناشطين من جميع جوانب الطيف السياسي عريضة موجهة إليه بعنوان «رؤية لحاضر الأمة ومستقبلها».
وطالبت العريضة بالانتخابات وفصل السلطات وضمانات لحقوق الإنسان ووضع حد للاعتقالات التعسفية في المملكة، وعندما التقى ممثلو المجموعة مع ولي العهد علق على عريضتهم قائلاً: «رؤيتكم هي رؤيتي، ومشروعكم هو مشروعي».
ويؤكد «عبدالله العودة» أن الفترة الماضية شهدت مبادرات مشابهة، وكانت الأكثر شعبية بينها بعنوان «نحو دولة الحقوق والمؤسسات»، الذي قدمه والده المعتقل حاليا «سلمان العودة».
وشكّلت تلك العريضة ذروة النشاط الشعبي في السعودية من أجل الملكية الدستورية والديمقراطية، ومن المحتمل أن الظاهرة التي يشار إليها عادة باسم الربيع العربي كانت بمثابة عامل محفز لشعبية العريضة.
ومع ذلك، فقد تراجع الملك «عبدالله» عن وعوده بعد تولي العرش، حيث لم يقدم وعدا بالديمقراطية هذه المرة.
وعلى التقيض، فإن ولي العهد الحالي «محمد بنسلمان» (32 عاما)، لم يعد إلا بفترة طويلة من الحكم الملكي المطلق، وقبضة أقوى على السلطة.
السعودية تعود للماضي
ويشير «عبدالله العودة» إلى أن الملوك وأولياء العهد السابقين ربما لم يكونوا متحمسين لاعتناق الديمقراطية أيضا، وربما لم يتحركوا بصدق حيالها، لكن مناورتهم بقبول الديمقراطية كهدف نهائي سمحت بحدوث بعض التفاعل الصحي بين الناس والملوك.
ومع مثل هذه التفاعلات، كانت هناك دائما فرصة عظيمة لإرساء عقد اجتماعي ذي معنى بين الناس والعائلة المالكة من أجل تأسيس مستقبل أكثر ديمقراطية وثباتا.
لكن النهج الحالي نحو تبني الملكية المطلقة يشير إلى تحول دراماتيكي عن الوعود الديمقراطية السابقة التي قدمت بعض الأمل للمستقبل، على الرغم من أن أيا منها لم يتحقق أبدا.
ويختتم «عبدالله العودة» مقاله بالقول: «بالتخلي عن وعد الديمقراطية، قد يكون ولي العهد في طريقه بالفعل إلى جعل السعودية أقرب إلى العصور الوسطى من أي وقت مضى».