ترجمة القدس العربي-
تقدم مقالة المؤرخ والكاتب البريطاني مايكل بيرلي في صحيفة «التايمز» البريطانية «Young Saudi pretender’s days are numbered» حول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تحليلا كاشفا وقاسياً لمآل الصعود السريع للأمير الشاب والذي يعتبر بيرلي أنه في طريقه لهبوط أكثر سرعة.
يلفت النظر في العنوان الذي اختاره الكاتب، بداية، وصفه لبن سلمان بالشخص الذي يتظاهر بشيء وهو يخفي شيئاً آخر، وهذا عنوان موفّق كثيراً، وينطبق في الحقيقة على مجمل الأحداث التي رافقت ارتفاع أسهم الأمير وتسليمه بتعجّل مقاليد الحكم الكبرى في السعودية.
يمكننا تسجيل بدء رحلة الصعود هذه مع التدخّل العسكريّ السعودي في آذار/مارس 2015 الذي قاده بن سلمان بصفته وزيرا للدفاع، وبعدها بدء عملية تصعيد بن سلمان بسرعة كبيرة بالترافق مع مراكمة مسؤوليات خطيرة في قبضته مع تعيينه وليا للعهد عام 2017، إضافة إلى كونه نائبا لرئيس مجلس الوزراء (الذي هو الملك)، ووزيرا للدفاع، ورئيسا لمجلس الشؤون السياسية والأمنية، ورئيسا لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودي، أي باختصار: زعيم بصلاحيات مطلقة.
قدّم بن سلمان «رؤية» طموحة جداً لمستقبل بلاده، فوعد بإعادة تشكيل الاقتصاد السعودي في خطة تتضمن تأمين مبلغ هائل من تخصيص 5% فقط من قيمة شركة النفط السعودية «أرامكو» (التي قدّرها بقيمة ترليوني دولار)، وبناء مدينة تكنولوجية (نيوم)، وجلب الاستثمارات الخارجية، كما أنه وعد بفتح الباب لحرّيات مقموعة في السعودية، وخصوصا ما يمس النساء كقيادة السيارات، وكذلك بفتح المجال للترفيه وأشكاله كصالات السينما وحفلات الغناء.
غير أن ما رآه السعوديون، وعاينه العالم، هو مراكمة بن سلمان للفشل، فالتدخل العسكري في اليمن انعكس كارثة كبيرة على اليمنيين، ولم يحقق «الانتصارات» المطلوبة، كما أنه مكلف جدا للخزينة السعودية، كما توقفت خطّة تخصيص أسهم «أرامكو» وبتوقفها اختفت الأموال الهائلة الموعودة، وتعثرت الخطط لإنجاح مدينة «نيوم» لأسباب كثيرة.
وبدلاً من الاستناد إلى حلفاء إقليميين في حربه ضد الحوثيين انخرط وليّ العهد السعودي في حرب جديدة يمثلها الحصار ضد جارة بلاده قطر، محولا سياسة بلاده الخارجية إلى ظل للإمارات التي تخوض حربا مسعورة ضد الدوحة، وكذلك الأمر مع رئيس مصر عبد الفتاح السيسي الذي انضمّ للجوقة على خلفية استيلائه على السلطة ورفض قطر للانقلاب، والبحرين، التي لا تستطيع أصلاً اتخاذ موقف خارج موقفي السعودية والإمارات.
كان سقوط وعود الحرّيات المنشودة للسعوديين فاضحاً، فالسماح للنساء بقيادة السيارات ترافق مع حملة شرسة ضد الناشطات اللاتي ناضلن لتأمين هذا الحق، وطاول القمع مئات الناشطين والأكاديميين وصار مجرد السخرية أو الاعتراض على وسائل التواصل الاجتماعي سببا للاعتقال!
وتهاوت وعود الاقتصاد الخلابة واستجلاب الاستثمارات مع اعتقال كبار الأمراء ورجال الأعمال والتعامل معهم كرهائن لابتزاز المال، بل امتدّت سطوة الاحتجاز والابتزاز لشخصيات سياسية واقتصادية عربية كبيرة.
تكشف «السيرة المهنية» القصيرة لوليّ العهد السعودي الخطيئة الكبرى التي قام بها والده الملك بتسليمه ابنه السادس الشاب مقاليد السلطة المطلقة من دون خبرة سابقة (اللهم إلا إذا اعتبرنا الحرب الكارثية في اليمن «خبرة»)، ومن دون مؤسسات رشيدة تضبط قراراته وتصرفاته.
فرغم كون المملكة نظاماً استبداديا فقد كانت مشاركة كبار الأسرة الحاكمة أو استشارتهم في السابق تطبع البلاد بالمحافظة ولكنّها كانت تمنع المغامرات الطائشة غير المحسوبة.
الدرس الأكبر، الذي لن يستفيد منه وليّ العهد السعودي بالتأكيد، هو أن انفتاح الاقتصاد والحريات واستتباب الأمن (والانتصار في الحروب) كلها قضايا مرتبطة بقدرة أي نظام على «دمقرطة» أسسه، ومشاركة النخب السياسية والاقتصادية والمدنية في القرارات عبر مؤسسات حقيقية وفاعلة، وما عدا ذلك فهو وصفة للطغيان الذي هو عنوان الفشل في كل المجالات.