ملفات » الطريف إلى العرش

مشايخ تحت عباءة الملك.. السعودية تفصّل "دعوة" على مقاسها

في 2018/07/24

وكالات-

لم تكتفِ السعودية بحملة اعتقالاتها ومضايقاتها ضد المشايخ والدعاة في المملكة، بل ذهبت نحو تضييق الخناق أكثر على الدعوة من خلال محدّدات وشخصيات تتّسق أسماؤها مع "تطلّعات القيادة".

فوزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في المملكة أعلنت، الاثنين (23 يوليو)، أنها بصدد إعداد لائحة لـ"الدعوة والدعاة"؛ بهدف تحديد طرح القضايا الدينية والمجتمعية بما يتناسب مع سياسات المملكة.

جاء ذلك في تصريحات لنائب وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، توفيق بن عبد العزيز السديري، نشرتها صحيفة "عكاظ"، تزامناً مع تصاعد حملة الاعتقالات ضد رجال الدين والدعاة في المملكة.

وما تشهده المملكة بدأ حديثاً منذ تولي محمد بن سلمان منصب ولي عهد السعودية، في يوليو 2017، لتنطلق معه المملكة نحو عصر الانفتاح الذي ترفضه شريحة واسعة داخل المجتمع المحافظ.

لائحة تُلائم منهج القيادة

وبحسب الصحيفة السعودية فإن السديري قال: إن "أهداف إعداد لائحة الدعوة والدعاة (..) تخليص قطاع الدعوة من الشوائب التي تسلّلت إليه منذ عقود عبر أيدولوجيات حزبية حرفت الدعوة عن هدفها الحقيقي".

وأضاف: "الهدف الأساسي هو العمل بما يتلاءم مع منهج السعودية المؤسَّس على الكتاب والسنة، وكذلك تطلّعات قيادة المملكة ممثّلة بخادم الحرمين الشريفين وولي عهده".

واعتبر السديري أنها "تلبّي تطلّعات أبناء المملكة من طموحات ترتقي ببلادنا إلى مستوى الدول المتقدّمة في مجالات عديدة، ومن أهم ذلك ما يتعلّق بالتنظيم ودقة الأعمال".

وأوضح أن تكوين اللجنة التي من المتوقّع الانتهاء منها ورفعها للوزير في غضون شهر، جاء من أجل "عمل مؤسّسي أكثر تنظيماً في مجال الدعوة، وجمع شتات المتفرِّق من قواعد العمل والتعليمات والتعاميم السابقة".

تكهّنات اللائحة الجديدة

السديري لم يذكر صراحة الأسماء والشخصيات والمحدّدات التي ستضمّها اللائحة الجديدة، لكن بالنظر إلى أهدافها يمكن استقراء ملامح عريضة للشيوخ الجدد.

وكما قال السديري فإن إعداد القائمة الجديدة سيتلاءم مع تطلّعات قيادة المملكة؛ فمن هنا يمكن الإشارة إلى أولئك الدعاة الذين ركبوا موجة التصريحات والمواقف التي تتوافق مع السعودية الجديدة.

ومن هؤلاء الدعاة: عائض القرني، وعبد الرحمن السديس، ومحمد العريفي، وعبد الله المطلق، وعادل الكلباني، وصالح بن عبد اللطيف آل الشيخ، وصالح الفوزان.

فهؤلاء الدعاة برزت مواقفهم خلال العام الأخير، وتحديداً بعد تولّي بن سلمان، في وقت وجد آخرون من المشايخ أنفسهم داخل السجون بسبب تغريدهم خارج السرب.

وقيَّدت السلطات السعودية دور المشايخ والدعاة المعتدلين الذين ينتقدون سياسة بلادهم حول العديد من القضايا الداخلية والخارجية، ويدعون الشباب السعودي إلى الالتزام بالقيم الدينية والاجتماعية، وعدم مجاراة "الانفتاح".

وفي المقابل فتحت الباب أمام آخرين أبدوا حرصهم على التقرّب من "ولاة الأمر"، تاركين خلفهم تاريخاً طويلاً من التناقض في المواقف السياسية والاجتماعية والشرعية.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المؤسّسة الدينية في السعودية، التي كانت على مدار عقود سابقة صاحبة الحق بتفسير الإسلام، مدعومة من العائلة الحاكمة، ومستفيدة من ثروات النفط الهائلة لتركيز سيطرة السعودية ونشر مذهبها بعموم العالم.

ويعود تحالف رجال الدين والعائلة المالكة إلى تأسيس الأسرة السعودية في القرن السابع عشر، ومنذ ذلك الحين حكمت العائلة بتوجيه من رجال الدين الذين منحوا حكم آل سعود الشرعية الدينية.

واستمرّ هذا التحالف من خلال تأسيس المملكة السعودية في عام 1932، حيث تشكّلت الدولة السعودية بصيغتها الإسلامية الصارمة، والتي تتحوّل اليوم شيئاً فشيئاً.

لكن ذلك تغيّر مع ظهور بن سلمان، وتجاهله الواضح لقرارات المؤسّسة الدينية التقليدية؛ فبعد تقليصه صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف أنشأ هيئة أخرى للترفيه سمحت بالموسيقى والعروض الغنائية والحفلات المختلطة.

وجرّد الأمير الشاب الشرطة الدينية، أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من صلاحياتها، وأعلن بنفسه نيّته العودة بالسعودية إلى "الإسلام الوسطي"، حسبما سماه.

اعتقالات وإجراءات استباقية

وسبق اللائحة الجديدة التي سينتهي إعدادها في غضون شهر، وفق السديري، إجراءات وحملات اعتقالات طالت عدداً من المشايخ وطلبة العلم في المملكة.

آخر تلك الإجراءات كان منع السلطات السعودية الداعية عبد العزيز الفوزان من السفر والنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، في حين توقّع ناشطون في المملكة تصعيد العقوبات ضده، وفق ما أعلن حساب "معتقلي الرأي".

وبالفعل، لم ينشر الفوزان على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي أي تغريدة، وكان آخر ما كتبه بتاريخ 21 يوليو الجاري: "أحبتي في كل مكان. لا تنسوني من صالح دعواتكم. وحسبنا الله ونعم الوكيل".

والتضييق على الفوزان جاء بعد حملة اعتقالات واسعة طالت عدداً من المشايخ وطلبة العلم في السعودية، وكان أبرزهم الباحث والمفكّر سفر الحوالي، وشيخ المسجد النبوي السابق الشيخ الدكتور علي بن سعيد الغامدي.

والخميس الماضي، اعتقلت السلطات السعودية سفر الحوالي وثلاثة من أبنائه، واقتادتهم إلى جهة غير معلومة، وفق ما أكّد نشطاء سعوديون، من بينهم حساب "معتقلي الرأي"، على موقع "تويتر".

الحوالي (68 عاماً)، نشر كتاباً بعنوان "المسلمون والحضارة الغربية"، تحدَّث فيه عن المليارات التي أنفقتها السعودية ودول الخليج على الولايات المتحدة خلال زيارة دونالد ترامب الرياض، منتصف عام 2017.

وأثار هذا الكتاب حفيظة السلطات السعودية، حيث هاجم فيه الداعية سياسات الحكومة السعودية التي "تنفق" المليارات على الغرب، الذين بدورهم يحاربون المسلمين.

وفجر السبت الماضي، اعتقلت السلطات السعودية الشيخ الغامدي مع أخيه ومحاميه ونحو خمسة من المشايخ وطلبة العلم الذين كانوا في منزله عندما دهمه أفراد من جهاز أمن الدولة.

وكما جرت العادة فإن السعودية تتكتّم على أسباب الاعتقال، لكن نشطاء يتوقّعون أن ذلك قد يكون متعلّقاً بعدم انصياع هؤلاء إلى أوامر ولي العهد.

وشهدت المملكة، خلال الأشهر القليلة الماضية، اعتقال عدد من النشطاء والحقوقيين الذين حاولوا فيما يبدو التعبير عن رأيهم المعارض لما تشهده السعودية من تغييرات.