ملفات » الطريف إلى العرش

ما العلاقة بين "سعودة" الوظائف وارتفاع الأسعار بالمملكة؟

في 2018/07/25

وكالات-

لا تصنَّف الضرائب الجديدة ورفع أسعار الوقود الذي فرضته المملكة العربية السعودية منذ مطلع العام الجاري، كسببين وحيدين لموجة ارتفاع الأسعار الجنونية التي ضربت المملكة خلال الأشهر الستة الماضية، فسياسة سعودة الوظائف والتضييق على العمالة الأجنبية أحد أهم العوامل التي أسهمت في هذه الموجة.

وفي مارس 2017، طرحت وزارة العمل السعودية خطة "سعودة" سوق العمل، وتنص على رفع نسب التوطين بالشركات العاملة في البلاد؛ بهدف خفض نسبة البطالة بين المواطنين.

وتطبيقاً لهذه الخطة، فرضت حكومة المملكة منذ بداية العام الماضي، تحديات متصاعدة على العمالة الأجنبية، تمثلت بإقرار رسوم إقامة مرتفعة عليهم وعلى أفراد أسرهم، ومنعهم من العمل في عدة قطاعات رئيسية.

ونتيجة لذلك، فإن مئات الآلاف من العمالة الأجنبية رحلوا عن السعودية، في ظل عدم وجود عمالة محلية بديلة مناسبة؛ ما تسبب في ضعف أداء عدد كبير من الشركات، وإغلاق المئات من المحال التجارية، خاصة التي تعمل في مجالات تأجير السيارات وبيعها، ومتاجر المجوهرات والذهب، ومواد الإعمار والبناء، وفق ما ذكرته وسائل إعلام سعودية.

وبحسب تقرير نشرته، في 10 يوليو الحالي، وكالة "بلومبيرغ" الاقتصادية الأمريكية، فإن عدد العمال الوافدين إلى المملكة تراجع بنسبة 6%، في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، مقارنة مع أعدادهم في الربع الأول من العام الماضي.

صحيفة الاقتصادية السعودية ذكرت أيضاً في 25 من يوليو الجاري أن معدل التضخم في السعودية ارتفاع بنسبة 2.1% خلال شهر يونيو من العام الجاري، إذ وصل الرقم القياسي لتكاليف المعيشة إلى مستوى 107.4 نقطة مقارنة بـ 105.2 نقطة بالفترة نفسها من العام الماضي 2017.

وأفادت بيانات الهيئة العامة للإحصاء في السعودية، المنشورة في 7 يوليو الجاري، بأن نحو 785 ألف موظف أجنبي من القطاع الخاص غادروا البلاد خلال الفترة من يناير 2018 وحتى نهاية مارس الماضي.

وذكرت البيانات أن عدد الموظفين الأجانب في المملكة تراجع إلى 7.71 ملايين فرد نهاية الربع الأول من العام الجاري، مقابل 8.49 ملايين نهاية 2016.

عدم رغبة في العمل

وبحسب الكثير من المراقبين الاقتصاديين، فإن عدم رغبة معظم السكان المحليين في العمل بوظائف متدنية -أو تتطلب جهداً بدنياً- كانت تشغلها العمالة الأجنبية، تسبب في تراجع إنتاج العديد من الشركات، لترتفع من ثم أسعار السلع التي تنتجها أو الخدمات التي تقدمها، وهذا الأمر سيتفاقم تدريجياً مع مغادرة المزيد من العمالة البلاد.

وقالت صحيفة "بيزنس إنسايدر" الاقتصادية البريطانية، في 10 يوليو الجاري، إن رحيل مئات الآلاف من العمالة الأجنبية من السعودية أدى إلى خلق أزمة توظيف.

وأوضحت أن "السعوديين، رجالاً ونساءً، كسالى وغير مهتمين بالعمل، حسبما يقول أرباب العمل، وهو ما يعني أزمة اقتصادية جديدة تضرب المملكة".

وأضافت الصحيفة أن "أغلب الشركات السعودية تشكو من أن السكان المحليين لا يريدون العمل في وظائف متدنية، كان يعمل بها العديد من المغتربين، ما خلق مشكلة حقيقية للاقتصاد وتسبب في ضعف أداء هذه الشركات".

ونقلت الصحيفة عن مراقبين قولهم: إن "هناك مخاوف فعلية من أن العديد من الشركات، خاصة في قطاعات الفندقة والاتصالات وتأجير السيارات، قد تغلق أبوابها بسبب سياسة السعودة".

وسجلت معظم السلع الغذائية بالسعودية ارتفاعاً في الأسعار خلال شهر يونيو الماضي، على أساس سنوي.

وأظهرت بيانات أصدرتها هيئة الإحصاء بالمملكة، الأحد الماضي (22 يوليو 2018)، تسجيل 72 سلعة غذائية زيادة بأسعارها خلال يونيو الماضي، مقارنة بالشهر المماثل من العام السابق. وفي المقابل، انخفضت أسعار 15 سلعة فقط.

ويُذكر أن نحو 68 سلعة غذائية أخرى ارتفعت أسعارها أيضاً خلال شهر مايو الماضي، على أساس سنوي.

لا خطط مدروسة

وعن العلاقة بين ارتفاع الأسعار وتوطين الوظائف، أوضح الكاتب والاقتصادي والأكاديمي حسين البناء، لـ"الخليج أونلاين"، أن "توطين الوظائف عملية قسرية يفرضها القانون، وهي تتصادم مع آليات تسيير السوق الحر الذي يعتمد على توازنات منحنى العرض والطلب لليد العاملة؛ ومن ثم تسعير الوظيفة بناءً على تلك التوازنات".

وأضاف: "توظيف مواطن بدلاً من أجنبي من شأنه رفع سقف تكلفة أجره، الأمر الذي يشكل تكلفة إضافية على مؤسسات الأعمال بالسعودية، التي لطالما انتفعت من وفورات وانخفاض تكلفة اليد العاملة الوافدة، الأمر الذي من شأنه رفع تكاليف الإنتاج؛ ومن ثم افتراض رفع الأسعار، ما يقود للتضخم".

وتابع: "إضافةً إلى ذلك، فإن السمة الإجبارية لتوظيف المواطن مكان الأجنبي تمثل تجاوزاً لمبدأ التوظيف للأكفأ والأفضل تأهيلاً، فالشركة الخاصة أو المؤسسة العامة ستكون مُجبَرةً على ملء الشاغر بناءً على مؤشر المواطَنة أكثر من أي اعتبار آخر، فيصبح التنافس على ملء الوظيفة داخلي ومغلق، ما سيؤثر لاحقاً على نوعية الأداء ومستواه".

وتوقَّع الكاتب الاقتصادي أن تنحصر عملية توطين الوظائف في السعودية بإطار جملة الوظائف المقبولة اجتماعياً و مالياً فقط؛ لأن المواطن لغاية اللحظة غير مستعد للعمل في عدد كبير من الوظائف؛ إما لتدني الأجور، وإما للنظرة الاجتماعية الدونية إلى تلك الوظائف؛ ومن ثم سيُطبَّق مبدأ التوطين على باقة من الوظائف الإدارية والإشرافية.

ورأى أنه سيكون هناك إحجام ملحوظ عن العمل في قطاعات كالصناعة والنقل والتعدين، خاصة في الجانب الفني والمهني منها.

ويعمل قسم كبير من الوافدين إلى المملكة في مهن يرفض السعوديون العمل بها؛ مثل أعمال النظافة، والمطاعم، والفنادق، والخدمات المنزلية. أما القسم الآخر، فيشكل عماد قوة العمل في البناء والصناعة والتجارة والنقل والصيانة والخدمات الصحية، وهو ما لم يتهيأ المواطنون في المملكة للعمل به خلال السنوات الماضية.

واعتبر "البناء" أن من حق الدولة أن تجهد في توظيف مواطنيها، وتقليل نسبة البطالة، وتحسين القدرة الشرائية للمواطن، وخفض حجم الحوالات المالية للخارج، لكن ذلك لا بد من تزامنه مع خطةِ نقلِ وظائف مدروسةٍ وواقعيةٍ، تحقق غاياتها المرجوة دون أن يتسبب ذلك في زيادة التكلفة أو ضعف كفاءة القطاعات الاقتصادية.

تـأثيرات سلبية

من جانبه، توقع المحلل الاقتصادي محمد الشهري أن تتواصل التأثيرات السلبية لرحيل العمالة الأجنبية عن سوق العمل، خلال الفترة المقبلة، والتي من أهمها شغور آلاف الوظائف، وتراجع أداء الشركات، وهروب الاستثمارات الأجنبية.

وأشار الشهري لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن التأثيرات السلبية لتوطين الوظائف ستقود حتماً نحو المزيد من ارتفاع الأسعار، وسيتسبب ذلك في مشاكل وأزمات جديدة للاقتصاد السعودي، الذي يواجه أصلاً العديد من التحديات.

وأكد أن تأهيل العمالة المحلية السعودية يحتاج إلى وقت، إضافة إلى أنهم سيرفضون العمل وفقاً للشروط التي كانت مفروضة على العمالة الوافدة.

وتشتكي الشركات الخاصة الملتزمة بتشغيل عمال سعوديين من تدني إنتاجية هؤلاء، وتخلُّف الكثيرين منهم عن الدوام، والقيام بمهامهم بشكل يعرقل سير العمل ويرفع تكلفته، بحسب تقرير نشرته قناة "دويتشه فيله" الألمانية.

جدير بالذكر أن القطاع الخاص السعودي يعتمد بنسبة تصل إلى 80% أو أكثر على العمال الأجانب، الذين يشتغلون بشكل شرعي أو غير شرعي، وفق بيانات وزارة العمل السعودية.