نيوزويك- ترجمة زياد محمد -
أثارت أوتاوا على غير العادة نزاعا دوليا بشأن قضية احتجاز السعودية لعدد من الناشطات البارزات في مجال حقوق المرأة، فقد نشرت وزارة الخارجية الكندية تغريدة تحث على الإفراج الفوري عنهم، بينما استقبلت الرياض الأمر على نحو غاضب.
واتهمت السعودية كندا بـ"التدخل الفاضح في الشؤون الداخلية للمملكة"، وسحبت سفيرها من أوتاوا وطردت نظيره الكندي، مما أمهله يوما واحدا فقط للرحيل من الرياض، تبع ذلك تجميد التجارة مع كندا، وتم توجيه مدراء صناديق الثروة السعودية لبيع الممتلكات الكندية، كما تلى ذلك قطع روابط شركات الطيران بين البلدين، وأوقفت المملكة دفعات مالية لحوالي 10 آلاف طالب سعودي مسجلين في الجامعات الكندية و5 آلاف مريض يخضعون للعلاج بالمشافى الكندية.
وتحمل ردود الفعل الشرسة جميع بصمات ولي العهد الشاب الأمير "محمد بن سلمان"، وهو يمثل السلطة الجديدة الصارمة خلف العرش السعودي، و على الرغم من أن التجارة بين كندا والمملكة ضئيلة، يرى الخبراء أن رسالة الأمير كانت واضحة وتستهدف جمهورا أكبر بكثير: "إذا انتقدت السعودية، فسوف تدفع الثمن"، وفق ما أدلى به "بروس ريد"ل، محلل الشرق الأوسط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية، لمجلة "نيوزويك".
سياسة التغافل
فهمت إدارة "ترامب" الرسالة، ووجدت كندا -وهي واحدة من أقرب حلفاء وأصدقاء أمريكا- نفسها بلا دعم، وامتنعت وزارة الخارجية عن التورط، ونصحت الجانبين بحل الأمر بأنفسهم، حيث قالت المتحدثة "هيذر ناورت" خلال مؤتمر صحفي "لا يمكننا القيام بذلك من أجلهم".
أظهرت هذه الحوادث نمط استعراض العضلات الذي جلبه ولي العهد إلى القيادة السعودية، فقد ولت الأيام التي مارست فيها السعودية سياستها الخارجية إلى حد كبير وراء الكواليس، متجنبة المواجهة المباشرة مع خصومها ومفضلة إبراز قوتها بهدوء من خلال تمويل السياسيين العرب والمسلمين الأصدقاء، والوكلاء والمنافذ الإعلامية.
لكن "محمد بن سلمان" يستخدم الآن ثروة المملكة الواسعة لمعاقبة منتقديه وأعدائه، سواء من خلال دبلوماسيته عارية القبضة أو في ساحة المعركة في اليمن حيث يشن الحرب ضد الوكلاء الإيرانيين، ويقول المنتقدون إن هذه الحادثة كشفت أيضا عن استعداد الرئيس "دونالد ترامب" للتخلي عن القيادة الأخلاقية الأمريكية في الدفاع عن حقوق الإنسان على الرغم من أن السعودية هي موضع استسلمت عنه الولايات المتحدة منذ فترة طويلة.
ففي عالم كانت فيه الدول الاستبدادية الوحشية وحكامها الفاسدين يُحاسبون أمام المحاكم الدولية أو لجان الحقيقة والمصالحة، كانت السعودية دائما الاستثناء.
ومنذ اكتشاف احتياطياتها النفطية الهائلة في عام 1938، أجبرت القوة الفريدة للمملكة على تثبيت الاقتصاد العالمي أو تخريبه الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين وحتى الأمم المتحدة، أجبرتهم ليس فقط على التغافل عن انتهاكات حقوق الإنسان السعودية في الداخل فحسب، بل أيضا عن الدعم المالي السعودي للجماعات المتشددة.
كما غلبت واشنطن الفوائد الاستراتيجية القيمة التي تقدمها السعودية للولايات المتحدة، بما في ذلك تعاونها الاستخباراتي في مكافحة الإرهاب، وحقوق الطيران التي تمنحها للطائرات العسكرية الأمريكية في منطقة مهمة من العالم، والسوق المربح الذي توفره للأجهزة العسكرية الأمريكية ودورها في موازنة ثقل إيران في المنطقة، حيث جعلت هذه المنافع السعودية بمأمن من الانتقاد الأمريكي.
وقال "تشاس فريمان"، سفير الولايات المتحدة السابق في السعودية: "حقوق الإنسان والقيم لم تكن أبدا الأساس في هذه العلاقة، منذ البداية، كانت العلاقة دائما مدفوعة بالمصالح الوطنية سواء كانت مصالحنا أو مصالحهم".
تأسست هذه المصالح في يوم عيد الحب في عام 1945، عندما التقى الرئيس "فرانكلين ديلانو روزفلت"، بالأب المؤسس للمملكة العربية السعودية، الملك "عبدالعزيز بن سعود"، على متن سفينة تابعة للبحرية الأمريكية راسية في قناة السويس، وفي اتفاق تاريخي وضع الأساس للعلاقات الأمريكية السعودية، وافق الملك على ضمان وصول أمريكي تفضيلي إلى إمدادات النفط السعودية بأسعار معقولة، وفي المقابل، تعهد "روزفلت" بأن تحمي الولايات المتحدة السعودية عسكريا ضد الأعداء الخارجيين.
ومنذ ذلك الحين، صمد هذا الاتفاق أمام اختبارات كبرى أهما ست حروب عربية إسرائيلية اصطفت فيها واشنطن والرياض على جانبين متعارضين، بالإضافة إلى الحظر النفطي العربي لعام 1973، كما نجت صفقة "النفط مقابل الأمن" من أثر هجمات 11 من سبتمبر/أيلول، والتي كان معظم الخاطفين فيها مواطنين سعوديين، والغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وهو نزاع توقع السعوديون أنه خطأ استراتيجي لن يؤدي إلا إلى تقوية إيران كما نجحت في اختبار حاسم آخر قبل ذلك عندما قام الرئيس "جورج بوش الأب" باحترام تعهد "روزفلت" وحمى المملكة من القوات العراقية في حرب الخليج 1991.
لكن الاجتماع الذي انعقد في عام 1945 شهد أيضا بداية الإذعان الأمريكي للملكية السعودية المطلقة وممارساتها الاجتماعية والدينية، التي انتهك بعضها الأعراف الغربية والديمقراطية، ومنذ ذلك الحين امتنعت كل إدارة أمريكية عن التعليق علنا حول أداء حقوق الإنسان في المملكة، مفضلين عند الضرورة معالجة هذه القضايا خلف الأبواب المغلقة.
في مناسبتين فقط في علاقة استمرت 73 عاما، قام الرؤساء الأمريكيون بإقناع الملوك السعوديين بتحسين هذا الأداء، وفق ما يقوله "ريدل"، وهو الآن خبير في الشرق الأوسط في معهد "بروكينغز"، الاولى كانت في عام 1962، عندما أقنع الرئيس "جون كينيدي" ولي العهد الأمير "فيصل" بإنهاء ممارسة العبودية، والثانية كانت كان في عام 2015، عندما أقنع الرئيس "باراك أوباما" الملك "سلمان" بتأجيل عقوبة ثانية علنية على المعارض المعتقل "رائف بدوي"، الذي حكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات وألف جلدة على بتهمة "إهانة الإسلام" على مدونته، وكان "بدوي" قد تلقى بالفعل أول خمسين جلدة له.
كان "جيمي كارتر" أول رئيس جعل حقوق الإنسان أولوية قصوى في سياسته الخارجية، وفي عام 1977، بدأت وزارة الخارجية بإصدار تقارير قطرية سنوية، لكن "ريدل" يقول إنه منذ ذلك الحين، لم يثر أي من الرئيس "كارتر" أو أي رئيس النتائج التي توصلت إليها تقارير البلاد مع الملك السعودي آنذاك.
ولكن "ترامب" فعل ما هو أكثر من سابقيه، فلم سكتف بعدم التحدث علنا عن الممارسات السعودية فيما يتعلق بحقوق الإنسان، ولكن مع وصوله إلى الرياض في مايو 2017 -رحلته الرئاسية الافتتاحية في الخارج- أصبح أول زعيم أمريكي يعلن علانية أن حقوق الإنسان خارج أجندته الدبلوماسية، وقد قال "ترامب" لمضيفيه السعوديين: "لسنا هنا لإلقاء محاضرة، نحن لسنا هنا لنقول لأشخاص آخرين كيف يعيشون، ماذا يفعلون، من يجب أن يكونوا أو كيف يتعبدون".
يقول "ريدل": "كل رئيس أمريكي منذ روزفلت وضع النفط والشؤون الإستراتيجية قبل حقوق الإنسان عند التعامل مع الملوك السعوديين خوفا من تعطل العلاقات الثنائية، لكن ترامب أخذ هذا التجاهل إلى مستوى جديد من الإهمال".
صمت غير مسبوق
أقام "آل سعود" وبيت "ترامب" علاقات وثيقة خلال السنوات الثلاث الماضية، بدأت بالصداقة الشخصية بين "محمد بن سلمان" و صهر "ترامب"، "جاريد كوشنر"، علاقات تطورت خلال حملة "ترامب" الرئاسية وتوسعت منذ انتخابات عام 2016، على أساس الرفض المتبادل لاتفاق "أوباما" النووي مع إيران ورؤيته للشرق الأوسط، والتي شجعت السعودية على "مشاركة" المنطقة مع إيران؛ منافسها الرئيسي.
وقال "محمد بن سلمان" أنه لا ينوي استيعاب طموحات إيران، وبعد شهرين من تعيينه وزيرا للدفاع في يناير/كانون الثاني 2015، قاد ائتلافا عسكريا عربيا ضد المتمردين المدعومين من إيران في اليمن، وهي حملة دعمها "أوباما" على مضض بمساعدة لوجيستية أمريكية، وقد حافظ "ترامب" على دور واشنطن وراء الكواليس في الصراع، الذي يكمل الآن عامه الرابع.
وأشاد الغرب في معظم الأحيان بتحركات ولي العهد الأولى، التي وصفها البعض بأنها ثورية مثل خطط فطم السعودية من اعتمادها على النفط، وتنويع اقتصادها من خلال فتح المملكة للاستثمار الأجنبي وإقامة إصلاحات اجتماعية، وخفض سلطات المؤسسات الإسلامية في المملكة والشرطة الدينية ورفع الحظر عن قيادة النساء.
لكن دعم "ترامب" ذهب أبعد من أي زعيم غربي آخر، وعلى خلاف منتقدي "محمد بن سلمان"، فإنه لم يدن حملات ولي العهد الوحشية ضد المنافسين في الداخل والخارج.
فبالإضافة لحملة "محمد بن سلمان" العسكرية المعلقة في اليمن، قام بتنظيم مقاطعة عربية لقطر المجاورة لعقابها على علاقاتها الوثيقة المزعومة مع طهران، كما أجبر لفترة وجيزة رئيس الوزراء السني في لبنان على الاستقالة العام الماضي احتجاجا على "حزب الله" المدعوم من إيران.
كما صمت "ترامب" على حملة مكافحة الفساد خارج نطاق القضاء، التي احتجز فيها "محمد بن سلمان" بدون محاكمة مئات من رجال الأعمال السعوديين الأثرياء، بمن فيهم عشر أمراء بارزين، في فندق ريتز كارلتون الفاخر في الرياض إلى أن سلموا مبلغ 100 مليار دولار من أصولهم، ووفقا لثلاثة مصادر استخبارية، تم تعذيب بعضهم حتى يُذعنوا، ومنذ سبتمبر/أيلول، قام بسجن حوالي 2000 سجين سياسي فيما يقول المحللون إنه محاولة لسحق كل معارضة لحكمه.
تآكل العلاقة
ومع ذلك، وعلى الرغم من العلاقة الودية بين بيت "ترامب" وآل سعود، فإن العلاقة الأكبر بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بدأت تتآكل، كما يقول الخبراء، وهم يعزون هذا الانهيار إلى فك الارتباط الأمريكي عن الشرق الأوسط الكبير، والذي بدأ في عهد "أوباما"، وتحركات ولي العهد لصياغة دور أكثر حزما للسعودية في المنطقة.
وقال سفير الإمارات في الولايات المتحدة "يوسف العتيبة"، في منتدى أسبن للأمن في كولورادو في يوليو/تموز: "على مدى السنوات العشر الماضية، هناك جدل يجري في هذا البلد بأن الولايات المتحدة لا تريد التورط أكثر في الشرق الأوسط، وأنه لا يزال هناك مخلفات من العراق وأفغانستان، وقد نظر إلي أحد كبار الضباط مرة واحدة وقال لي إنه لا توجد دائرة انتخابية في الولايات المتحدة تدعم فعلنا للمزيد في الشرق الأوسط، عندما نسمع ذلك، فهذا يعني أننا بحاجة إلى القيام بأشياء بمفردنا".
لكن بعض هذه الأشياء تضر بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
وقد استدعت الغارات الجوية السعودية التي تقتل المدنيين والأطفال بشكل روتيني في اليمن إدانات عالمية تشمل الآن انتقادات تتهم الولايات المتحدة بالتواطؤ، وذلك بفضل الأسلحة وإعادة التزود بالوقود الذي توفره أمريكا للائتلاف الذي تقوده السعودية، وفي هذه الأثناء، قام الحصار السعودي لقطر -موطن أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط- بتفتيت وحدة مجلس التعاون الخليجي، وهو تحالف يضم ست دول خليجية، والذي كان يوفر دعما سياسيا قيما للسياسات الأمريكية في المنطقة.
وحتى علاقة الطاقة تضعف؛ لطالما وافق السعوديون على زيادة إنتاج النفط بناء على طلب الولايات المتحدة إذا ارتفعت أسعار البنزين في الغرب بشكل كبير، وفي يونيو/حزيران، عندما اشتكي "ترامب" من أن العقوبات ستسبب خسارة الكثير من النفط الإيراني من السوق، وافق "محمد بن سلمان" على طلب الرئيس وعزز الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يوميا، لكنه لم يرفع الإنتاج أكثر منذ هذه الزيادة، وهي ضربة لـ"ترامب"، الذي يعتمد على المزيد من النفط السعودي لمنع أسعار البنزين من الارتفاع.
ثم هناك انهيار الفهم طويل المدى بأن واشنطن يمكن أن تعتمد على الدعم المالي السعودي لمبادرات السياسة الخارجية الأمريكية، ففي الثمانينيات، على سبيل المثال، قام السعوديون بتمويل برنامج وكالة المخابرات المركزية الذي زود المجاهدين الذين يقاومون الاحتلال السوفييتي في أفغانستان بالأسلحة، وفي بعض الحالات، قام السعوديون بتمويل العمليات التي لا علاقة لها بالشرق الأوسط أو الإسلام أو غيره من المصالح السعودية: ففي عام 1986، دفعوا لأجل الأسلحة التي قدمتها الاستخبارات الأمريكية بطريقة غير مشروعة إلى جماعات الكونترا في نيكاراغوا.
يحتاجان لبعضهما
ولكن في عهد "محمد بن سلمان"، أصبح السعوديون أقل سخاء.
ففي وقت سابق من هذا العام، طلب "ترامب" من السعودية تقديم قوات و4 مليارات دولار للمساعدة في دفع تكاليف جهود إعادة الإعمار في شمال سوريا، لكن وزارة الخارجية الامريكية قالت مؤخرا إن الرياض وافقت على المساهمة بمبلغ 100 مليون دولار فقط وبدون قوات، ويزعم المسؤولون السعوديون أن الرد يعكس أولوياتهم لتمويل الحرب في اليمن وتوجيه القوات إليها، لكن التعهد قد ينقل حقيقة أعمق، حيث يقول "فريمان": "السعوديون لا يروننا كحام موثوق به بعد الآن، لقد تمزق نسيج العلاقة."
هذا التفكير أيضا امتد للسندات التجارية، إذ أنه لعقود من الزمان، كانت السعودية سوقا موثوقا للأجهزة العسكرية الأمريكية، حيث اشترت أسلحة تزيد قيمتها على 100 مليار دولار خلال عهد إدارة "أوباما" وحدها، وقال "ترامب" إنه يريد من ولي العهد شراء معدات عسكرية أمريكية إضافية بقيمة 110 مليار دولار.
ولكن عدم ثقة السعودية بـ"أوباما" بسبب اتفاقيته النووية مع إيران والحذر من عدم القدرة على التنبؤ بـ"ترامب"، جعلها تفضل تنويع مورديها من الأسلحة، واشترت المملكة في السنوات الأربع الأخيرة، من بريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وفنلندا وتركيا من بين العديد من الدول الأخرى.
ويقول دبلوماسي عربي، تحدث إلى نيوزويك شريطة عدم الكشف عن هويته، إن "محمد بن سلمان" كان في البداية "مستمتعا" عندما ادعى "ترامب" علنا في الرياض العام الماضي أن السعودية وافقت على شراء أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار، ولكن في الواقع، لم يتم توقيع أي عقود.
وفي فرصة لالتقاط الصور في المكتب البيضاوي أثناء زيارة ولي العهد للولايات المتحدة في مارس/آذار، قال الدبلوماسي إن "محمد بن سلمان" أصبح حانقا عندما زاد "ترامب" الضغط بشكل غير متوقع، من خلال عرض صور ضخمة للطائرات العسكرية والأسلحة والصواريخ التي كان يحاول بيعها.
وقال "ترامب" للصحافيين في الوقت الذي بدا فيه "محمد بن سلمان" غير مرتاح على نحو ظاهر: "السعودية دولة ثرية للغاية، وسوف تعطي الولايات المتحدة بعض هذه الثروة، ونأمل أن يكون ذلك في شكل وظائف أو شراء أرقى المعدات العسكرية في العالم".
في الواقع، حتى لو أراد "محمد بن سلمان" شراء أسلحة من الولايات المتحدة، فإن خياراته قد تتقلص.
إن حوادث مثل الغارة الجوية السعودية في 9 أغسطس/آب على حافلة مدرسية في اليمن، والتي أسفرت عن مقتل 40 طفلا تغذي المعارضة المتزايدة للتورط الأمريكي في الحرب، وقد منع المشرعون بيع ما قيمته 2 مليار دولار من الذخائر الموجهة بدقة إلى السعودية، ويدرس قانون جديد إنهاء عملية إعادة التزود بالوقود ما لم يتمكن البنتاجون من إظهار أن التحالف الذي تقوده السعودية يتخذ خطوات للحد من الإصابات بين المدنيين وإنهاء الصراع في اليمن.
علاوة على ذلك، فإن قدرة السعودية على الترويج للسياسات الأمريكية لبقية العالمين العربي والإسلامي تتضاءل، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الموروثات المميتة من الحروب في العراق وأفغانستان والعمليات العسكرية الأمريكية المستمرة لمكافحة الإرهاب في 76 دولة.
يقول "فريمان": "كان هناك وقت تستطيع فيه السعودية، بشرعيتها كحام لمكة والمدينة في نظر 1.6 مليارات مسلم، أن تكون محامية أمريكا في العالم الإسلامي، ولكن الآن نحن مغتربون تماما عن الإسلام."
على مدار العقدين الماضيين، راقبت السعودية مصداقية أمريكا في العالم العربي وهي تتبخر مع ميل الولايات المتحدة بشكل متزايد نحو (إسرائيل) في الصراع الفلسطيني، وفي اجتماع عقد في نيويورك في مارس/أذار الماضي، أخبر "محمد بن سلمان" القادة اليهود أنه يؤيد خطة سلام إسرائيلية فلسطينية لم يتم نشرها بعد، وتم إعدادها بشكل جزئي من قبل "كوشنر".
ولكن بحلول ذلك الوقت، كان "ترامب" قد اعترف بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل) وأمر بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس، مما أثار الاحتجاجات في جميع أنحاء العالم العربي، إلى جانب شكوك عميقة في أي خطة سلام قد تنتجها إدارته، وتقول مصادر مطلعة إن الملك "سلمان"، وهو والد وليّ العهد، أقنعه بأن دعمه لخطة "كوشنر" كان غير حكيم وأقنعه بالتخلي عنه.
ومن المؤكد أن بعض المكونات الهامة للعلاقة سوف تبقى، فعلى الصعيد الأمني، لا تزال أجهزة المخابرات الأمريكية والسعودية تتعاون بشكل وثيق في مكافحة الإرهاب، وتواصل السعودية منح حقوق التحليق للطائرات العسكرية الأمريكية العابرة بين أوروبا وجنوب آسيا، وهي ميزة قيمة تعزز مكانة أمريكا كقوة عالمية.
وبالطبع، فإن التردد الأمريكي في انتقاد السعودية لا يزال مستمرا.
ولكن ما هو جديد بالفعل -ويمكن أن نقول حتى إنه غير مسبوق- هو العلاقة بين القائدين اللذين يتمتعان بشخصيات قوية ورؤى متباينة بشكل متزايد لبلدانهما، ومع ذلك ما يزال كل منهما بحاجة إلى ما يقدمه الطرف الآخر، هذا هو نوع التوتر الذي يثير النزاعات الدولية.