خليل العناني - العربي الجديد-
ليس بوسع المرء أن يتخيل ما حدث للكاتب الصحفي والإعلامي السعودي، "جمال خاشقجي"، يوم دخوله قنصلية بلاده في إسطنبول في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الجاري لتخليص معاملة مدنية، إلا بعد أن يشاهد مقاطع من فيلم رعب سينمائي، أو أن يعيد إلى الذاكرة بعضاً من المشاهد المروّعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) التي كان يقطع فيها رؤوس ضحاياه أو يحرقهم أحياء كما فعل مع الطيّار الأردني معاذ الكساسبة.
وإذا كان لدى الدواعش تفسير ثيولوجي وديني يستخدمونه لتبرير أفعالهم البربرية، يحار المرء، كثيراً، في إيجاد تفسير لما فعله "الدواعش" السعوديون مع ابن جلدتهم!
لا تترك التسريبات الواردة من تركيا، والتي نقلتها وسائل الإعلام شرقاً وغرباً، عما قامت به فرقة الاغتيال التي أرسلتها السلطات السعودية لتنفيذ هذه الجريمة الوحشية، لا تترك للخيال والفانتازيا شيئاً، ولا تسمح للمرء سوى بالذهول وهو يتابع تفاصيل ما حدث.
ولعل آخر مرة سمعنا أو قرأنا فيها عن تقطيع جثة شخص بمنشار، لأغراض سياسية، كانت في القرون الوسطى، حين كان يُشقّ المعارضون بالمناشير، وتقطع رؤوسهم وأطرافهم، وتوزّع أجزاء من جثثهم في أكثر من مدينة أو بلد، لتكون عبرة لغيرهم.
ويظل الأكثر إثارة للاستغراب، والاشمئزاز، ما أشيع عن تشغيل الموسيقي في أثناء عملية تقطيع جثة خاشقجي. وهو سيناريو يتفوّق على ما يمكن لألفريد هيتشكوك، أشهر مخرجي أفلام الرعب، أن يتخيّله ويضعه في مشهد درامي محبك.
ويزداد الأمر إثارةً ودراما حين يُشاع أن عملية القتل والتقطيع لم تستغرق سوى ساعتين، أي أقصر من مدة مشاهدة فيلم سينمائي يحمل كل هذه التفاصيل المروّعة.
لا يمكن بأي حال أن يتخيل المرء أن جريمة بهذا الحجم والتخطيط والتنفيذ قد فعلها "هواة" أو "قتلة مارقون"، على نحو ما يحاولون ترويجه الآن، وكما جاء في وصف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب لما حدث.
أو أن تتم جريمة كهذه دون علم، بل ودون أمر، من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. ليس فقط لأنه لا يمكن لأحد أن يجرؤ على القيام بذلك، وإنما أيضا لقربه من طبيعة تفكير هذا الشاب وسلوكه، وهو المصاب بجنون العظمة الذي يصل إلى حد الحماقة والتهور.
وللحق، يكشف أي تحليل سيكولوجي لشخصية ولي العهد السعودي وسلوكه منذ استيلائه على السلطة إما اضطراباً في التفكير يصل إلى حد التهور والجنون، أو غروراً واستخفافاً بعواقب سلوكه وقرارته بشكلٍ لا يضاهيه فيه أحد شرقاً أو غرباً.
فلا تبتعد جريمة مقتل خاشقجي، على خسّتها وبشاعتها، كثيراً عن جرائم بن سلمان في اليمن، والتي راح ضحيتها، ولا يزال، آلاف من الأطفال والنساء والرجال.
ولا تبتعد، إلا في درجة التربّص والاستخفاف بالعواقب، عما فعله حين اعتقل أمراء ومن أبناء عمومته النافذين، واستولى على أموالهم عنوة. أو حين اعتقل، ولا يزال، عشرات من دعاة الدين والناشطين والناشطات وكتّاب الرأي.
كما لا تبتعد الجريمة أيضا، في مفاجأتها وغرائبيتها، عن اختطاف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وإجباره على الاستقالة علناً.
لذلك، إذا مددنا الخط على استقامته، يصبح ما فعله بن سلمان مع خاشقجي طبيعياً ومتوقعاً، رغم بشاعة الجريمة. ولم يكن لهذا الشاب الأخرق أن يرتكب هذه الأفعال والجرائم لولا قناعته التامة بأنها ستمر، وأنه لن يُعاقب عليها، أو أن يدفع ثمنا لها.
لذلك ففي كل مرة كان يستهين فيها العالم بما يفعله، فإنه يصحو على كارثةٍ بحجم أكبر وتفاصيل مروّعة. وكأنه، بجرائمه هذه، يصرّ على امتهان الجميع وإهانة ذكائهم. ويصبح إفلاته من هذه الجريمة بمثابة ضوء أخضر لارتكاب جرائم أخرى أكثر بشاعةً وترويعاً تماماً مثلما يفعل الدواعش.