بيل لو - فير أوبزرفر- ترجمة شادي خليفة -
في 6 يونيو/حزيران الماضي في جدة، عقد ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان"، ونظيره في أبوظبي، "محمد بن زايد"، أول اجتماع لمجلس التنسيق السعودي الإماراتي.
وتعد أبوظبي واحدة من الإمارات السبع التي تشكل دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي حين تعتبر دبي المركز المالي، والشارقة المركز الثقافي، فإن أبوظبي هي القلب السياسي والعسكري لدولة الإمارات.
ولدى "بن سلمان"، شراكة عمل وثيقة مع ولي العهد الإماراتي الأكبر سنا، وقد أطلقا معا الحرب في اليمن، في مارس/آذار عام 2015، ردا على هجوم المتمردين الحوثيين الذين استولوا على مدينة عدن الساحلية اليمنية الجنوبية.
وتستمر تلك الحرب مخلفة أكثر من 10 آلف قتيل مدني، العديد منهم بسبب حملة القصف الجوي بقيادة السعودية، بينما يواجه الملايين المجاعة في أفقر دولة في العالم العربي.
وفي يونيو/حزيران 2017، تعاونت الإمارات والمملكة العربية السعودية في حصار بري وبحري وجوي على قطر، وهي زميلة في مجلس التعاون الخليجي.
وكان مبرر الحصار، الذي انضمت إليه البحرين ومصر، قصة إخبارية مزيفة تم زرعها في وسائل إعلام محلية وإقليمية ودولية، ووفقا للقصة، أشاد أمير قطر، الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني"، بإيران و"حماس"، بينما كان يشرف على حفل عسكري.
وبعد مرور عام، يستمر الحصار، لكن قطر تبقى مرنة وقوية، ولم تحظ دول الحصار الأربع بدعم دبلوماسي أو سياسي كبير لأجندتهم التي أدت إلى تمزيق مجلس التعاون الخليجي.
حتى الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، الذي كان قد غرد في البداية فرحا بالحصار، تخلى منذ وقت طويل عن الإجراء الذي تسبب في تفاقم التوترات في المنطقة.
اختيار استراتيجي
ومع ذلك، فإن الخلاف، كما هو الحال في الحرب في اليمن، يستمر دون أن تبدو له نهاية واضحة في الأفق.
والآن، ومع إطلاق مجلس التنسيق السعودي الإماراتي، أشار الأميران بذلك إلى أن مجلس التعاون الخليجي لم يعد أداة مفيدة لتعزيز مصالحهما، أو كما صرح "بن زايد"، على حسابه في موقع "تويتر": "تحالفنا مع المملكة خيار استراتيجي، يزيد من قوتنا، ويمنحنا مستقبلا واعدا".
ويشترك كلا الرجلين مع الرئيس "ترامب"، ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، في عداء عميق تجاه إيران، لذلك ليس من المستغرب أن تجري المحادثات وراء الكواليس، ليس فقط مع اللاعبين الرئيسيين في إدارة "ترامب"، ولكن أيضا مع الإسرائيليين.
وكما يلاحظ "آدم إنتوس"، في صحيفة "نيويوركر"، فقد ظل "بن زايد"، لأعوام عديدة، يتابع صلاته مع الإسرائيليين بهدوء، ولكن بجد.
وقد منحه انتخاب "دونالد ترامب" فرصة غير متوقعة لتعزيز جهوده في بناء تحالف على استعداد لتصعيد المواجهة ضد إيران.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2016 - دون استشارة إدارة "أوباما" في ما يعد خرقا واضحا للبروتوكول - التقى "بن زايد" في نيويورك مع صهر "ترامب" "غاريد كوشنر"، والمستشار الرئيسي للرئيس "ستيف بانون"، و"مايكل فلين"، مستشار "ترامب" الأسبق للأمن القومي الذي اضطر إلى الاستقالة بسبب كذبه بشأن اتصالاته مع السلطات الروسية.
وكما يقول "إنتوس"، كان الغرض من الاجتماع هو التأكيد على أن ولي عهد أبوظبي، وصديقه السعودي الشاب، مستعدان وقادران على القيام بدورهما في تحدي إيران.
وقد أراد مستشارو "ترامب" أن يعرفوا أنه هو ونظيره في المملكة العربية السعودية ملتزمان بالعمل مع الإدارة الجديدة لتقليص نفوذ إيران، وقال المشاركون في الاجتماع إن رسالة "بن زايد" كانت تقول إن إيران هي المشكلة، وليست (إسرائيل)، وهو ما توافق مع وجهة نظر "نتنياهو".
لكن جهود دحر التأثير الإيراني لا تأتي دون تحديات، ولدى دبي، على وجه الخصوص، علاقة اقتصادية طويلة ومتبادلة المنفعة مع إيران.
وتحتكر الإمارات معظم صادرات دول مجلس التعاون الخليجي إلى إيران، وفي عام 2016، على سبيل المثال، كانت الإمارات وحدها مسؤولة عن أكثر من 60% من الواردات من إيران، في سوق يبلغ إجمالي قيمته 23.7 مليارات دولار، ما يجعل إيران أكبر شريك تجاري غير نفطي للإمارات.
ويمر معظم هذا العمل عبر دبي، التي أصبحت الرابط لدول أخرى للتغلب على العقوبات والقيام بأعمال تجارية مع إيران، وسوف يكون لفرض عقوبات "ترامب" إلى الحد الذي يطالب به الأمريكيون في الوقت الحالي تأثير سلبي خطير على اقتصاد دبي.
وبالمثل، فإن سمعة دبي كمركز تجاري مفتوح ومتسامح قد تضررت مع استمرار الصراع في اليمن، ومع ذلك، لم يكن لدى أمير دبي، الشيخ "محمد بن راشد آل مكتوم"، خيار آخر سوى الذهاب في الحرب إلى جانب أبوظبي.
ومن الواضح تماما أن "بن زايد"، بصفته نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، هو من أطلق مبادرات السياسة الخارجية القوية والعنيفة للبلاد.
وكجزء من هذه المبادرة، افتتحت الإمارات، خلال الأعوام الثلاثة الماضية 3 قواعد عسكرية في القرن الأفريقي، في مدينة "عصب" في إريتريا، وفي العاصمة الصومالية "مقديشو"، وفي "بربرة" في أرض الصومال.
ويعد استخدام الموانئ لكل من الأغراض التجارية والاستراتيجية والعسكرية، على رأس جدول أعمال "بن زايد"، وفي الواقع، دخلت الإمارات حرب اليمن باستراتيجية واضحة لتأمين السيطرة على ميناء "عدن"، بينما كانت تدعم حركة انفصالية تسعى لاستقلال الجنوب كدولة تقع ضمن مجال النفوذ الإماراتي.
التلاعب بالسعوديين
لكن الأقل وضوحا هي نهاية لعبة السعوديين، وكان "بن سلمان" قد دخل الحرب مع افتراض خاطئ بأنه سينتهي منها بسرعة، في غضون أسابيع.
وبعد أن حقق نصرا عظيما في السيطرة على السلطة في الداخل، فإنه يحرق أوراق اعتماده كقائد محارب، وكما أثبتت الأحداث، أثبت الحوثيون حتى الآن أنهم أكثر من أعداء جديرين ضد هذا الطموح المتبجح.
وعلى عكس الإماراتيين، الذين نشروا قوات برية في الجنوب، فإن السعودية، بسبب ضعف جيشها نوعيا، اقتصرت على حملة قصف دمرت البلاد.
وبذلك فإنها تتلقى معظم الإدانات الدولية وليس الإمارات، على الرغم من أن الإمارات العربية المتحدة قد ارتكبت العديد من انتهاكات حقوق الإنسان الموثقة في المناطق اليمنية الخاضعة لسيطرتها.
ويتعرض السعوديون للانتقادات أيضا لقبولهم مبادرة تقودها أمريكا؛ حيث يضغطون على الفلسطينيين للتعامل مع أي صفقة يتم تقديمها من جانب "ترامب"، ويشمل ذلك قبول القدس كعاصمة موحدة للدولة اليهودية، وإنكار حق العودة، وإضفاء الشرعية على مستوطنات الضفة الغربية، وإدماجها في (إسرائيل) الكبرى.
وهي صفقة تمت صياغتها من قبل "كوشنر"، صهر "ترامب"، بدعم من اليهود الأمريكيين الأثرياء الموالين للاستيطان، وهي صفقة تتجاهل حقوق الفلسطينيين بشكل كامل تقريبا.
وأكدت الاستجابة الصامتة من قبل الإعلام السعودي، الذي يسيطر عليه النظام بشدة، لإعلان "ترامب" "القدس" عاصمة لـ (إسرائيل)، أن السعودية تخلت عن الفلسطينيين والقضية الفلسطينية لإرضاء الأمريكيين.
وعلى الرغم من أن الإمارات منخرطة أكثر من أي وقت مضى إلى جانب إدارة "ترامب"، لكن السعودية كان يُنظر إليها على أنها رمز للإسلام وقضايا المسلمين.
وفي الوقت الذي تستمر فيه الإمارات في زيادة تواجدها في اليمن والقرن الأفريقي، يخاطر "بن سلمان" بالسقوط في مواجهة التحديات الاقتصادية في الداخل، ولقد أطلق ثورة اقتصادية واجتماعية طموحة تحت عنوان "رؤية 2030"، وقد تم تصميم عناصر الخطة، مثل فتح البلاد للسياحة والترفيه، كمحاكاة لنموذج الإمارات في العديد من الجوانب.
لكن في حين قد عزز "بن سلمان" السلطة بطريقة لم يسبق لها مثيل في المملكة، فإن التحديات التي يواجهها من داخل عائلته الحاكمة، ومن النخبة الدينية ومواطني الدولة المحافظين للغاية، أكبر بكثير من أي تحد واجهته دبي وأبوظبي عندما بنوا نفوذهم.
وفي الوقت الحالي، يسعد "بن زايد" أن يلعب دور المخرج الذي يسمح لنجمه الصغير بالخروج إلى الأضواء، ومع ذلك، في أحد تغريداته حول مجلس التنسيق السعودي الإماراتي، قد يكون قد أظهر عن غير قصد نيته الحقيقية وعمق طموحه الخاص.
وقد كتب أن "الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية انضمتا إلى بعضهما البعض للأبد، من خلال تحالف قوي يتميز بعلاقات تاريخية عميقة ومصير مشترك"، وقد أشار إلى 44 مشروعا واتفاقية مشتركة، ووصف العلاقة بأنها "تحالف نموذجي".
ويتساءل المرء إذا ما كانت هناك لحظة قد يدرك فيها "بن سلمان" أنه في كل هذه المشاريع المشتركة، (اليمن، والخلاف مع قطر، وفلسطين، والقرن الأفريقي)، فإنه هو من يدفع الثمن الأعلى، في حين يبقى الشريك الآخر في الظل نائيا بنفسه عن تحمل الأعباء.