نيويورك تايمز- ترجمة شادي خليفة-
سلطت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية الضوء على الأنباء القادمة من الرياض، أمس الثلاثاء، بشأن عودة الأمير "أحمد بن عبدالعزيز"، شقيق الملك "سلمان"، إلى السعودية، بعد عدة أسابيع من الأنباء حول قراره الإقامة بشكل دائم في منفى اختياري في لندن.
وقالت الصحيفة الأمريكية إن عودة الأمير "أحمد" تعد أهم خطوة داخل العائلة المالكة منذ مقتل الصحفي المعارض "جمال خاشقجي".
وتأتي عودة الأمير "أحمد بن عبدالعزيز"، التي أكدها 3 سعوديين مقربين منه، وسط رد فعل دولي ضد المملكة بعد القتل الوحشي لـ"خاشقجي" داخل القنصلية السعودية بإسطنبول.
وكان الأمير "أحمد"، الشقيق الأصغر للملك "سلمان"، خائفا من العودة، كما قال أفراد من عائلته، منذ أن أدلى بتصريحات علنية الشهر الماضي بدا أنه انتقد فيها ولي العهد "محمد بن سلمان"، البالغ من العمر 33 عاما، ابن الملك المفضل، وحاكم المملكة بحكم الأمر الواقع.
ووفقا لـ"نيويورك تايمز" فإن عودة الأمير "أحمد"، 78 عاما، ستسهم في إضفاء الشرعية على أي رد عائلي على الغضب العالمي بشأن مقتل "خاشقجي"، سواء كان ذلك الرد من خلال بعض الجهد للحد من قوة ولي العهد، أو بدلا من ذلك الالتفاف حوله وتعزيز قبضته على المملكة.
وقال "غريغوري غوز"، الباحث في شؤون المملكة العربية السعودية في كلية "بوش" للحكم والخدمة العامة في جامعة تكساس إيه آند إم: "تعد عودته مؤشرا مهما على حدوث مناورات داخل العائلة المالكة".
وكان مقتل "خاشقجي"، أحد الكتاب في صحيفة "واشنطن بوست"، في 2 أكتوبر/تشرين الأول، قد أدى إلى غرق حكام المملكة في أهم أزماتهم الدولية منذ الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر/أيلول 2001، عندما كان معظم المهاجمين سعوديين.
وقد استغرق الأمر من حكام المملكة أكثر من أسبوعين منذ اختفاء "خاشقجي" داخل القنصلية السعودية في اسطنبول للإقرار بأنه اغتيل هناك من قبل فريق من العملاء السعوديين.
وقال مسؤولون أتراك إنهم يملكون تسجيلات صوتية وأدلة أخرى تثبت أن العملاء قاموا بتقطيع أوصاله بسرعة بواسطة منشار عظم للتخلص من الجثة، وهي عملية يقولون إنها لا يمكن أن تتم إلا بضوء أخضر من أعلى مستويات الديوان الملكي.
ووصف المسؤولون السعوديون عملية القتل بأنها "عمل مارق"، ويصرون على أن ولي العهد لم يأمر بالقتل ولم يعلم عنه.
وقد شكك العديد من المسؤولين الغربيين الحاليين والسابقين من ذوي الخبرة في المملكة في معقولية هذا التأكيد، نظرا إلى سيطرة الأمير الصارمة على أجهزة المخابرات والأمن في المملكة.
وتقول "نيويورك تايمز" إنه مع وجود كل هذا الضغط الآن على ولي العهد، تكهن مراقبون خارجيون بأن العائلة المالكة قد ترد عن طريق إرجاعه خطوة للخلف، أو بدلا من ذلك من خلال السعي لفرض بعض الضوابط على سلطته.
وقد تسعى العائلة إلى إضافة وزير خارجية قوي، على سبيل المثال، لتخفيف دور ولي العهد في مسائل السياسة الخارجية أو العلاقات مع الغرب.
وتثير الطريقة التي سيخرج بها ولي العهد من الفضيحة اهتماما شديدا في واشنطن، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن إدارة "ترامب" كانت قد احتضنته على أنه أهم حليف عربي لها، وحليفا محوريا لخططها للحد من النفوذ الإيراني وإجبار الفلسطينيين على التوصل إلى اتفاقية سلام مع (إسرائيل).
ويُنظر إلى الأمير "أحمد" على نطاق واسع على أنه شخصية ذات ثقل خاص في الأسرة، لأنه الأخ الوحيد الباقي على قيد الحياة للملك "سلمان" من بين ما يسمى بالسديريين السبعة، وهم أبناء الملك "عبدالعزيز" السبعة من زوجته المفضلة، "حصة بنت أحمد السديري".
وقد شكل هؤلاء الإخوة كتلة قوية من بين العشرات من ذرية الملك، حيث مر العرش من أخ إلى أخ، وقسموا الوزارات الرئيسية فيما بينهم، وفقا للصحيفة الأمريكية.
وكان الأمير "أحمد" قد شغل منصب نائب وزير الداخلية لعدة عقود، ثم منصب وزير الداخلية لفترة وجيزة عام 2012، وقد أمضى أعوامه الست الماضية في لندن بشكل رئيسي.
ووفقا للصحيفة الأمريكية، فإن الأمير "أحمد" قد أرجأ عودته مرارا وتكرارا خشية أن يتم وضعه قيد الإقامة الجبرية من قبل ولي العهد "بن سلمان" كما تعرض العديد من العائلة المالكة الأخرى، الذين كانوا يُنظر إليهم كمنافسين على العرش لمثل هذا الإجراء.
وقد بدأت مخاوف الأمير في التزايد الشهر الماضي، عندما كان متظاهرون في لندن يهتفون ضد العائلة المالكة بسبب دور السعودية في الحرب الأهلية التي دامت 3 أعوام في اليمن، والتي أدت إلى جمود عسكري وكارثة إنسانية.
وقال الأمير "أحمد" في تصريحات تم التقاطها في مقطع فيديو: "ما علاقة هذا بآل سعود؟"، في إشارة إلى العائلة المالكة الأوسع من آلاف الأمراء والأميرات، وأكمل: "المسؤولون هم الملك وولي العهد".
وأضاف: "أتمنى أن يتحسن الوضع، سواء في اليمن أو في أي مكان آخر، اليوم قبل الغد".
وجعلت هذه التصريحات الأمير "أحمد" بطلا على الفور للمعارضين العرب لولي العهد حول المنطقة، وقد أقسم العديد على الولاء له بالملك على شبكة الإنترنت، وفق ما رصدته الصحيفة الأمريكية.
لكن الأمير سرعان ما أوضح أنه لا ينوي معارضة ولي العهد، وأصدر بيانا قال فيه إن تعليقاته تمت إساءة تفسيرها.
وحتى يوم الثلاثاء، بقي الأمير "أحمد" في لندن، بينما كان يسعى للحصول على تأكيدات بأنه لن يواجه أي تداعيات من قبل ابن أخيه القوي إذا عاد إلى الرياض.
وتعلق "نيويورك تايمز" أنه لم يتضح بعد ما إذا الأمير كان يشعر بالأمان في العودة، أم عاد فقط لأنه كان بحاجة للمساعدة في دعم ولي العهد ضد منتقديه الغربيين.
وقال أشخاص مطلعون على رحلاته إن الأمير "أحمد" هبط في السعودية في نحو الساعة 1:30 من صباح الثلاثاء، وكان ولي العهد "محمد بن سلمان" هناك ليرحب به بحرارة في المطار.
ومنذ أن تولى والده الملك "سلمان"، البالغ 82 عاما، العرش عام 2015، سيطر "بن سلمان" على وزارة النفط الحاسمة، وكذلك قوات الأمن الرئيسية.
كما أنه قام بشكل منهجي بتحطيم منافسيه المحتملين في الأسرة، ولم يترك أي شخص في موقف يسمح له بالتحدي.
ويقول دبلوماسيون اجتمعوا مع الملك أن شيخوخته ربما تكون قد قللت من قدرته على تقييد ابنه.
ولم تغط وسائل الإعلام السعودية عودة الأمير "أحمد"، ما يشير إلى أنه ربما لم يعد إلى دياره بأمر من ولي العهد،. ويعلق منتقدو ولي العهد آمالهم على كبار رجال العائلة المالكة، لكنهم شعروا بخيبة أمل في النهاية.
وكان الأمير "تركي الفيصل"، وهو سفير سابق في واشنطن ولندن، ورئيس سابق للمخابرات، صديقا لـ"خاشقجي" منذ عقود عندما عملا معا في المؤسسة السعودية.
وفي الأسابيع التي أعقبت مقتل "خاشقجي"، تحدث "الفيصل" في واشنطن.
لكن بدلا من الضغط من أجل التغيير في الرياض، دعم الأمير "تركي" علنا ولي العهد، وقال في مقابلة مع "ديفيد أغناتشيوس" في صحيفة "واشنطن بوست": "كلما كان هناك انتقاد أكثر لولي العهد، أصبح أكثر شعبية في المملكة".
وترى "نيويورك تايمز" أن عودة الأمير "أحمد" تأتي في وقت يواجه فيه حكام المملكة مواجهة متصاعدة مع الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، وهو صديق لـ"خاشقجي"، طالبهم بالكشف عن مكان جثته.
وقال مسؤولون سعوديون إن القتلة أعطوا جثة "خاشقجي" إلى "متعاون محلي"، لكنهم رفضوا تحديد هوية ذلك الشخص.
وقد اتهم "أردوغان" النظام السعودي بمحاولة التغطية والتستر على المجرم الحقيقي، قائلا: "هناك لعبة يتم لعبها لإنقاذ شخص ما".