إسماعيل عزام- DW- عربية-
تقول السعودية إنها "انتصرت لثوابتها" رافضة أي صفقة لا تتجاوب مع مطالب الفلسطينيين. لكن الرياض تُدرك طبيعة التحديات وأن الصفقة قد تتم دون انتظار ضوء أخضر عربي، فضلا عن أن مشروع نيوم يعتمد على فتح صفحة جديدة مع إسرائيل.
منذ أشهر والحديث لا ينقطع عن قيام الولايات المتحدة بالتخطيط لما سُمِّي بـ"صفقة القرن"، حتى تنهي الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وفق رؤية دونالد ترامب. التقارب الأمريكي-السعودي، الذي تعزّز على ضوء صعود نجم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قوّى رغبات ترامب ببسط الصفقة، خاصة وأن الرياض وواشنطن تملكان أدوات متعددة لأجل الضغط على السلطة الفلسطينية لقبول الصفقة، مثل المساعدات المالية، فضلاً عن الثقل السياسي للسعودية بالمنطقة العربية.
غير أن منعرجاً كبيراً وقع خلال الأيام الماضية، فحسب ما نقلته الصحافة السعودية، عبّر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، عن رفض بلاده تنفيذ الصفقة ما لم تتضمن التأكيد على القدس الشرقية عاصمة لفلسطين، وما لم تلتزم بعودة اللاجئين الفلسطينيين، كما رفض أيضاً التنازل عن مبادرة السلام العربية لعام 2002. وقد أكد السفير الفلسطيني في الرياض، باسم الآغا، لوكالة رويترز أن الملك سلمان أخبر الرئيس محمود عباس بأنه لن يتخلى عن الفلسطينيين، وأنه سيقبل ما يقبلون وسيرفض ما يرفضون، في إشارة لصفقة القرن التي تقف السلطة الفلسطيينة ضدها بشكل كامل.
وتشير معطيات نشرتها مجلة "ذَ نيويوركر" قبل مدة، أن عددا من الزعماء العرب كانوا في البداية على استعداد لدعم الخطة الأمريكية، لكن بعدما تبيّن لهم، أن قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس خلّف تنديداً شعبياً واسعاً، تراجعوا عن استعدادهم، ولم يعد أيٌّ منهم متحمساً لمخطط سيجرّ غضب الشارع.
بين الملك وابنه
وبحسب ما نشرت عدة وسائل إعلام قبل أشهر، فإن الأمير محمد بن سلمان ضغط على محمود عباس لأجل أن يساند هذا الأخير الخطة الأمريكية، لكن في نهاية الأمر، جاء موقف الملك ليعبّر عن حقيقة واضحة وهي أن السعودية، التي تتوّفر على مكانة رمزية بين الدول العربية والإسلامية، غير مستعدة أبداً لتشجيع حلٍ لم يحظ بالقبول حتى بين العواصم الغربية، التي عارضت سابقاً نقل ترامب سفارة بلاده إلى القدس.
ويقول حسني عبيدي، مدير مركز الأبحاث والدراسات حول العالم العربي ودول المتوسط في جنيف، إن الموقف السعودي الجديد هدفه إعادة التوازن في السياسة الخارجية للمملكة، بعدما ذهب الأمير محمد في بعض تصريحاته إلى اتجاه غير معهود من الرياض.
ويشير عبيدي، في حديث مع DW عربية إلى أن "القدس خط أحمر بالنسبة للسعودية"، ولا يمكن للأمير أن يتجاوز الملك في هذا الموضوع، كما أن موقف الملك يندرج في "تقليل العراقيل أمام الأمير الشاب في طريقه لتوّلي الحكم، حتى لا يستمر هذا الأخير في نهج لا يحظى بتأييد الشارع ويمكن أن يؤثر على فرصه لتوّلي العرش"، حسب رأي الخبير.
نهاية الصفقة؟
غموض كبير لفّ "صفقة القرن"، لكن ما تسرّب عنها جعل من نجاحها الكامل مرهوناً بموافقة عدة أطراف عربية، خاصة أنظمة السعودية والأردن ومصر والسلطة الفلسطينية، إذ تضمنت بنودها المسرّبة تنازلات فلسطينية كبيرة لصالح إسرائيل، من بينها اعترافاً نهائياً بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإرجاء عودة اللاجئين الفلسطينيين، وضمّ مستوطنات في الضفة الغربية لإسرائيل، ونزع سلاح فلسطين.
وباستثناء اتفاق أوسلو الموقع عام 1993، الذي جرى تطبيقه بشكل نسبي، أخفقت كلّ مبادرات السلام التي تخصّ النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، ممّا جعل الآمال تتقلص في نجاح أيّ خطط جديدة ، ويبدو أن المصير ذاته قد تلقاه صفقة القرن. يكتب شلومو شامير، صحفي بجريدة معاريف الإسرائيلية، أن حظوظ الحلّ السياسي للنزاع تظهر وكأنها ماتت، وذلك لأن السعودية، التي كان بيدها تحقيق حلم ترامب، وجهت ضربة قاضية لـ"صفقة القرن"، وفق تعبيره في أحدث مقالاته.
ويبرز حسني عبيدي أن أكبر خطأ ارتكبته واشنطن في الصفقة هو تركيزها على البوابة السعودية لأجل تغيير الموقف العربي، مع عدم إدراك الإدارة الأمريكية لخصوصية القضية الفلسطينية للعرب. وقد ساعدت عناصر متعددة الرياض على حسم موقفها، يتابع الخبير، منها استمرار التصعيد الإسرائيلي في النزاع، واستعداد الإدارة الأمريكية للتفاوض مع إيران، العدو الأكبر للسعودية في المنطقة.
غير أن المتحدث ذاته يُشير إلى أنه من السابق لأوانه الحديث عن فشل الصفقة، بل إن الإدارة الأمريكية تسعى إلى تنفيذ شقٍ منها دون انتظار ضوء أخضر عربي، ومن ذلك تشجيع ضمني لإسرائيل بزيادة عدد مستوطناتها، وتشديد الحصار على غزة، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
أيّ تأثير على مشروع "نيوم"؟
لكن فشلا منتظراً لصفقة القرن لن تنحصر نتائجه على الجانب السياسي فقط، بل كذلك على الاقتصادي، خاصة مشروع "نيوم"، الذي أعلن عنه الأمير محمد بن سلمان، والذي سيقام على أراضٍ سعودية ومصرية وأردنية، وستصل حجم الاستثمارات فيه إلى 500 مليار دولار. لكن، وبعيداً عن ما هو معلن، يظهر من الصعب تحقيق هذا المشروع دون تحسين العلاقات العربية-الإسرائيلية، خاصة وأن جزءاً منه سيقام على صحراء سيناء المتاخمة لإسرائيل.
وفي هذا الإطار أوردت تقارير صحفية إسرائيلية أكثر من مرة اهتمام الشركات الإسرائيلية بالمشاركة في المشروع، وسبق أن قال لورام ميتال، الباحث في جامعة بن غوريون الإسرائيلية، لصحيفة بلومبيرغ الأمريكية إن إسرائيل ستشارك في المشروع، مبرراً ذلك بأن اتفاقية السلام الإسرائيلية-المصرية تضمن لإسرائيل منفذاً في البحر الأحمر، وتحديداً مضيق تيران الذي سيمرّ منه جسر "نيوم". لذلك هناك من ربط بين نجاح "نيوم" وبين صفقة القرن، خاصة وأن الأمير محمد بن سلمان بعث برسائل ود غير مسبوقة لإسرائيل، عندما اعترف بحق إسرائيل في الوجود، ما قد يكون تمهيدا لفصل جديد من العلاقات السعودية الإسرائيلية.
لكن لا يظهر أن الرياض ستخاطر برفض تام لصفقة القرن لأنها تُدرك تداعيات ذلك على مشروع "نيوم" وعلى المستقبل السياسي للأمير محمد بن سلمان، وفق ما يقوله حسني عبيدي، لذلك فهي تحاول تعديل الصفقة حتى لا تتعارض مع ثوابت المملكة من جهة، وحتى يستمر مشروع نيوم من جهة ثانية، يضيف مدير مركز الأبحاث والدراسات حول العالم العربي ودول المتوسط، مشيراً إلى أن الموقف السعودي الأخير لا يعني تراجع الرياض عن تقاربها مع واشنطن، وأنه في النهاية سيتم إيجاد صيغة تضمن استمرار مشروع نيوم بما يناسب طموحات جميع الأطراف.