إنترناشونال بوليسي دايجست-
بعد محاولتها طويلة الأمد للسيطرة على الإعلام العربي، ومعركتها مع قناة «الجزيرة» القطرية، دخلت المملكة العربية السعودية رحلة جديدة للهيمنة على المشهد الإعلامي في الشرق الأوسط لغير الناطقين بالعربية.
وفي أعقاب تركيز الأمير «محمد بن سلمان» على السيطرة على وسائل الإعلام العربية المملوكة لسعوديين، في إطار حملة مكافحة الفساد وانتزاع الأصول، أعلنت المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، هذا الأسبوع، عن شراكة مع موقع صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، لإطلاق خدمات باللغة الأردية والتركية والفارسية والعربية.
ولم يقدم الإعلان أي تفاصيل عن نموذج العمل، رغم أن هذه الصفقة ترقى إلى مستوى ترخيص الناشر البريطاني لعلامته التجارية ومحتواه لشريك سعودي.
ومن المقرر أن يتم إنتاج الجزء الأكبر من المحتوى من قبل صحفيين من المجموعة السعودية في لندن وإسلام أباد واسطنبول ونيويورك، بينما يساهم «الإندبندنت» فقط بالمقالات المترجمة من موقعه باللغة الإنجليزية.
وستقوم هذه المواقع، التي يتم تشغيلها خارج الرياض ودبي، بإنتاج «أخبار وأفكار وتحليلات مستقلة عالية الجودة، وحرة التفكير، في الشؤون العالمية والأحداث المحلية»، كما قالت «الإندبندنت».
وتنشر المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق صحيفة «عرب نيوز» الصادرة باللغتين الإنجليزية والعربية، وصحيفة الشرق الأوسط الصادرة باللغة العربية، التي تعمل ضمن قيود الرقابة السعودية الصارمة التي لا تتحدى السياسات السعودية.
ويترأس الأمير «بدر بن عبد الله بن محمد بن فرحان آل سعود» المجموعة السعودية، وهو عضو غير معروف في العائلة الحاكمة السعودية، كان قد تصدر عناوين الصحف العام الماضي عندما دفع مبلغ 450 مليون دولار مقابل لوحة للفنان «ليوناردو دا فينشي»، بزعم أنه وكيل لولي العهد «محمد بن سلمان».
وفي العام الماضي، اشترى «سلطان محمد أبو الجدايل»، وهو مصرفي سعودي لا يتمتع بسجل حافل في عمليات الاستحواذ على وسائل الإعلام، 30٪ من أسهم شركة «الإندبندنت». وقال المدير التنفيذي لشركة «الأهلي كابيتال»، وهي شركة تابعة للبنك الأهلي التجاري الذي تسيطر عليه الحكومة، إنه كان يستثمر أمواله الشخصية في ذلك الوقت.
نمط سعودي
وفي عام 2015، وثقت تسريبات دبلوماسية سعودية عام 2015 نمطا من دبلوماسية سعودية تهدف إلى شراء تغطية إيجابية للمملكة في وسائل الإعلام الأوروبية والشرق أوسطية والأفريقية، حيث تم فرض الضيوف السعوديين «الموالين للحكومة» في البرامج الحوارية لمكافحة «الإعلام المعادي للمملكة».
وتراوح التمويل السعودي من إنقاذ وسائل الإعلام المتعثرة ماليا إلى التبرعات، إلى شراء الآلاف من الاشتراكات، إضافة إلى الرحلات مدفوعة التكاليف بالكامل إلى المملكة.
وغالبا ما كانت هذه الجهود مدفوعة بحرب الدبلوماسية العامة السعودية السرية ضد إيران.
وفي عام 1996، مع إطلاق قناة «الجزيرة» وعروضها الصحفية الحوارية الحادة، قام «وليد بن إبراهيم الإبراهيم» بإطلاق قناة «العربية».
وقد عزز صعود قناة «الجزيرة» إدراك المملكة أنها بحاجة إلى التوسع من الإعلام المطبوع إلى البث، وكانت الحاجة إلى البث مدفوعة في البداية باحتياجات الداخل قبل 6 أعوام عندما غزت العراق الكويت.
ومنعت السلطات السعودية الإعلام السعودي من الحديث حول الغزو، لتكتشف في اليوم الثالث أن السعوديين يحصلون على أخبارهم من وسائل الإعلام الأجنبية، ومن بينها «سي إن إن».
وتصاعدت المعركة السعودية القطرية للسيطرة على موجات البث في الفترة التي سبقت نهائيات كأس العالم هذا العام في روسيا.
ومع حظر امتياز قناة «الجزيرة» والشبكة الرياضية «بي إن سبورتس» في المملكة كجزء من المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية التي قادتها المملكة العربية السعودية منذ 13 شهرا على قطر، غضت السعودية في البداية الطرف عن قناة قرصنة تحت اسم «بي آوت كيو»، وهي قناة سرقت مواد «بي إن» القطرية وبثت من خارج المملكة، رغم أنها استخدمت قمر صناعي مشترك تملكه الحكومة السعودية.
وبعد تهديدها من قبل «الفيفا» باتخاذ إجراء عقابي، بدأت المملكة في اتخاذ إجراءات صارمة ضدها، وقالت إنها ترحب بالإجراءات القانونية التي بدأتها هيئة كرة القدم العالمية في المملكة.
وفي الوقت نفسه، استكشفت السعودية طرقا لتحدي حقوق البث الخاصة بالشبكة.
ويشير تطور مواقع «الإندبندنت» إلى أن المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق ترى أن الصفقة تعزز علامتها التجارية، وتدعم المملكة في معاركها مع قطر وإيران، والسعي إلى الهيمنة الإقليمية.
وتستهدف السعودية إطلاق موقع على الإنترنت باللغة الفارسية منافسة إيران.
وإذا تركنا السياسة جانبا، فمن غير المحتمل أن يوافق الإيرانيون على الإعلان عن موقع إلكتروني يتحدث بلسانهم ضدهم، كذلك قد تثير النسخة التركية غضب الرئيس «رجب طيب أردوغان»، ولا يجب إغفال حقيقة أن تركيا تدعم قطر في الخلاف الذي يحيط بالدولة الخليجية ضد المملكة العربية السعودية وحلفائها، وتحافظ على علاقات وثيقة مع إيران، وتتحدى الطموحات السعودية الإقليمية في فلسطين والقرن الأفريقي.
ومن نواح عديدة، فإن باكستان التي تتحدث اللغة الأورية، وهي واحدة من أكبر الدول الإسلامية في العالم من حيث عدد السكان على طول حدود إيران، طالما دعمت المملكة عسكريا، وهي موطن أكبر الأغلبية الشيعية المسلمة في العالم، ويمكن أن تكون العنصر الأكثر ربحا في صفقة «الإندبندنت».
وعلى النقيض من تركيا، فإن المملكة تتمتع بالتعاطف في قطاعات رئيسية من سكان باكستان، وتستضيف جالية باكستانية كبيرة، ولديها دعم قوي بين علماء الدين في البلاد، فضلا عن تمويلها وسائل الإعلام الدينية.
ويقول «هيو مايلز»، مؤلف كتاب «قناة الجزيرة: كيف غيرت الأخبار التلفزيونية العربية العالم»: «تعد القناة طريقة اقتصادية للغاية للتأثير على الناس. إنها أرخص بكثير من البنادق، يتعلق الأمر بالتحكم في الخطاب».
وينطبق تحليل «مايلز» على البث بقدر ما ينطبق على وسائل الإعلام عبر الإنترنت.