ملفات » الطريف إلى العرش

هل يوقف دم خاشقجي "عبث" محمد بن سلمان في المنطقة؟

في 2018/10/29

وكالات-

منذ ظهوره على الساحة السياسية في الشرق الأوسط أحدثت سياسة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان زلزالاً سياسياً في المنطقة، حتى وصفت من قبل الساسة العالميين بـ"المغامرة" تارة و"العبث والرعونة" تارة أخرى.

وكسر بن سلمان تقليداً سار عليه من كانوا قبله بأن تكون السياسة الخارجية للمملكة محافظة ومبعث استقرار، فالحرب في اليمن المجاور التي دخلت عامها الثالث باتت تستنزف أرواح اليمنيين بلا طائل، وسط انتقادات عارمة للكارثة التي أحدثتها.

كما أن قيادة ولي العهد السعودي لحصار قطر هددت الأمن الإقليمي في الخليج، وأدت إلى تدمير واضح لدور مجلس التعاون الخليجي الذي كان ينعم باستقرار لافت في المنطقة.

لكن يبدو أن مقتل الصحفي جمال خاشقجي والتداعيات التي تركتها هذه الجريمة جعلت المجتمع الدولي مجبراً على "تحجيم وردع" بن سلمان.

وأثار قتل خاشقجي بالقنصلية السعودية في إسطنبول بالثاني من أكتوبر الجاري، غضباً عالمياً، وسط اتهامات بدور محتمل لبن سلمان، الحاكم الفعلي القوي للمملكة والذي يسيطر على أجهزة الأمن فيها.

-حجة للتخلص منه

وقبل مقتل خاشقجي كانت الأوساط الدولية تنتقد بشدة سياسة بن سلمان ولا سيما حصار قطر الذي لا يوجد له أي مبرر بإجماع المجتمع الدولي، وحرب اليمن التي تسببت بمقتل الآلاف وتدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية بشكل غير مسبوق، كما تتهم تقارير أممية الرياض بالتسبب في أمراض ومجاعة لملايين اليمنيين بسبب هذه الحرب.

وفي فترة ما قبل حادثة القنصلية (2 أكتوبر 2018) أعاق نواب أمريكيون ما لا يقل عن أربع صفقات أسلحة مع السعودية، بسبب حرب اليمن ومقتل مدنيين في هجمات نفذها التحالف بقيادتها.

ويمكن الاستنتاج من سياق الأحداث المذكورة وجود ضجر عالمي من سياسة بن سلمان حتى داخل الولايات المتحدة، على الرغم من دعم إدارة الرئيس دونالد ترامب المنقطع النظير له، وربما وجدت أوساط في قتل خاشقجي فرصة لتحجيمه، بل ربما سهلت تنفيذ الجريمة لاتخاذها ذريعة قوية ضده، كما يرى محللون.

فبحسب صحيفة "واشنطن بوست" كانت المخابرات الأمريكية على علم بمخطط أمر به بن سلمان نفسه ضد خاشقجي، من خلال رصدها محادثات لمسؤولين سعوديين خططوا لاستدراجه واعتقاله في إسطنبول.

لكن المتحدّث باسم الخارجية الأمريكية، روبرت بالادينو، أكد أن بلاده لم تكن على علم مسبقاً بأي مخاطر تهدد خاشقجي، إلا أنه في المقابل قال إنه لا يستطيع التكلم في "مسائل الاستخبارات".

وفي هذا السياق يقول خليل جهشان، مدير المركز العربي للدراسات في الولايات المتحدة، إن تصريح "واشنطن بوست" مصدره موظف سابق بالمخابرات الأمريكية، "وعادةً لا تنشر الصحيفة خبراً دون أن يكون هناك مصدران أو ثلاثة"، موضحاً في حديث لـ"الخليج أونلاين" أن "العملية وباعتراف السعودية جاءت ضمن برنامج سياسي لإعادة المعارضين للمملكة".

ولدى سؤاله لماذا لم تحذر المخابرات الأمريكية خاشقجي؟ ذكر أنه "كان بإمكان المخابرات الأمريكية أو أي مؤسسة حكومية لو أرادت سياسياً، أو لديها حسن نية، أن تحذر خاشقجي من أنه في خطر، لكن يبدو أنه لم يكن هناك حسن نية لذلك"، مبيناً أن "أجهزة المخابرات يهمها حماية المصدر الذي سرب لها هذا الخبر، والذي يبدو أنه من خلال تنصت داخل السعودية، والإدارة الحالية لا تريد أن تعترف أنها تتنصت حتى لا تدخل في مأزق قانوني أيضاً".

-تسوية تحمل تغييراً

وفي سياق ذلك قال مسؤول رسمي مصري بارز في تصريح لـصحيفة "العربي الجديد": إنّ "أيام محمد بن سلمان -كولي عهد- باتت معدودة، وجميع حلفاء السعودية بدؤوا الاستعداد للمرحلة التي ستلي تركه لموقعه، وإعادة ترتيب الأوراق في المنطقة". 

لكن المسؤول المصري عاد واستدرك أنه "سواء تم إعفاء بن سلمان من منصبه أم لا فإنّ الأوضاع في المنطقة ستتغيّر، فالسعودية قبل قضية خاشقجي غير السعودية بعدها" كما قال.

ويمكن لمس هذا التغيير من خلال اللهجة الناعمة لبن سلمان تجاه من كان يصفهم بـ"مثلث الشر والتطرف"، إذ مدح تركيا وقطر خلال كلمته في منتدى "دافوس الصحراء" الذي قاطعه المجتمع الدولي بعد مقتل خاشقجي.

وأوضح قائلاً: "إن قطر لديها اقتصاد قوي وستكون مختلفة تماماً بعد 5 سنوات، كما لن يستطيع أحد زعزعة العلاقات مع تركيا ما دام فيها رئيس اسمه أردوغان".

مراقبون اعتبروا كلامه مؤشراً على إذعانه للضغوطات التركية وربما الأمريكية لتصفية جميع الإشكالات التي تسبب بها، في سياق تسوية دولية لطي ملف خاشقجي مقابل "تحجيم بن سلمان".

كما فاجأ رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، والذي كان يزور الرياض الأسبوع الماضي، الجميع بإعلانه عزم بلاده على الوساطة بين جماعة الحوثي والمملكة لوقف الحرب في اليمن، في خطوة غير مسبوقة ولافتة في هذا التوقيت.

وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي الدكتور نبيل البكيري: إن "هناك مؤشرات خطيرة دولية فيما يتعلق بقضية خاشقجي يثيرها الإعلام الغربي بقوة، وتشير كما سربت المخابرات الألمانية إلى أن هذا الرجل لا يصلح أن يكون حاكماً، بسبب تاريخه المرضي حيث كشفت وسائل إعلام ألمانية أنه يعاني من الصرع".

واعتبر البكيري في تصريح لـ"الخليج أونلاين" خروج تقارير كهذه مقدمة للضغط على الأسرة الحاكمة السعودية والملك سلمان لإعادة النظر في ولاية العهد، مضيفاً: إن "المسألة ستخضع للمساومة السياسية بين الأطراف الدولية والملك سلمان بخصوص بقاء نجله محمد".

كما لفت إلى أن "ملف الحرب في اليمن دخل في تعقيدات، خصوصاً في ظل التراجع الدور السعودي لحساب الإمارات نتيجة الأزمة الحالية في المملكة، وربما بشكل كبير بات الأمر بيد أبوظبي خصوصاً في المناطق المحررة جنوباً".

وتوقع أنه "إذا ما حصلت تسوية بخصوص قضية خاشقجي، واستطاعت بموجبها أن تزيح اللوبي الإماراتي المتحكم بالقرار السياسي في المملكة فستحل الأزمة في اليمن"، لكنه في نفس الوقت اعتبر أن الوساطة الباكستانية لن تأخذ حظها في هذا التوقيت، "لأنها تعتمد على ما ستنتهي إليه الأزمة في الرياض".

ولفت أيضاً إلى أن الأزمة مع قطر ستتأثر أيضاً بما ستنتهي إليه قضية خاشقجي، مضيفاً أنه "ربما حمل خطاب بن سلمان إشارة إيجابية لكن لا يمكن الحكم عليها الآن"، وأكد أن "الموقف القطري بات قوياً في هذه الأزمة".