صالح النعامي- السبيل-
رغم التزام إسرائيل الرسمية الصمت إزاء تداعيات اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي، إلا أن رصد ما صدر عن النخب المرتبطة بدوائر صنع القرار فيها يظهر بوضوح أن تل أبيب تخشى أن تفضي هذه القضية إلى إفقادها الكثير من المكاسب الإستراتيجية التي حازتها نتاج تعاون نظام الحكم في الرياض.
ويرجع القلق الإسرائيلي من تداعيات الاتهامات الموجهة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالمسؤولية المباشرة عن اختفاء خاشقجي إلى إمكانية أن يسهم هذا التطور في إضعاف نظام الحكم السعودي وتهاوي حضوره الإقليمي والدولي وحدوث تراجع على مستوى العلاقة بين الرياض وواشنطن؛ والمس بطموح بن سلمان في الوصول إلى الحكم.
وتنطلق تل أبيب من افتراض مفاده أن تراجع العلاقة بين الرياض وواشنطن وإضعاف نظام الحكم في الرياض سيفضيان إلى المس بقدرتها على مواجهة تحديات إقليمية يتراوح مستوى التهديد الذي تمثله بين الوجودي والإستراتيجي.
فإسرائيل التي تستنفر لاستكمال مواجهة المشروع النووي الإيراني، ترى أن هناك دورا حاسما لنظام الحكم في الرياض في مساعدتها لتحقيق هذا الهدف؛ لأن السعودية لعبت دورا هاما في دفع ترامب للانقلاب على الاتفاق النووي مع إيران والانسحاب منه.
ويجاهر المقربون من رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتعبير عن مخاوفهم من أن يحدث فتور على الموقف الأمريكي من المشروع النووي في حال تراجعت مكانة الرياض لدى إدارة ترامب.
ويخشى الإسرائيليون بشكل خاص أن تؤدي قضية خاشقجي إلى تراجع حماس نظام الحكم في الرياض للمساعدة في فرض نظام العقوبات الجديدة على إيران، ولا سيما عن طريق إغراق السوق بالنفط السعودي لتعويض السوق العالمي عن النقص الناجم عن توقف تصدير النفط الإيراني.
إلى جانب ذلك، فإن تل أبيب تعي أن تراجع المكانة الإقليمية لنظام الحكم السعودي ستقلص من قدرتها على مواجهة تحديات إستراتيجية خطيرة، مثل الوجود الإيراني في سوريا ومعضلة حزب الله وتحدي المقاومة الفلسطينية.
فقد استفادت إسرائيل سياسيا من موقف الرياض الرافض للوجود الإيراني في سوريا، وعدائها الصريح لحزب الله، وتماهى الموقف السعودي والإسرائيلي من حركة حماس، حيث لم يتردد بن سلمان في وصف الحركة بأنها «تمثل تهديدا للأمن القومي السعودي».
إلى جانب ذلك، فإن نخب اليمين الحاكم في تل أبيب أبدت ارتياحا عميقا في أعقاب التسريبات بشأن الضغوط التي مارسها بن سلمان على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ليقبل بخطة التسوية التي أعدتها إدارة ترامب، والتي أطلق عليها «صفقة القرن»، والتي تضمنت، بين أمور أخرى، تنازل الفلسطينيين عن القدس كعاصمة لدولتهم العتيدة والاستعاضة عنها بإحدى البلدات في محيط المدينة.
ورأت هذه النخب في هذا التطور دليلا على أنه بالإمكان الاستعانة بالأطراف العربية الإقليمية في فرض تسوية للصراع تضمن مصالح إسرائيل، كما يراها اليمين في تل أبيب.
إلى جانب ذلك، فإن إسرائيل ترى في سياسات السعودية الإقليمية إسهاما غير مباشر في دعم أمنها القومي، ولا سيما الدعم غير المحدود الذي تقدمه الرياض لنظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي ترى تل أبيب أن ضمان استقراره يعد أهم ركائز البيئة الإقليمية التي تضمن مصالحها الإستراتيجية.
في الوقت ذاته، فقد توسع نتنياهو في توظيف تطور الشراكات السرية بين إسرائيل ونظام الحكم السعودي في مواجهة حركة المقاطعة الدولية «BDS»، حيث حرص على التذكير خلال مشاركته في المحافل الدولية بالتطور الكبير وغير المسبوق على طابع العلاقة بين تل أبيب وعدد من الدول العربية، حيث كان من الواضح أنها يشير بشكل خاص إلى السعودية.
فقد حاول نتنياهو إيصال رسالة إلى القائمين على «BDS» بأنه «ليس بوسعكم أن تكونوا أكثر حرصا على الفلسطينيين من الدول العربية، التي تواصل تطوير علاقاتها مع إسرائيل على الرغم من تواصل الاحتلال والاستيطان والتهويد».
من ناحية ثانية، فإن صغر عمر بن سلمان مثل عاملا أخر أغرى الإسرائيليين بالرهان عليه، على اعتبار أن هذه «الميزة» تحديدا تعني أن وصوله للحكم سيمثل عامل استقرار، على اعتبار أنه سيمضي وقتا طويلا في الحكم.
وبينما تخشى إسرائيل خسارة هذه المكاسب، فقد ألمحت دوائر مقربة جدا من صنع القرار في تل أبيب إلى إمكانية الاستنفار لمحاولة مساعدة بن سلمان للخروج من ورطته عبر توظيف اللوبيات اليهودية العاملة في واشنطن في الضغط على أعضاء الكونغرس للتراجع عن تهديداتهم بالتصعيد ضد الرياض في أعقاب قضية خاشقجي.
وبدا عيران ليرمان الذي عمل نائبا لمستشار الأمن القومي في ديوان نتنياهو متأكدا من أن اللوبيات اليهودية ستتدخل لصالح بن سلمان، على اعتبار أن ذلك يخدم المصالح الإسرائيلية.
لكن نتائج هذا الاستنفار غير مضمونة على اعتبار أن قضية خاشقجي باتت قضية رأي عام رئيسة في الولايات المتحدة مما يفاقم من صعوبة المهمة التي تنتظر إسرائيل واللوبيات اليهودية المعنية بمساعدة بن سلمان.
من هنا، فإنه من غير المستبعد أن تجد إسرائيل نفسها مطالبة بإعادة النظر في رهاناتها على بن سلمان والتحوط لمواجهة تداعيات قضية خاشقجي السلبية على مصالحها.