ملفات » الطريف إلى العرش

بعد إلغاء طرح أرامكو.. هل يقضي الملك سلمان على رؤية 2030؟

في 2018/08/29

الخليج أونلاين-

مع وصول ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى سدة الحكم بشكل سريع، اتخذ الأمير الشاب عدة قرارات لم تعهدها المملكة في تاريخها الحديث؛ إذ طرح على السعوديين خطة اقتصادية أطلق عليها اسم "رؤية المملكة 2030"، تزامنت معها حملات إعلامية نسبت النجاح والتميُّز لهذه الرؤية قبل الكشف عن محتوياتها وبنودها، لكنها بدأت تتلاشى مع ما تواجهه من صعوبات لمسها ملك البلاد.

وصدّرت وسائل الإعلام السعودية والقريبة منها، الأميرَ الشاب (33 عاماً)، بأنه المنقذ للسعودية والرجل الحكيم الذي سيحميها في حالة نفاد النفط، من خلال رؤيته التي طرحها، ولكنها فشلت، وبتدخُّل من الملك سلمان بن عبد العزيز، مع أول اختبار استراتيجي لها، وهو طرح عملاق النفط، شركة "أرامكو"، للاكتتاب.

ويعتبر تدخُّل الملك السعودي في وقف طرح "أرامكو" صفعة قوية لـ"رؤية 2030" ولأحلام الأمير، الذي أراد ضم عملاق النفط الأضخم في العالم إلى صندوق الاستثمار السيادي، وطرح نسبة 5% (100 مليار دولار) فقط من الشركة، التي تقدَّر قيمتها بأكثر من 2 تريليون دولار (7 تريليونات ريال)، للاكتتاب بالبورصة.

ووفقاً لخطة بن سلمان حول هذه الفكرة، فإن شركة أرامكو سوف تُطرح للاكتتاب مطلع عام 2018، وهو ما كان قد تأجَّل عدة مرات قبل ذلك التاريخ، قبل أن يُلغى بالكامل.

الملك السعودي لم يُسلِّم لاجتهادات ابنه حول أهم شركة سعودية، حيث نقلت وكالة "رويترز"، الاثنين (27 أغسطس)، عن مصادر سعودية، أن الملك شاور عدداً من أبناء الأسرة الحاكمة، وخبراء اقتصاد، وتوصل إلى أن خطة ابنه لن تكون في صالح المملكة؛ بل إنها قد تؤثر سلباً عليها.

وكان أول المشككين في فكرة طرح "أرامكو" هو المختص الاقتصادي والسياسي السعودي عصام الزامل، من خلال تغريدة قال فيها: "طرح (أرامكو) للاكتتاب مطلع 2018 (..)، ضعوها بالمفضلة: أرامكو لن تُطرح للاكتتاب أبداً".

وقال: "من المستحيل أن تصبح قيمة أرامكو أكثر من ترليوني دولار إذا ما كانت تملك حقاً حصرياً لامتياز استخراج النفط بالسعودية".

ولم يدم طويلاً رأيُ "الزامل"، الذي يعد -حسب مجلة "فوربس"- أحد أهم الشخصيات في السعودية والحائز العديد من الجوائز والتكريم  من الملك سلمان بن عبد العزيز قبل سنوات، حيث اعتقلته السلطات السعودية ووضعته في السجن.

تشكيك دولي

دولياً، بدأ التشكيك في "رؤية المملكة 2030" من قِبل تقرير حديث لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، والذي رأى أن الرؤية تواجه المزيد من الشكوك الكثيرة.

وبيَّن التقرير أن المستثمرين بدؤوا التشكيك، ليس فقط في التقييم المالي لشركة أرامكو السعودية، ولكن كذلك في الطرح الأولي للاكتتاب العام بنسبة 5% من أسهم شركة النفط المملوكة للدولة.

وذكرت الشبكة أن الرياض تراجعت إلى الوراء بفارق نقطة واحدة عن تصنيف المراكز المالية العالمية، وفقاً لمؤشر المراكز المالية العالمية "Z / Yen Group" الذي يتخذ من لندن مقراً له، والذي يعتمد على دراسات للمهنيين العاملين في السوق.

وأوضح التقرير أن الرياض تحتاج إلى تنويع الاقتصاد بسرعة إذا كان على البلد أن يتجنب ما أطلق عليه البنك الدولي "أزمة فقر تلوح في الأفق"؛ بسبب استمرار انخفاض أسعار النفط.

التقرير بيَّن أنه بالنسبة للعديد من الأجانب، لا تزال السعودية في الغالب عبارة عن "باب مغلق"، حيث تصدرت بعض الإصلاحات في الرياض عناوين الصحف العالمية عندما سمحت القيادة الجديدة للسيدات بقيادة السيارة، ولكن في الوقت نفسه، تم سجن النساء اللائي دافعن عن التغيير سنوات قبل رفع الحظر عن قيادة المرأة.

ونقلت الشبكة الأمريكية عن خبراء اقتصاد قولهم: إنه "لن يستثمر أحد في مكان إلا إذا كان يثق بالأشخاص الذين يعملون هناك والمؤسسات التي تتحكم بالبلاد، في حين أن السعودية لديها ثروة ضخمة، فهناك شعور بأنها مركز استثماري غير مضمون وفي بلد أوتوقراطي جداً".

هذا الأمر أكده خبراء ومصادر بصناعة النفط لـ"رويترز" أيضاً، حين ذكروا أن وتيرة الاستعدادات لطرح "أرامكو" تتباطأ منذ أشهر، لسببين على الأقل؛ أولهما الشكوك في ما أعلنه الأمير محمد في 2016 من أن الطرح سيقدر قيمة "أرامكو" بمبلغ تريليوني دولار، والثاني هو القلق من المخاطر القانونية وشروط الإفصاح المشددة التي تقترن بإدراج أسهم الشركة في بورصة أجنبية.

رؤية 2030 لن تجد تمويلاً كافياً

صحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية أكدت سابقاً أن تأجيل طرح "أرامكو" سيتسبب في فجوة كبيرة بخزائن الدولة، في حين قالت ثلاثة مصادر لـ"رويترز"، إن "أرامكو" توقفت بحلول أبريل عن دفع الرسوم المستحقة لبعض البنوك مقابل عملها في تجهيز الصفقة.

وقالت الصحيفة البريطانية، في تقريرها: إن "تأجيل بيع حصة صغيرة من أسهم شركة أرامكو السعودية للنفط يطرح تساؤلاً هاماً عن كيفية إدارة الدولة مواردها المالية، وكذلك تضع علامات استفهام حول الخطط التي وضعتها المملكة لتنويع مصادر الدخل".

واعتبرت الصحيفة أن الفكرة المقدَّمة "رائعة، ولكن كانت هناك مشكلة في آلية تنفيذ الفكرة وتحويلها من مجرد فكرة إلى رؤية كبيرة يمكن تطبيقها في الواقع، إلا أنه لا توجد أموال الآن للتنفيذ".

وذكرت أن السعودية تحتاج أن يصل سعر برميل نفط "خام برنت" إلى 70 دولاراً، حتى تتمكن من تحقيق التوازن في ميزانيتها، ولكن في الوقت الحالي، لا تمتلك السعودية الأموال الكافية من أجل إنفاق جديد على مشروعاتها العملاقة.

وبيَّنت أن بعض المشاريع في "رؤية 2030"، التي لن تجد مصدراً للتمويل، في الحقيقة، كانت فكرة إنشاء مدينة كبيرة في الصحراء الشمالية للمملكة (مشروع نيوم)، بتكلفة 500 مليار دولار، "ضرباً من خيال، فبعض الأفكار كانت مجرد ترويج للسياحة".

رؤية فاشلة

دراسة بريطانية نُشرت حديثاً، خلصت إلى أن "رؤية 2030"، التي أطلقها ولي العهد السعودي، محكوم عليها بالفشل، مُرجعة ذلك إلى تداخل اختصاصات الهيئات الحاكمة في السعودية، فضلاً عن مركزية الدولة الشديدة.

واعتبرت الدراسة، التي نشرها مركز كارنيغي للدراسات، وحملت عنوان "إخفاق الحوكمة المناطقية في السعودية"، أن هناك تبايناً بين ما تتطلع الدولة إلى تحقيقه في "رؤية 2030"، والإمكانات والسلطة التي تتمتع بها هيكلية الحوكمة "العاجزة" -مثل وزارة الشؤون البلدية والقروية- لتنفيذ تلك التطلعات.

ورأت الدراسة أن المسعى الذي يبذله بن سلمان لإضفاء المركزية على جميع آليات صناعة القرارات -وفق ما تُظهره العملية الهرمية من الأعلى إلى الأسفل والتي أنتجت "رؤية 2030"- "لا يمكن النظر إليه سوى بأنه محاولة لكبح الانتقادات السياسية والاضطرابات الاجتماعية المحتملة".

وتوصلت الدراسة إلى أن المركزية والتداخل بين سلطات الحوكمة المحلية يعطلان تطبيق المشاريع؛ ما يؤدي إلى تقويض صدقية المؤسسات المحلية والمركزية على السواء.

ومع تدخل الملك العاجل في أول قرار لرؤية ولي العهد وإيقافه، يجعل إمكانية تطبيق بنود "رؤية 2030" على المحك، ويقلل من مصداقيتها أمام الرأي العام المحلي والدولي، حسبما يرى مراقبون.