ميسون ملحم- DW- عربية-
لم يعد جمال خاشقجي مجرد مواطن سعودي اختفى بعد دخوله قنصلية بلاده، وإنما تحول إلى رمز للانقسام الكبير في الشرق الأوسط. أزمة اختفاء خاشقجي قد تترك آثاراً كبيرة على عدة ملفات محورية أهمها "الناتو العربي".
لا شك أن اختفاء جمال خاشقجي فجر أزمة جديدة في منطقة تلفها الأزمات. الصحفي السعودي، الذي اختار الولايات المتحدة لتكون منفاه الاختياري بعد أن وجه انتقاداته للسياسات الداخلية والخارجية لولي العهد الشاب محمد بن سلمان، لم يكن مجرد مواطن سعودي اختفى بعد دخوله قنصلية بلاده. بل بات يشكل رمزا للانقسام الذي تشهده المنطقة بين تيارين أحدهما يمثله الأمير الشاب محمد بن سلمان وسياساته الجامحة المعادية لإيران، والمتوافقة بالكامل مع تصور ترامب للشرق الأوسط، والتيار الثاني تمثله قطر والدول الحليفة لها الساعية إلى شراكة لا تقوم على التسليم الكامل برؤية الإدارة الأمريكية الحالية للشرق الأوسط.
حتى أسابيع قليلة خلت بدا أن السعودية ماضية في تنفيذ مشاريعها الإقليمية من دون أي مقاومة تذكر، ولكن أزمة خاشقجي طرحت تساؤلات جديدة حول مستقبل طموحات المملكة وأميرها الشاب في المنطقة على أكثر من صعيد.
حرب اليمن، مأساة مستمرة
وهي من أوائل مشاريع السعودية بقيادتها الجديدة، وحرب رأى فيها محمد بن سلمان تحدياً شخصياً لا رجعة عنه، ولم تلق انتهاكات حقوق الإنسان التي رافقتها أكثر من غض طرف من قبل الإدارة الأمريكية خلال الشهور العشرين الأخيرة.
وجاء اختيار الرئيس دونالد ترامب للسعودية كعنوان زيارته الخارجية الأولى بعد دخوله المكتب البيضوي ليعيد ثقة السعوديين في شراكتهم مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد سنوات من عدم المبالاة التي وسمت نظرة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما للشرق الأوسط.
وبنزول طيارة الرئيس الأمريكي في الرياض بدأ عهد جديد في العلاقات الأمريكية السعودية لم تعد السعودية تتعرض فيه لانتقادات من البيت الأبيض بسبب ملف حقوق الإنسان المتعلق بحرب اليمن. وبدلاً من عقود الأسلحة الأمريكية للسعوديين التي حظرها أوباما وقع ترامب أكبر صفقة في التاريخ الأمريكي مع السعوديين وبلغت قيمتها 350 مليار دولار، ولتتحول سياسة البيت الأبيض من لا مبالاة تجاه الشرق الأوسط إلى عدم اكتراث بالتحذيرات الأممية من التبعات الكارثية للحرب وعزم أميركي – وسعودي أيضاً- على المضي في معركة عض أصابع مع طهران على أرض اليمن.
ثم جاءت قضية اختفاء خاشقجي وبات كثيرون يتساءلون عن مصير الدعم الأمريكي غير المشروط لسياسات بن سلمان في حرب آخر ما أنتجته هو أسوأ مجاعة خلال قرن كامل. الصحفي الفرنسي ورئيس تحرير موقف أورينت 21 آلان غريش قال في حوار مع DW عربية "إن الشراكة الأمريكية السعودية أقدم من بن سلمان ومن ترامب".
وتوقع غريش ألا تتأثر هذه الشراكة بشكل كبير بقضية خاشقجي". وحتى وإن جاء أي رد أمريكي ضد السعودية فلن يأتي من الرئيس دونالد ترامب، وسيقابل بصمت سعودي لأن السعودية غير قادرة على الرد، حسب الصحفي الفرنسي.
في سوريا وفي الخليج لا مصلحة لأحد في التغيير
وإن كانت اليمن الخاصرة السعودية التي تقارع فيها الرياض ومن خلفها واشنطن طهران، فإن سوريا ملعب الحرب الأخرى على الصراع في الشرق الأوسط بين الدولتين. هنا أيضاً بدا لعشرين شهراً خلت وكأن الحكومتين الأمريكية والسعودية على توافق كامل حول ما يراد للحرب في سوريا أن تتمخض عنه.
قدوم ترامب إلى الحكم ترافق مع تغيير خطاب السعوديين تجاه تصور الرياض للمخرج من الأزمة السورية وأصبح الهدف الأساسي هو القضاء على الإرهاب "الداعشي" وعزل النفوذ الإيراني ما أمكن عن الساحة السورية، مع انحسار الحديث عن إسقاط النظام السوري أو إحداث أي تغيير جذري في دمشق. هنا أيضاً يتوقع غريش أن لا يشهد هذا الملف تغييراً كبيراً جراء الضغط الذي تتعرض له السعودية على خلفية اختفاء خاشقجي، وبرر ذلك بأنه يرى أن الملف السوري "ليس قضية أساسية بالنسبة للطرفين".
الأمر نفسه ينطبق على الاتجاه الذي قد تتطور فيه الأزمة الخليجية، والتي سُلط الضوء عليها مجدداً من خلال التعاطي الإعلامي مع قضية الصحفي السعودي المختفي. وبرأي غريش ليس من المنتظر أن تتغير السياسة السعودية في ما يتعلق بمقاطعة قطر، وليس من المتوقع أن تتغير سياسة واشنطن تجاه هذه الأزمة لأن "قطر بالأساس ليست بديلاً عن السعودية بالنسبة للسياسة الأمريكية"، حسب قوله.
تخوفات إسرائيلية ومستقبل مبهم لـ "الناتو العربي"
إذاً التوافق الأمريكي السعودي والمشاريع السعودية في المنطقة المدعومة من واشنطن كلها تدور في فلك العداء مع طهران وسعي الرياض إلى تقويض نفوذها في المنطقة. المشروع الأكثر طموحاً، الذي كانت واشنطن تسعى لإرسائه، هو ما سماه ترامب بـ"الناتو العربي". وهو بمثابة تحالف استراتيجي للشرق الأوسط من المفترض أن يقف سداً في وجه العدوان الإيراني والإرهاب والتطرف في المنطقة حسب تصريحات البيت الأبيض.
وعلى الرغم من أن الفكرة ليست وليدة عهد ترامب، وإنما ظهرت مع بداية الربيع العربي، ثم أعيد طرحها مرة أخرى في 2015 وأهملت بسبب انسحاب السياسة الأمريكية من الشرق الأوسط في الولاية الثانية لأوباما، ولكن قدوم ترامب إلى الحكم وتحسين الشراكة الدفاعية بين واشنطن والرياض أعاد طرح فكرة تأسيس هذا الحلف، الذي يبدو أنه سيدخل مرة أخرى في طور التعثر كواحدة من أهم التبعات السلبية لقضية اختفاء خاشقجي.
آلان غريش رأى أن "قضية خاشقجي سيكون لها تأثيرات سلبية كبيرة على مشروع تأسيس حلف عربي إسرائيلي أمريكي ضد إيران، وسيكون من الصعب تسويق فكرة هذا التحالف بعد الضغوطات التي تتعرض لها السعودية على خلفية القضية".
والأثر السلبي الأكبر لأزمة اختفاء خاشقجي وتأثيرها على السعودية وأميرها الشاب يتم الحديث عنه بشكل أساسي داخل إسرائيل حسب الصحفي الفرنسي. "فمحمد بن سلمان كان الأكثر اندفاعاً في الدفاع عن التقارب مع إسرائيل، وهناك بالتالي تخوف كبير من الجانب الإسرائيلي مما قد تؤول إليه السياسة السعودية تجاهها من بعد بن سلمان"، والكلام للصحفي الفرنسي المخضرم.