"ميدل إيست آي"- ترجمة شادي خليفة -
في عام 1974، نشر الراحل "فريد هاليداي" كتابه الأيقوني والاستفزازي بعنوان: "الجزيرة العربية بدون سلاطين"، وكان يتصور الجزيرة العربية خالية من قبضة الشيوخ والأمراء والسلاطين والملوك، غير المنتخبين، ودون رعاية بريطانيا والسيطرة الإمبراطورية الأمريكية في وقت لاحق.
وبعد ٤٤ عاما، قد نسأل أنفسنا نفس السؤال فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، في أعقاب قضية "جمال خاشقجي".
الجزيرة العربية بدون سلاطين
وتواجه المملكة اليوم سلسلة غير مسبوقة من التحديات، وقد أثبتت قضية "خاشقجي" أن المملكة يديرها قادة متهورون يحكمون بقبضة من حديد، وربما يكونون مستعدين للذهاب إلى أي مدى لأجل سلطتهم وغرورهم، لدرجة قتل صحفي ناقد في الخارج، بينما يحتجزون مئات النشطاء في الداخل.
وبالنسبة للعديد من الحكومات الغربية اليوم، لا يمكن التفكير في شبه الجزيرة العربية بدون السلاطين، ولكن العمل كالمعتاد، بعد مقتل "خاشقجي"، أمر لا يطاق.
فهل يمكن أن نتصور اليوم المملكة العربية السعودية بدون آل سعود أو أي ملوك؟ وإذا استطعنا، ماذا ستكون العواقب؟
من منظور ما، لا يمكن تصور شبه الجزيرة العربية بدون آل سعود، فبعد كل شيء، تم تعريف البلاد باسم تلك العائلة منذ تأسيسها عام 1933، ولكن بعد فترة طويلة من الزمن، فإنها لن تتوقف عن الوجود كدولة لمجرد أن أسرتها الحاكمة اختفت من المشهد السياسي.
وفي الواقع، قد تكون هذه نهضة تحرر إمكاناتها الكامنة، وتحشد شبابها المتعلمين، الذين أصبحوا الآن مكبلين بالملكية المطلقة منذ 85 عاما.
الملكية المطلقة
لكن دعونا نذهب إلى أبعد من الإصلاح الغامض، المنسوب إلى ولي العهد "محمد بن سلمان" منذ أن عينه والده الملك "سلمان".
وبحكم التعريف، يعني الإصلاح وجود أساس جيد وصلب تضاف إليه سلسلة من التدابير الإضافية.
وقد صفق الجميع للتغيير التطوري، وليس الثوري، لأن العالم لا يستطيع تحمل ثورة في أهم بلد منتج للنفط.
لكن الأساس الصلب يثبت الآن أنه في ورطة، وسواء كانت الدولة مارقة، أو عناصر داخلها، لم تعد الملكية المطلقة قوة أمن للشعب، أو المنطقة، أو المجتمع الدولي، حكومات أو شركات.
ومع سفك الدماء في إسطنبول، تتكشف وحشية العنصر الأساسي في النظام السعودي أمام مجتمع عالمي يعاني من الصدمة.
وجاء مقتل "خاشقجي" ليكون نقطة تحول في العلاقة بين المملكة العربية السعودية وحلفائها الغربيين.
ومع ذلك، يعد هذا القتل تتويجا لاستهداف وقمع متواصل ومنتظم لمجموعة كاملة من النشطاء والمعارضين، وأي شخص يتجرأ على التعبير عن رأي نقدي.
وإذا كان الوضع الداخلي سيئا، فإن سجل الملكية كان سيئا إقليميا أيضا.
ومن إحباط دفن الديمقراطية الوليدة في العالم العربي، وإجبار رئيس وزراء عربي على الاستقالة، وتشبع المجال العام بالخطاب الطائفي، إلى إطلاق حرب مدمرة بأسلحة غربية في اليمن، أحبط النظام حلفاءه الغربيين، الذين اعتبروا دائما المملكة قوة للاستقرار في المنطقة العربية المضطربة.
ولقد حان الوقت للنظر في البديل. إذا، كيف ستبدو السعودية دون سلاطين؟
حرب أهلية
ويعد أحد الكوابيس بالنسبة إلى الغرب، والسعوديين، هو أن تصبح المملكة العربية السعودية دولة خلافة على غرار تنظيم الدولة الإسلامية.
وتشكل فكرة أن يصبح أكبر احتياطي نفطي في العالم في أيدي مثل هذه المجموعة السيناريو الأسوأ بالنسبة للجميع.
لكن هذه النظرة المزعجة معيبة وغير مستنيرة. وسيكون هذا بمثابة سيناريو العودة إلى المستقبل. فقد تأسست المملكة كمشروع جهادي، ويجسد النظام الحالي معظم معتقدات الدولة الإسلامية.
وعلى الرغم من هذه الصورة القاتمة، تضم المملكة مجتمعا متعلما على نحو متزايد، وتطلعاته أقرب إلى اقتصادات النمو العالية والغرب الثرى.
ونعم، بعض السعوديين متدينون ومتحفظون بشدة، لكن دعونا لا نخلط بين الإيمان العميق والتعصب السياسي.
وهناك سيناريو آخر مثير للقلق، وهو أن الجزيرة العربية بدون سلاطين قد تنزلق إلى حرب أهلية طويلة الأمد، حيث يتشبث آل سعود بالسلطة، وتسعى القوى في الداخل والخارج إلى كسب النفوذ والوصول إلى موارد البلاد النفطية الهائلة.
وبينما تتبادر سوريا إلى الذهن، فإن تجربة عراق ما بعد صدام قريبة أيضا.
ومن شأن اشتعال حرب أهلية في المملكة العربية السعودية أن تهدد فكرة وجود مملكة مركزية، مع حكم ملكي مطلق، على قارة ذات مناطق وشعوب متنوعة.
وفي حالة اندلاع حرب أهلية، سيكون الأمر أسوأ بكثير من اللبنانيين والسوريين والعراقيين، وسيكون هناك تنافس على النفط، وصراع هويات إقليمية، وانفجار للعصبية القبلية.
ومع وجود معظم السكان في المدن، الرياض وجدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة والدمام، واحتياج المناطق النائية إلى تنمية جادة، فمن المرجح أن تتحول الحرب المدنية إلى حرب داخلية طويلة.
دولة منبوذة
ولكي يتم تجنب هذه السيناريوهات المقلقة، لا بد من اتخاذ خطوة هامة، وهي التحول التدريجي إلى نظام ديمقراطي، مع برلمان وحكومة منتخبين.
وستضطر شبه الجزيرة العربية الخالية من السلاطين إلى المرور عبر المرحلة الانتقالية الأولى من السماح للناس بتجربة المشاركة في الحكومة وصنع القرار.
وتعد حرية التعبير، والإفراج عن السجناء السياسيين، والمجتمع المدني، هي خطوات فورية ضرورية لفتح المجال العام لكي تظهر القوى السياسية وتنضج وتقدم أجنداتها من أجل تحول حقيقي للبلاد.
وقد يكون النظام الملكي الدستوري جسرا نحو الديمقراطية الكاملة.
وفي نهاية المطاف، ستبدو شبه الجزيرة العربية بدون سلاطين وكأنها نظام سياسي لامركزي، ربما دولة فيدرالية، تضم ما لا يقل عن ٣ أو ٤ مناطق، تتمتع بحكم ذاتي محلي كامل، ومجالس إقليمية منتخبة.
وسوف يحل الحكم الذاتي في المناطق محل الأمراء المعينين، ويتم إرسال ممثلين منتخبين عن كل منطقة إلى جمعية وطنية في الرياض.
وعلى المستوى المحلي، يتم تمكين الناس، ويتم تعزيز التنمية وضمان الحرية للجميع. وتنتج الجمعية الوطنية بالرياض حكومة تمثيلية وخاضعة للمساءلة.
ومع ذلك، إذا عرفنا كيف يصمم آل سعود على التمسك بالسلطة، وكيف هم على استعداد دائم لإعفاء أمرائهم من ارتكاب أي مخالفات، فإن مثل هذا التحول السياسي العاجل قد لا يُنظر فيه على الإطلاق. لكن دعونا نمنحهم فرصة.
وإذا لم يكن الأمر كذلك، فسوف تتدهور الجزيرة العربية لتتحول إلى دولة منبوذة، تتعطل بسبب فضائح الماضي والمستقبل، حتى تنفجر من الداخل.
وتمر معظم الأنظمة الاستبدادية بفترة تضعف فيها بسبب صراعات السلطة الداخلية، إلى درجة أن وجود شبه جزيرة عربية بدون سلاطين قد يكون أمرا حتميا في المستقبل.
المصدر | ميدل إيست آي