محمد المنشاوي- العربي الجديد-
كان من الصعب تخيّل كتابٍ أكثر إزعاجا لرئيس أمريكي، من كتاب بوب وودوورد عن الرئيس ريتشارد نيكسون حول نهاية حكم الرئيس الأسبق، والذي كان عنوانه "الأيام الأخيرة"، وفصَّل فيه وودورد الفوضى داخل إدارة نيكسون، خاصة مع اقتراب التحقيقات بخصوص التجسس على الحزب الديمقراطي (ووترغيت) منه شخصيا.
إلا أن كتاب وودورد الجديد، بعنوان "الخوف"، حول بدايات حكم الرئيس دونالد ترامب لا يختلف كثيرا عن كتاب نيكسون من حيث التفصيل والعرض الدقيق لرئيس مضطرب مذعور مغرور بعظمة القوة، ومضطرب لدرجة تحدُّثه للصور المعلقة على جدران غرف البيت الأبيض.
وكتاب "الخوف" ليس الأول ولن يكون الأخير من بين الكتب التي تأخذ القارئ إلى داخل المكتب البيضاوي، مثل كتاب "نار وغضب" لمايكل وولف، والذي صدر نهاية العام الماضي تحدث فيه عن تفاصيل كثيرة هامة عن طريقة حكم ترامب.
إلا أنه اعتمد كثيرا على شخص واحد هو ستيفن بانون، أحد أهم مستشاري ترامب السابقين. وكان هناك أيضا كتاب مساعدته السابقة أوماروسا بعنوان "المعتوه"، وهي التي عملت معه في برنامجه التلفزيوني كذلك قبل أن تنضم لاحقا لفريق ترامب بالبيت الأبيض.
غير أن كتاب وودورد يختلف جذريا عما سبقه، إذ أنه يعرض صورة متكاملة لترامب مدعوما بشهادات موثقة ومسجلة لحواراته مع عشرات من المحيطين به يوميا الذين اجتمع معهم وودورد شخصيا، بعيدا عن مكاتبهم وبعيدا عن أي أضواء.
ويشير إلى أن بعض مستشاري ترامب سعوا إلى العمل في البيت الأبيض لهدف واحد هو "ضبط ومحاولة السيطرة على رئيس زئبقي لا يمكن توقع قراراته".
ورفض ترامب أن يلتقي وودورد ليعرض وجهه نظره لتضمينها في الكتاب قبل أشهر مضت، بل وخرج ليصف الكتاب بأنه "احتيال على الناس"، وأعاد الرئيس نشر تغريدات لكل من وزير الدفاع جيمس ماتيس، ورئيس موظفي البيت الأبيض جون كيلي، نفيا فيها ما جاء على لسانهما.
"كوشنر" والرهان على "بن سلمان"
يركز الكتاب في فصول عدّة على شخصية محورية داخل مجلس الأمن القومي، ألا وهو ديريك هارفي، مدير وحدة الشرق الأوسط بالمجلس، والذي خدم سابقا في الجيش الأمريكي وصولا لمرتبة كولونيل.
وكان أكثر ما يقلق هارفي هو "حزب الله"، ونفوذ إيران المتزايد في الدول العربية. وكتب هارفي محذرا من إمكانية جر إسرائيل لمواجهة عسكرية جديدة مع "حزب الله" وحليفه الإيراني.
وهو ما يهدد مصالح واشنطن في المنطقة، إلا أن هارفي لعب دورا محوريا في الترتيب لأول زيارة خارجية لترامب والتي أخذته للسعودية وإسرائيل.
ويعرض الكتاب طلب مستشار ترامب وزوج ابنته جاريد كوشنر بأن يستمع لرأي هارفي كون السعودية محطة ترامب الأولى خارج الولايات المتحدة الأمريكية.
وهندس كوشنر زيارة ترامب للسعودية والتي رأى فيها هارفي مناسبة جيدة للتأكيد على شراكة واشنطن مع الرياض، وإمكانية إبراز المخاطر المشتركة التي تواجهها السعودية وإسرائيل ممثلة في النفوذ الإيراني المتزايد.
وخوّل كوشنر، بحسب الكتاب، هارفي لإجراء عمليات التنسيق اللازمة حول زيارة السعودية، وبالفعل أرسل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن وفدا من 30 شخصا، لعقد اجتماعات عمل مع نظرائهم الأمريكيين حول قضايا الإرهاب والمشتريات العسكرية والشراكة الاستراتيجية.
إلا أن مستشار الأمن القومي في حينها هربرت ماكماستر، لم يكن راضيا عن مبادرة كوشنر باختيار الرياض لتكون وجهة الرئيس الأولى، ولم يكن راضيا عن تهميشه من قبل كوشنر.
من ناحيته، اعتقد كوشنر، وفقا للكتاب، أن الزيارة تخدم هدف جمع السعودية وإسرائيل في جبهة واحدة ضد إيران وهو ما يمهد الطريق لحوار مباشر بين الرياض وتل أبيب لاحقا.
وتحدث كوشنر مباشرة لمحمد بن سلمان حول الزيارة، وحول المشتريات العسكرية وهو ما دفع لعقد صفقات تقدر بحوالي 110 مليارات دولار، وذلك بعد تردد سعودي وحذر في البداية.
وهو ما استدعى لاحقا إرسال وفد آخر إلى واشنطن لتنسيق الزيارة واعتماد برامج عقود المشتريات العسكرية. ولتسهيل كل ذلك، دعا كوشنر بن سلمان أولا إلى البيت الأبيض في منتصف مارس/آذار 2017.
ويعتقد هارفي، بحسب وودورد، أن زيارة بن سلمان لواشنطن نجحت في تأكيد المشتريات العسكرية والاتفاق على زيارة السعودية. كما تم الاتفاق على أن تمول السعودية عمليات لوكالة الاستخبارات المركزية "سي آي أيه" داخل سورية بأربعة مليارات دولار، مما سعد به ترامب كثيرا.
وأثارت كل هذه التحركات حفيظة ماكماستر الذي غضب من تجاوزه، وهدد بالتواصل مباشرة مع نظيره السعودي للتنسيق في هذه القضايا.
كذلك أثارت خطوة كوشنر قلقا في أوساط الأجهزة الأمريكية التي تعاملت لسنوات في مجال مكافحة الإرهاب مع ولي العهد السابق محمد بن نايف الذي اعتبروه الرجل الأقوى داخل العائلة السعودية الحاكمة، ونصحت كوشنر بالحذر.
إلا أن كوشنر ذكر لهارفي أن: "لديه معلومات استخباراتية تؤكد أن محمد بن سلمان هو مفتاح المملكة السعودية حاليا، يملك بيده مقاليد الأمور، إضافة لما لديه من رؤية مستقبلية وطاقة ورغبة في الإصلاح".
"ماتيس" وخطة مواجهة إيران
يتحدث الكتاب عن تفاصيل الجنرال جيمس ماتيس وزيرا للدفاع، ويعرض خلفيته كضابط بقوات المارينز، وكيف شكل الهجوم على معسكر للمارينز في بيروت عام 1983، والذي خلف 220 قتيلا من المارينز، عقيدته العسكرية والتي ترى أن إيران عدو خطير يجب مواجهته.
ويذكر الكتاب أن ماتيس أعد منذ سنوات عدّة استراتيجية عسكرية لمواجهة إيران في 15 صفحة تتضمن تدمير برنامجها النووي وعُرفت باسم "هجوم البديل الخامس".
وطبقا لوودورد، يعتقد ماتيس أنه لا يجب التسامح مع تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة، ولا يجب التسامح مع سياساتها المهددة لاستقرار حلفاء واشنطن في الخليج.
يؤمن ماتيس بضرورة مواجهة إيران وحليفها "حزب الله" في سورية ولبنان، وضرورة مواجهة مليشيات تابعة لإيران داخل العراق.
ويرى كذلك في استراتيجيته لمواجهة إيران بضرورة التأثير في الرأي العام الداخلي في إيران. يربط وودورد ذلك بسلوك إدارة ترامب تجاه الاتفاق النووي الإيراني.
سخرية "السيسي" من "ترامب"
ويذكر وودورد أن ترامب اشتكى كثيرا من تداعيات التحقيقات الجارية بخصوص التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية على هيبته كرئيس عند تعامله مع زعماء العالم.
ويقول ترامب لمحاميه جون دود إنه وأثناء الاتصال بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي وصفه بأنه رجل لا يحترم حقوق الإنسان وقتل الكثير من معارضيه، ذكر صفقة الإفراج عن المواطنة الأمريكية من أصل مصري، آية حجازي، وسألني السيسي "دونالد، أنا قلق بشأن التحقيق الروسي، هل ستظل في منصبك؟".
وفي بداية كتابه "الخوف"، الذي جاء في 448 صفحة، يؤكد بوب وودورد أنه اتبع خلال المقابلات، التي أُجريت لتجميع مادة هذا الكتاب قواعد صارمة تتعلق بتسجيل ما يقرب من كل المقابلات على جهاز تسجيل بعد استئذان المصادر التي قبلت أن تتحدث له.
وبالفعل سجل وودورد مئات الساعات مع مسؤولين وشهود من أجل توخي الدقة في كتابة ما جاء في المقابلات، لذا فهو يذكر حرفيا، ما قاله أو قالته، المصادر المعنية.
وعندما يشير وودورد لشخص ما في موقف ما، فهو يشير إلى شخص كان حاضرا بنفسه أو سمح له منصبه بالاطلاع على تفاصيل ما جرى. ويؤكد وودورد أن ترامب رفض مقابلته للاستماع إليه، والحصول على شهادته، وتضمينها في الكتاب.
أعد ماتيس استراتيجية عسكرية لمواجهة إيران تتضمن تدمير برنامجها النووي وعُرفت باسم "هجوم البديل الخامس".
زيارة بن سلمان لواشنطن نجحت في تأكيد المشتريات العسكرية والاتفاق على زيارة السعودية.
تم الاتفاق على أن تمول السعودية عمليات "سي آي أيه" داخل سورية بأربعة مليارات دولار.
أراد مستشارو ترامب العمل بالبيت الأبيض بهدف: "ضبط ومحاولة السيطرة على رئيس زئبقي لا يمكن توقع قراراته".