مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-
قضية اختفاء الإعلامي جمال خاشقحي في تركيا تحوّلت إلى محور احتمالات صاخبة، وأصبحت حديث الساعة تتناقله وسائل الإعلام العالمية والمحلية العربية والأجنبية، فيما تزخر وسائط الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي بتفاصيل عجيبة وغريبة وخفايا ومعطيات تنفع لكتابة عشرات السيناريوهات السينمائية، والإنتاجات التي تتحدّث عن الأساطير وقصص الجنّ والعفاريت وخفافيش الليل والنهار، وكأنّ كل قضايا الأمّة تقزّمت وتحجّمت لتجتمع في زاوية اللغز الكوني الذي يتمثّل في ضرورة الكشف عن مصير هذا الرجل المعروف بمعارضته "الناعمة" للحكم في السعودية، فضلاً عن أنه صاحب مواقف يصفها منتقدوه بأنها لم تخرج عن الإطار العام لأهداف الرياض في ما يتعلّق بملفات المنطقة الملتهبة، ولا سيما على جبهات إيران واليمن وسوريا، ولا يتناقض في رؤيته لهذه الملفات مع التوجّهات السعودية.
من المتضرر والمستفيد؟
لن أتحدّث عن الروايات الخيالية التي تناولت احتمالات مقتل خاشقجي ونشره وتقطيعه أو إذابته بالسوائل الأسيدية ودفنه في أرض القنصلية السعودية في اسطمبول، ولا جدوى من تحليل الصور، الحقيقية أو المركّبة، وتوقيت دخوله أو خروجه من مبنى القنصلية، برفقة خطيبته التي بقيت أربعة أيام منتظرة ظهور الزوج الجديد المفترض، فضلاً عن "الاكتشافات الخارقة" للمصادر التركية أو القطرية التي تكاد تجزم بعدد المرات التي تنفّس فيها خاشقجي وهو يعاني من التعذيب على أيدي مجموعة الـ 15 السعودية التي جاءت خصيصاً من المملكة لتنفيذ حكم الإعدام بـ "عدو الأمة" العربية.. إلخ، فالحديث هنا بات يستلزم الوقوف عند الهدف / الأهداف والغاية / الغايات من هذه القضية، ومن هو المتضرّر والمستفيد؟!
ابن سلمان في صلب الاستهداف
نعم، قد يكون خاشقجي مقتولاً أو مخطوفاً ومحتجزاً في مكان ما على يد جهة ما، وإلا لو كان حيّاً أو حرّاً طليقاً لكان سمع ما يثار حوله، فخرج إلى العلن ليضع حدّاً للاجتهادات الألغازية، ولكن إلى حين تبيان الحقيقة تبقى المملكة وولي العهد محمد بن سلمان بالذات في صلب المرمى والاستهداف، لأن القاصي والداني بات يعلم أنه مسؤول عن رسم وتنفيذ السياسات الداخلية والخارجية للبلاد في أغلب المجالات وعلى الصعد السياسية والاقتصادية وكذلك الأمنية والعسكرية، وعليه فهو بات في قلب الحدث الذي قد يتطوّر في المرحلة المقبلة ليتحوّل إلى كرة نار تحرق كل إنجازاته الواعدة وتكبح جموح طموحاته في بناء السعودية الجديدة، دون إغفال الجهات والدول، ولا سيما الأوروبية وبعض الخليجية، التي تترصّد كبوته لترفع سقف حملاتها المضمرة والمعلنة، وصولاً إلى كسره وتطويعه.
السعودية في مسار حرج
لسان حال المواطن السعودي يصرخ بصمت: إلى أين نحن ذاهبون؟ وإلى متى ستبقى المملكة بشعبها ومؤسساتها ومقدّراتها الحيوية في فوهة المدفع وعلى حافة البركان؟ ألا يكفي أننا كنا ولا زلنا ندفع ضريبة الموقف العربي والخليجي؟ ومن هو جمال خاشقجي في معادلة الصراع الدولي حتى ثارت علينا كل الأقلام والحملات؟ ألا يحق للسعودية أن تكافح لتكمّ أفواه الأصوات المغرضة التي تتناولها؟ أم أن الذين يتشدّقون بحرية الرأي يستخدمون هذه القضية المفتعلة مطيّة ليشوّهوا تاريخ السعودية بادّعاء أن العهد الجديد قائم على ارتكاب الجرائم والاعتقالات وشراء الذمم والضمائر؟ لا شك أن المرحلة دقيقة وحساسّة جداً، ولا أحد هنا يحسد ولي العهد على ما يواجهه من استحقاقات مفصلية، فهو الآن قطب الرحى ونقطة الجاذبية، وتجتمع عليه كل أشعة الدوائر والمربّعات، وبات الوضع يتطلّب إجراءات مباشرة لوقف الاستنزاف الوجودي للسعودية.
ابتزاز .. تسوية
يتحدث التركي - الأخواني عن دلائل قطعية على مقتل خاشقجي يؤازره بذلك القطري الذي لا يبتعد عن مدار اللغة نفسها، فيما بدأت العواصم الغربية تتحرّك نحو صياغة مضبطة اتهام بحق السعودية، أما الأمريكي النزق فهو يضحك اليوم في سرّه ويفرك كفاً بكفّ تحضيراً لنقطة ابتزاز جديدة لسلب خيرات المملكة أكثر فأكثر، والملفت أنه حتى الآن لم يخرج أي موقف رسمي من أي جهة عربية أو أجنبية، بل اقتصرت التصريحات والتحليلات والتسريبات والمواقف حول القضية على مصادر تقترب أو تعبّر عن الحكومات والأنظمة، وكأنّ الجميع من أصحاب القرار ينتظر نضوج شيء ما تمهيداً لتسوية يتم تجهيز عناصرها ومعطياتها، فهل تكون النتيجة مزيداً من الحصار على السعودية أم سيتمكّن ابن سلمان من إنقاذ المملكة من المسار الحرج الجديد؟