ملفات » الطريف إلى العرش

محمد بن سلمان "الغائب الحاضر" في خطاب أردوغان

في 2018/10/24

DW- عربية-

بترقب انتظر العالم خطاب الرئيس التركي أردوغان الذي وعد فيه بـ"الخوض في تفاصيل" قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، غير أن الخطاب في ظاهره لم يحمل الجديد، لكنه في باطنه تضمن إشارات قوية بخصوص ولي العهد محمد بن سلمان.

الجميع كان يترقب بشدة ما سيكشف عنه خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم الثلاثاء (23 أكتوبر/ تشرين الأول 2018)، حول قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، خاصة وأنه قبل أيام وعد بـ"الخوض في التفاصيل"، ما رفع سقف التوقعات إلى احتمالية تقديم تسجيلات صوتية أو مصورة للجريمة المفزعة تكشف الهويات الحقيقية لمن يقف وراءها.

كل هذا لم يتحقق، واكتفى أردوغان في حديثه إلى أعضاء حزبه المحافظ، العدالة والتنمية، بتأكيد تسريبات سابقة تناقلتها الصحافة التركية وبعدها العالمية، حول طريقة دخول ما بات يعرف بـ"كتيبة الإعدام" إلى الأراضي التركية وخروجها وأن الجريمة دبرت "بطريقة وحشية".

مع ذلك يجب الإقرار أن خطاب أردوغان تضمن إشارات قوية عدة، أبرزها التشكيك التام في الرواية السعودية الرسمية بالتشديد على أن قتل الصحفي السعودي في الثاني من هذا الشهر كان "مدبرا"، وأنه "غير راضٍ" عن تحميل السعودية المسؤولية لبعض أفراد مخابراتها بعدما قالت الرياض إنها عملية انحرفت عن مسارها.

محمد بن سلمان حاضر رغم عدم ذكره

الملفت أنه وخلال كلمته هذه لم يذكر أردوغان ولي العهد محمد بن سلمان بالاسم، في وقت يوجه فيه أعضاء من الكونغرس الأمريكي اتهامات مباشرة لولي العهد السعودي، وعلى رأسهم السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الذي كان في الماضي القريب من أحد المعجبين بشخصية الشاب "الإصلاحي". بيد أنه أقر في حوارات تلفزيونية بعد مقتل خاشقجي أنه خدع في محمد بن سلمان لدرجة أنه "ساهم هو أيضا في تلميع صورته في الغرب".

لكن أردوغان ألمح في الوقت ذاته على إصرار تركيا على ضرورة أن تكشف الرياض عن الجناة الحقيقيين من "أسفل السلم إلى أعلاه". ويقول أردوغان في خطابه إن "أجهزة المخابرات والأمن لديها أدلة تظهر أن القتل كان مدبرا... وإلقاء اللوم في مثل هذه القضية على بعض أفراد المخابرات لن يرضينا أو يرضي المجتمع الدولي"، وذلك في إشارة إلى تسريبات حول تورط اللواء أحمد عسيري نائب رئيس المخابرات الذي أعفي مؤخرا من منصبه.

من دون شك أن حبكة خطاب أردوغان لم تكن لترق إلى تطلعات المعارضة السعودية التي كانت تتمنى خطابا أكثر وضوحا وصرامة، لكن رئيس منظمة قسط لحقوق الإنسان في السعودية، يحيى عسيري في حوار مع DW عربية يوضح أن هذه الكلمة كانت "رغم ذلك مطمئنة" لكونها أظهرت "عزم وجدية" أردوغان في التعاطي مع هذا الملف.

ولا يشك يحيى عسيري في أن أردوغان وأثناء توجيه الكلام إلى الملك سلمان كان يقصد الابن شخصيا، ويضيف: "خاصة أنه هو وشقيقه خالد بن سلمان، كانا أول من سارع إلى إنكار عملية القتل، في حين أنهما على علم تام بكامل التفاصيل، كما تفيد التسريبات الإعلامية"، يقول المعارض السعودي.

السؤال المطروح، لماذا اعتمد أردوغان هذا الأسلوب دون "الخوض في التفاصيل" كما وعد؟

يجيب الدكتور سعيد الفقيه، رئيس الحركة الإسلامية، على هذا السؤال موضحا أن أردوغان لم تكن لديه خيارات أخرى سوى ما قام به اليوم أمام أعضاء حزبه لسببين. الأول لأن الأدلة التي تتوفر عليها تركيا هي ليست "قطعية وقانونية، وإنما ذات طبيعة  تجسسية"، وهذا ما سوف يحرج تركيا في حال قام رئيسها بعرضها على العالم.

وحسب معلومات أفاد بها المعارض الإسلامي، استنادا على مصادره الخاصة، يتوفر الأتراك حتى "على تسجيل مصور يظهر بن سلمان وهو يصدر أوامر بقتل خاشقجي"، حسب إفادته. ولكونه من "غير اللائق اعتماد دولة ما على أدلة من هذا النوع، فلا يبقى أمام تركيا سوى استخدام خيار الأدلة غير المباشرة" للكشف عن المزيد من الحقائق.  

أما السبب الثاني فيعود حسب الدكتور الفقيه إلى كون أن أي اتهام يصدره رئيس دولة اتجاه مسؤول في دولة أخرى بهذا الحجم، أمر يستلزم أدبيا وأخلاقيا إجراءات موازية، بما في ذلك قطع العلاقات الديبلوماسية، وفي الحالة التركية قطع العلاقات مع السعودية سياسيا واقتصاديا "مسألة ضخمة وخطيرة، لا حاجة لأردوغان بها".

مستقبل محمد بن سلمان

وإذا سلمنا بصحة طرح المعارض الإسلامي السعودي سعد الفقيه، فإننا قد نشهد في الأيام القادمة زيادة لجرعة التسريبات في الصحافة التركية لما هو متوفر من أدلة، ومن شأن ذلك أن يضر بجميع محاولات محمد بن سلمان الملك القادم المفترض للملكة العربية السعودية لاحتواء أزمة بدت تجلياتها أكبر من حصار قطر واحتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري أو حتى الخوض في الحرب في اليمن. 

وإلى غاية اللحظة، يبدو الموقف السعودي واضحا وهو التشبث بولي العهد، الذي كُلف بعد مقتل خاشقجي بإعادة هيكلة جهاز الاستخبارات، وذلك في رسالة واضحة مفادها أن الرياض لا تتجه نحو تغيير لموازين القوى في الأسرة الحاكمة. ويوم الأحد الماضي أعلن وزير الخارجية عادل الجبير من أندونيسيا أن محمد بن سلمان لم يكن على علم بالواقعة، مقرا أن قتل خاشقجي "خطأ كبير وجسيم"، وذلك بعد سلسلة من الروايات المتناقضة التي بدأت بنفي عملية الاغتيال.

وأمام التقارير التي تتحدث عن الوضعية الصحية التي لا تسمح للملك سلمان بمتابعة تداعيات مقتل خاشقجي بكل تشعباته، يقر كل من المعارضين الدكتور سعد الفقيه والحقوقي يحيى عسيري، أن محمد بن سلمان لا يزال الحاكم الفعلي بالسعودية وأن إمكانية سقوطه مستبعدة جدا في ظل الوضع القائم، خاصة وأن دعم الرئيس الأمريكي ترامب لا يزال قائما.

رهانات السعودية المتبقية حاليا، هو كسب المزيد من الوقت عبر الغرق في تفاصيل التحقيقات خاصة بعد الإقرار بمقتل الصحفي، لنصبح أمام قضية تشبه في تطوراتها لمقتل الحريري الأب.

بيد أن أي صور جديدة ستكون لدى الأتراك، وحتى في حال العثور على جثة خاشقجي، الذي طالب أردوغان السعوديين وبوضوح بالكشف عن مكانها في خطابه اليوم، ستمنح القضية زخما أقوى، لكون أن العالم سيشهد لربما صوتا وصورة ما حصل مع الصحفي. والنتيجة المنطقية لذلك أن يضيق الخناق على ولي العهد السعودي بصورة أشد.